العلاقات السعودية–الأمريكية بعد زيارة بن سلمان أضفت استقرارا اقتصاديا ودبلوماسيا وسط ملفات مفتوحة


الرياض: “القدس العربي”:

شهدت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن مؤخرًا سلسلة من اللقاءات الرسمية والمباحثات الاقتصادية والسياسية، والتي سلطت الضوء على استقرار العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، رغم استمرار بعض الملفات الجيوسياسية الحساسة بلا تقدّم ملموس.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الزيارة تؤكد على التحوّل التدريجي في طبيعة العلاقة بين البلدين، من الاعتماد على النفط إلى شراكات اقتصادية ودفاعية أوسع نطاقًا.

وفي تصريحات لـ”القدس العربي”، أوضح الدكتور جمال البواريد، الكاتب والصحافي في وكالة الأنباء الأردنية، أن «زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن كانت بمثابة اختبار جديد لقدرة المملكة على إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة في مرحلة دولية معقدة، تتميز بتداخل القضايا الاقتصادية والاستراتيجية».

وأضاف البواريد أن «اللقاءات الرسمية ركّزت على تعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي، فيما بقيت القضايا السياسية الكبرى، مثل التطبيع مع إسرائيل والوضع في قطاع غزة، مفتوحة على احتمالات متعددة، دون أي مؤشرات على تقدم سريع”.

وأشار إلى أن «إعلان الولايات المتحدة عن تصنيف السعودية كـ(حليف رئيسي غير عضو في الناتو) يحمل دلالة رمزية على تعزيز الثقة بين الطرفين، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى تغييرات جوهرية في الملفات الجيوسياسية العالقة».

كما لاحظ أن «التصريحات المتعلقة بصفقة مقاتلات F-35 كانت محكومة بالقيود التشريعية الأمريكية، التي تتطلب الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، ما يجعل تمرير الصفقة مرتبطًا بتفاعلات الكونغرس ومسار التطبيع الإقليمي”.

استثمارات ضخمة واهتمام أمريكي بالاقتصاد السعودي

من جهة أخرى، ركّزت زيارة الأمير محمد بن سلمان على الجانب الاقتصادي، حيث أعلن عن زيادة حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري بين البلدين. وأوضح البواريد أن «الجانب الأمريكي أبدى اهتمامًا بالغًا بالاستثمارات السعودية الكبيرة، وهو ما يعكس إدراك واشنطن لأهمية السعودية كشريك اقتصادي واستراتيجي”.

وأضاف أن «هذه الاستثمارات تشمل قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والتقنيات الحديثة، ما يشير إلى أن العلاقة بين الرياض وواشنطن لم تعد محصورة بأسعار النفط، بل أصبحت تتجاوزها لتشمل التعاون الاقتصادي والاستثماري الواسع». ورغم ذلك، شدّد البواريد على أن «الإطار السياسي يبقى حساسًا، إذ أن الملفات المتعلقة بالتطبيع الفلسطيني–الإسرائيلي والوضع في غزة لا تزال تشكل عوامل مؤثرة في أي توافق استراتيجي أوسع”.

السياسة السعودية المستقلة

تتجه السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية، تركز على مصالحها الوطنية وتنوّع شراكاتها. ووفقًا للباحث السياسي السعودي مبارك الحمر لـ”القدس العربي”، فإن «الرياض تعمل على إعادة رسم دورها الإقليمي بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على واشنطن فقط، مع الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية معها». وأضاف أن «السعودية تعمل على تقليل التوترات مع إيران، والانفتاح على تقارب محدود مع الصين وتركيا وقطر، مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي”.

وأوضح الحمر أن «هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية، بحيث يمكن للمملكة ممارسة دور فاعل في المنطقة من دون الانخراط في صراعات مكلفة، كما حدث في اليمن سابقًا». وأشار إلى أن «التركيز على المصالح الوطنية يعكس تحولًا في السياسة السعودية، إذ لم تعد المملكة تتحمّل وحدها مسؤولية القضية الفلسطينية، بل أصبحت تعمل ضمن منظومة إقليمية متعددة الأطراف تتقاسم الأدوار والتأثير”.

ملفات غزة والفلسطينيين

لم تصدر خلال الزيارة أي تصريحات واضحة بشأن الوضع في قطاع غزة، ما يشير إلى أن السعودية تتبنى نهج الانتظار حيال خطط الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تصريحاته، أكد الحمر أن «السعودية تلتزم بمبادئها في دعم الحقوق الفلسطينية، لكنها لا تدخل في قرارات عسكرية أو سياسية مباشرة دون توافق إقليمي ودولي». وأضاف: «الملف الفلسطيني يبقى محور اهتمام المملكة، لكنه مرتبط اليوم بتوازنات دقيقة بين المصالح الوطنية، والعلاقات مع واشنطن، والدور الإقليمي للدول الخليجية وتركيا وقطر”.

الدفاع والتعاون العسكري

في ما يتعلق بالتعاون الدفاعي، أوضح البواريد أن «الزيارة شهدت تأكيدًا على استمرار الاعتماد السعودي على واشنطن كشريك أساسي في صفقات الدفاع، مع إبقاء الخيارات مفتوحة لتطوير قدرات المملكة العسكرية بما يتماشى مع القوانين الأمريكية ومصالح إسرائيل». وأضاف أن «العلاقة الدفاعية لا تزال محكومة بالمعايير القانونية والسياسية الأمريكية، وهذا يوضح أن أي تقدّم في صفقات مثل F-35 يحتاج إلى توافق متعدد المستويات بين البيت الأبيض، الكونغرس، وإسرائيل”.

وأكد الحمر أن «المملكة تراعي في تعاملها الدفاعي ضرورة الحفاظ على التوازن الإقليمي، وضمان ألا تؤثر صفقات الأسلحة على استقرار المنطقة، وهو ما يفسر حرص الرياض على عدم ربط صفقات الدفاع بأي خطوات سياسية قد تثير ردود فعل معقدة”.

العلاقة الاقتصادية والدبلوماسية بعد النفط

تظهر نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان أن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة لم تعد مقتصرة على النفط فقط، بل تشمل تعاونًا اقتصاديًا ودفاعيًا واسع النطاق. وأشار البواريد إلى أن «الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة تُعدّ أداة استراتيجية لتعزيز النفوذ السعودي والتمكين من مرونة سياسية أكبر، خصوصًا في مواجهة أي تغييرات محتملة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط”.

من جانبه، يرى الحمر أن «الجانب الاقتصادي أصبح عنصرًا رئيسيًا في استقرار العلاقات الثنائية، إذ تتيح الاستثمارات الكبيرة والمشاريع المشتركة فرصًا للتعاون بعيدًا عن الضغط السياسي المباشر، وهو ما يعزز قدرة السعودية على إدارة ملفاتها الإقليمية وفق مصالحها الوطنية”.

موازنة المصالح والتحديات المستقبلية

يبرز من مجمل الزيارة أن السعودية توازن بين مصالحها الاقتصادية والسياسية، مع الحرص على إبقاء القضايا الحساسة مفتوحة على احتمالات متعددة. وأوضح البواريد أن «الأمير محمد بن سلمان ركّز على تطوير علاقات محدودة مع الصين، والانسحاب التدريجي من صراعات مكلفة مثل اليمن، مع الحفاظ على شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة ودول المنطقة”.

وأشار البواريد إلى أن «السياسة السعودية في المرحلة المقبلة ستعتمد على تحقيق أكبر قدر من الاستقلالية في القرار الوطني، مع تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة ضمن حدود المعايير القانونية والسياسية، دون الانخراط في أي خطوات قد تعرّض مصالح المملكة للخطر”.

من جانبه، يرى الحمر أن «النجاح المستقبلي للعلاقات السعودية–الأمريكية مرتبط بقدرة الرياض على إدارة توازن المصالح، وتقديم رؤية واضحة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز الأمن الإقليمي، دون أن تتحول القضايا الإقليمية مثل التطبيع أو الوضع الفلسطيني إلى عقبة أمام الشراكة الاستراتيجية”.

الكاتب التركي قدير أوستون في صحيفة “يني شفق”

أسفرت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن عن تأكيد استقرار العلاقات السعودية-الأمريكية، وفق ما أشار إليه الكاتب التركي قدير أوستون في صحيفة «يني شفق» في مقال مؤخرا.

وبينما ركّزت الزيارة على تعزيز الشراكات الاقتصادية والدفاعية بين البلدين، لم تسجّل تقدّمًا ملموسًا في القضايا الجيوسياسية الحساسة، خاصة ملفات التطبيع مع إسرائيل وصفقة مقاتلات F-35.

وأوضح أوستون أنّ الإعلان عن السعودية كـ«حليف رئيسي غير عضو في الناتو» واهتمام الجانب الأمريكي بصفقات الأسلحة يشير إلى استمرار العلاقة الوثيقة، إلا أنّ الملفات السياسية الكبرى ما زالت مفتوحة على خيارات متعددة ومعقّدة.

وقد أظهر الأمير محمد بن سلمان اهتمامًا بالاستثمارات الضخمة، إذ أعلن عن رفع قيمة الاستثمارات السابقة من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار، فيما بقي ملف التطبيع مرتبطًا بإقامة دولة فلسطينية، ما يوضح أن القضايا الإقليمية لم تصل إلى تسويات محددة بعد.

وفي هذا السياق، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ربط الصفقة بمسار التطبيع مع إسرائيل، فيما أعرب الجانب السعودي عن انفتاحه على التطبيع ضمن إطار متدرّج يراعي إقامة دولة فلسطينية مستقرة.

وأضاف الكاتب أن أي محاولة لتمرير الصفقة دون مراعاة هذه المعايير ستواجه تحديات سياسية وتشريعية، ما يوضّح أن الاتفاقيات الدفاعية مرتبطة بالسياسة الإقليمية المعقدة أكثر من كونها صفقات تجارية بحتة.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، لاحظ أوستون أن السعودية تتبع سياسة أكثر استقلالية، مع التركيز على مصالحها الوطنية وتنويع شراكاتها الإقليمية والدولية.

فقد سعت الرياض إلى تقليل الاعتماد على واشنطن في ملفات الأمن الإقليمي، وتخفيف التوتر مع إيران، وتحقيق توازن في علاقاتها مع الصين وتركيا وقطر، فيما استمرت جهودها الاقتصادية والإصلاحية لتوسيع دورها في المنطقة بعيدًا عن أي قيادة أحادية للقضايا الفلسطينية أو الإقليمية الكبرى.

كما بيّنت زيارة الأمير قدرة السعودية على الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وبين متابعة مصالحها الاستراتيجية المستقلة.

وفي المجمل، خلص الكاتب التركي قدير أوستون إلى أن العلاقة الأمريكية-السعودية لم تعد مقتصرة على النفط أو صفقات السلاح، بل تشمل تعاونًا اقتصاديًا ودفاعيًا أوسع. ومع ذلك، تبقى القضايا السياسية الكبرى مثل غزة ومسار التطبيع مع إسرائيل مفتوحة على احتمالات متعددة ومعقّدة.

ورغم الإعلانات الاستثمارية الضخمة التي قدمها الأمير محمد بن سلمان، فإن تأثير إسرائيل والكونغرس الأمريكي على الملفات الدفاعية يفرض حدودًا على أي توسع فوري في التعاون العسكري. وهذا يوضّح أن الرياض توازن بين الحفاظ على شراكتها مع واشنطن وتعزيز استقلالية قرارها الإقليمي وفق مصالحها الوطنية.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *