القاهرة ـ «القدس العربي»: أغلقت لجان الانتخابات أبوابها أمس الثلاثاء، في اليوم الثاني والأخير من عمليات التصويت في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري.
وشهدت المرحلة الثانية انتهاكات أكبر عن المرحلة الأولى، حيث انتقد مرشحون وأحزاب سياسية المشهد الانتخابي، وتحدثوا عن انتهاكات واسعة تمثلت في عمليات شراء أصوات المواطنين وتوزيع مواد غذائية واعتداءات نفذها بلطجية استهدفت مرشحين مستقلين.
أجواءً مشحونة
وجاءت المرحلة الثانية على عكس المتوقع، خاصة بعد حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الانتهاكات التي شهدتها المرحلة الأولى، وإبطال الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج 19 دائرة انتخابية في 7 محافظات.
حزب الدستور المصري قال إن المرحلة الثانية من الانتخابات شهدت أجواءً مشحونة وعدداً من الوقائع والانتهاكات والتجاوزات المرتبطة بسلوك بعض أنصار المرشحين، بالإضافة إلى صعوبات تنظيمية تتعلق بعملية دمج اللجان وإدارة المجمعات الانتخابية.
شراء الأصوات
وقال الحزب في بيان، إن متابعة مرشحيه في 11 دائرة انتخابية في القاهرة والغربية والشرقية والدقهلية والقليوبية كشفت عدداً من المخالفات والظواهر، أبرزها تجمعات الرشى الانتخابية (ما يطلق عليها نقاط معرفة اللجنة الانتخابية) خارج المجمع الانتخابي بأشكالها سواء توزيع نقود أو كوبونات، وقد تم ضبط وتوثيق عدد كبير من هذه النقاط في عدة دوائر من جانب حملات مرشحي الحزب ناصر صلاح الدين في العبور وفائقة طلبة في السيدة زينب وعابدين والدكتور محمود الملواني في طنطا ورشا عبد الرحمن في شبرا الخيمة وحكيم الراعي في مدينة السلام».
ووفق البيان، «تم إرسال عدد من الشكاوى من جانب رئيسة حزب الدستور للهيئة الوطنية للانتخابات».
ووفق الحزب «تم إلقاء القبض على مسؤول نقطة الرشوة الانتخابية بتهمة توجيه الناخبين للتصويت مقابل 200 جنيه لمرشحين بعينهم وهم عبد الله رماح وحاتم صيام».
تكدّس مصنوع
وتناول بيان الدستور ضعف الإقبال في لجان المدن في مقابل عدم انتظام التصويت وبطء سيره في لجان الريف التي شهدت إقبالاً بسبب تسكين أعداد كبيرة من الأصوات على الصناديق (ما يعرف بدمج اللجان) تفوق قدرة رئيس اللجنة على استقبال الناخبين في الوقت المحدد مما أدى إلى اضطرار عدد لا يستهان به من الناخبين للانصراف بعد طول انتظار بلا تصويت أو فشلهم في التصويت قبل إغلاق المجمع الانتخابي في التاسعة مساءً.
ولفت الحزب إلى التكدس المنظم المصنوع (ما يعرف بالطوابير الدوارة) أمام بوابات المجمع الانتخابي بهدف تعطيل التصويت انتظاراً لوصول حشود من الأصوات الموجهة بمقابل مادي من جانب أحزاب بعينها ومرشحيها مما أسفر عن تعطيل وانصراف الناخبين.
وزاد: فوجئ مرشحونا بعدم الاعتداد بتوكيلات الوكلاء الرسمية من قبل بعض رؤساء اللجان، والذى ورد في شكاوى أحمد الشربيني المرشح بالدقهلية محمود الملواني المرشح بالغربية ومحمد راضى الديب المرشح بالشرقية وحكيم الراعي بالقاهرة وكذلك نماذج التفويض الممهورة بخاتم لجنة الانتخابات وعدم معرفة البعض الأخر بالتعليمات المعلنة سلفاً من جانب الهيئة حول الفارق بين التوكيل العام والتوكيل الخاص بالصندوق وكلها أمور تنذر بارتباكات واحتقان كبير عند مرحلة فرز الأصوات اليوم، وقد تم إبلاغ الهيئة الوطنية بشكاوى المرشحين والتي قامت بدورها بفحص ما ورد واتخاذ اللازم.
وتحدث الحزب عن استخدام حافلات النقل العام في النقل الجماعي وتوجيه الناخبين لصالح مرشحين بعينهم.
تسعيرة الصوت
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توثق انتشار ظاهرة المال السياسي في عدد من الدوائر الانتخابي،.حيث وثقت سيدة عمليات شراء الأصوات في دائرة عين شمس في القاهرة لمرشحي حزبي الموالاة «حماة وطن ومستقبل وطن».
وقالت ناشرة الفيديو: الصوت بـ 400، وأضاف أحد الأشخاص أن الصوت يتراوح ما بين 300 و400 جنيه.
مطالبة بالإلغاء… ومقاطع فيديو توثّق انتشار ظاهرة المال السياسي
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على أنصار مرشحين، لتوزيعهم مبالغ مالية على المواطنين في دائرة قسم شرطة ثالث المحلة في الغربية لدفعهم للتصويت له.
وجاء ذلك عقب نشر النائب السابق والمرشح عن ذات الدائرة أحمد بلال البرلسي فيديو يوثق فيه انتشار المال السياسي بالقرب من إحدى اللجان في الدائرة.
البلطجية
استخدام البلطجية من قبل بعض المرشحين، كان أحد سمات المرحلة الثانية، وتحدثت مونيكا مجدي المرشحة في دائرة شبرا عن حزب الإصلاح والتنمية عن تعرضها للاعتداء ومؤيديها، أثناء متابعتها مجريات العملية الانتخابية بالدائرة.
وقالت في منشور عبر الفيسبوك: أنا موجودة الآن في قسم شرطة شبرا، البلطجية اعتدوا على فتاة وشاب عضوين في حملتي، وسرقوا هاتفي.
وطالبت الأهالي بضرورة مساندتها، وقالت: أهلي انزلوا وشاركوا حتى نهزم المال السياسي لا تتركوا الصندوق لمرشح المال السياسي، أنا أفعل أقصى ما في جهدي.
وأكدت احتياجها إلى محام للحضور مع والدتها وشقيقتها أمام النيابة، بعد القبض عليهن عقب تحرير محاضر كيدية من قبل مؤيدي أحزاب الموالاة.
الانتهاكات التي شهدتها المرحلة الثانية دفعت الحركة المدنية الديمقراطية لنشر بيان على صفحتها طالبت فيه بإلغاء الانتخابات.
البيان وقعت عليه الحركة بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، كنوع من التهكم على الانتخابات وتشبيها بآخر انتخابات برلمانية شهدتها مصر في عهد مبارك، وكانت أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011.
وقالت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم عددا من أحزاب المعارضة والشخصيات العامة، في بيانها، إن مصر تشهد لحظة فارقة لا تحتمل التردد ولا تستوعب المزيد من التزييف أو العبث، وإن المشهد السياسي والانتخابي الذي نراه لا يليق بدولة تسعى للاستقرار، ولا يعبر عن إرادة شعب يتطلع إلى مستقبل أكثر عدلا وحرية.
وأضافت الحركة أن السلطة تُصرّ على إدارة العملية السياسية بعقلية الإقصاء والتحكم، في تجاهل كامل للمطالب الوطنية المُلحة بإصلاح سياسي جاد وحقيقي، مؤكدة أن ما شاب العملية الانتخابية من عوار وغياب ثقة المواطنين فيها هو نتيجة طبيعية لتهميش السياسة، والمناخ القمعي المفروض منذ أعوام، والإصرار على هندسة العملية الانتخابية بما يستبعد كل القوى المستقلة ويُحيِّد أغلبية المواطنين.
ولفتت إلى أن هندسة العملية الانتخابية لم تهدف فقط إلى تمكين أحزاب الموالاة من السيطرة على أغلبية مقاعد البرلمان، بل إلى منع ــ قدر الإمكان ــ أي أصوات معارضة مستقلة من الوجود داخل البرلمان. فالمطلوب هو تأميم كامل للحياة البرلمانية والسيطرة التامة عليها.
وبينت الحركة أنها طالبت على مدار أعوام، بضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة للانتخابات وفي المناخ العام. فالإصلاح السياسي يبدأ بانفراجة في حرية التعبير عن الرأي، وحق التنظيمات السياسية والأهلية في العمل والحركة، وينتهي بقوانين انتخابية تضمن منافسة حقيقية بين القوى السياسية وبرامجها.
وزادت: طالبت الحركة بقانون انتخابي يضمن نسبة للقائمة النسبية، وخاضت حواراً طويلاً مع أحزاب الموالاة وممثلي النظام في الحوار الوطني حول أهمية هذا التغيير، إلا أن هذه الدعوات جرى تجاهلها، وصدر قانون انتخابي يجمع بين النظام الفردي والقائمة المغلقة المطلقة، إلى جانب إعادة ترسيم الدوائر بطريقة صُمِّمت لإقصاء قوى المعارضة والمستقله ومنعها من تقديم نفسها للناس أو خوض منافسة حقيقية وخلف تمييز ايجابي لصالح المال السياسي، فتحولت العملية الانتخابية إلى اتفاقات داخل غرف مغلقة بين عدد من أحزاب الموالاة والأحزاب المرضيّ عنها، قبل أن تنقلب هذه المحاصصة إلى صراع أنتج المشهد الحالي.
مشهد فاسد
وتابعت: أدّى هذا الأسلوب في إدارة الانتخابات إلى مشهد انتخابي فاسد، شابه الكثير من العوار وغياب النزاهة، وظهرت فيه ظواهر خطيرة مثل شراء الأصوات، والفوضى في اللجان، وصراعات غير سياسية فرضت نفسها على المشهد وأفسدت العملية الانتخابية برمتها.
وطالبت بأن يُستغل هذا الاعتراف ــ من القائمين على العملية الانتخابية ــ بوجود عوار في الانتخابات، وأن يكون فرصة لإعادة تغيير المسار والرؤية التي تُدار بها الأمور، وإلغاء هذه الانتخابات، وإعادة النظر في القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، بما يشمل تخصيص نسبة للقائمة النسبية، وإعادة ترسيم الدوائر بما يسمح للمرشحين بالعمل في نطاقات معقولة تمكّنهم من التواصل مع جمهورهم.
وأكدت أن أي محاولة للالتفاف على ما كشفته هذه الانتخابات، أو محاولة احتواء الأزمة عبر مناورات محدودة، لن تؤدي إلا إلى مزيد من عزوف المواطنين عن العملية الانتخابية والسياسية، وزيادة حالة الغضب وعدم الرضا وغياب الأمل. وهي نتائج لا يمكن تجنب تبعاتها إلا بإصلاحات حقيقية تبدأ بتغيير جذري في الطريقة التي تُدار بها الأمور في مصر، وهي الطريقة التي لم تُنتج خلال السنوات الماضية سوى التخبط والتراجع وانعدام الرضا الشعبي.
أحزاب الموالاة
في المقابل، واصلت أحزاب الموالاة الدفاع عن الانتخابات، وتوجيه اتهامات لجماعة «الإخوان المسلمين» ومن وصفتهم بالمرشحين الخاسرين.
وقال حزب «حماة الوطن» ثاني أكبر أحزاب الموالاة من حيث عدد المرشحين في الانتخابات، إنه تابع بقلق بالغ محاولات بعض الأطراف على رأسها جماعة الإخوان، وبعض العناصر المحسوبة على جهة المعارضة تشويه صورة العملية الانتخابية من خلال نشر معلومات مضلله وبث روايات لا تستند إلى حقائق و نشر مقاطع فيديو قديمة.
وأعلن أن الجهات المعنية بالإشراف على الانتخابات تواصل عملها بما يتوافق مع القوانين والمعايير الدولية، وتوافر أعلى درجات الشفافية والرقابة لضمان نزاهة التصويت وسلامة الإجراءات.
وكان حزب «مستقبل وطن» أكبر أحزاب الموالاة، سبق واتهم جماعة «الإخوان المسلمين» بشن حملات ممنهجة تستهدف تشويه مرشحيه في الانتخابات
إلى ذلك حاولت الهيئة الوطنية للانتخابات إنقاذ الانتخابات، وأعلنت إلزام رؤساء اللجان الفرعية والعامة بتسليم صورة طبق الأصل من الحصر العددي فور الانتهاء منه لكل مرشح أو وكيله الرسمي فقط، مع التأكيد على حظر تسليمها للمندوبين أو السماح لهم بحضور عملية الفرز، تطبيقًا لصحيح القانون ودرءًا للشبهات التي رافقت المرحلة الأولى، والسماح بحضور ممثلي الصحف والإعلام المعتمدين داخل لجان الاقتراع والفرز، مع حقهم الكامل في الاطلاع على الحصر العددي، في خطوة تهدف إلى تعزيز الرقابة الإعلامية والشفافية.
ومن المنتظر أن تجرى جولة الإعادة في المرحلة الأولى، في الخارج يومي 1 و2 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفي الداخل يومي 3 و4 من الشهر نفسه، وتعلن النتيجة النهائية في 11 من الشهر نفسه.
وستعلن الهيئة نتيجة المرحلة الثانية في 2 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، على أن تجرى انتخابات الإعادة في المرحلة الثانية في الخارج يومي 15 و16 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وفي الداخل يومي 17 و18 من الشهر نفسه، على أن ينتهي ماراثون الانتخابات بإعلان نتيجة الإعادة للمرحلة الثانية في 25 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.