باريس- “القدس العربي”: تحت عنوان “جبهتا فولوديمير زيلينسكي”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في افتتاحية عددها الورقي الصادر هذا الثلاثاء، إنّ شتاءً رابعاً من الحرب يلوح في الأفق في أسوأ الظروف لجميع الأوكرانيين، إذ إن الجنود على الجبهة منهكون من صراع لا نهاية له، ويصمدون دون أن ينهاروا، كما يحدث في بوكروفسك، في مواجهة معتدٍ يخوض حربه بلا أي اعتبار لكلفتها على جنوده.
وأضافت الصحيفة أنّ موسكو، من خلال قصفها الممنهج والمتزايد للبنى التحتية المدنية الأوكرانية، ولا سيما الطاقية منها، تجعل من جريمة الحرب جوهر استراتيجيتها في محاولة لكسر العزيمة اللافتة التي أبداها الأوكرانيون منذ 24 شباط/فبراير 2022، وذلك حتى الآن من دون نجاح.
وتابعت “لوموند” أن هذه “المعجزة الأوكرانية” تصطدم أكثر فأكثر بواقع مقلق، فعدم التوازن بين الجيشين المتواجهين، وبين مواردهما، بات أكثر وضوحاً رغم براعة الأوكرانيين. كما أن احتمال التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار قد يضع حداً لما أصبح، شهراً بعد شهر، واحدة من أطول الحروب التقليدية على الأرض الأوروبية، يبتعد أكثر فأكثر.
واعتبرت الصحيفة أنّ إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إخضاع أوكرانيا، مهما كان الثمن الذي يدفعه المدنيون، يجعل مفاوضات السلام وهماً ما لم يُتخذ أي إجراء يغيّر ميزان القوى المختلّ جوهرياً لصالح كييف.
وقد تفاقم هذا الاختلال مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستقباله في أغسطس/آب في ألاسكا الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين استقبالاً حافلاً من دون أن يحصل على أي مقابل.
ورأت “لوموند” أن تردّد الرئيس الأمريكي يترك واشنطن من دون بوصلة في لحظة يطالب فيها جزء من القاعدة الترامبية بأن تلتزم الإدارة بتركيز اهتمامها على “أولوية أمريكا”.
تردّد الرئيس الأمريكي يترك واشنطن من دون بوصلة في لحظة يطالب فيها جزء من القاعدة الترامبية بأن تلتزم الإدارة بتركيز اهتمامها على “أولوية أمريكا”.
أما التراجع عن فكرة تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” الأمريكية القادرة على ضرب عمق الآلة العسكرية الروسية فيمثّل أحدث مثال على هذا التخبط. فهذه الأسلحة، وإن لم تكن كفيلة بتغيير طبيعة الصراع، فإنها كانت ستعكس التزاماً أمريكياً لا يستطيع بوتين تجاهله.
وأضافت الصحيفة أن تقلب مواقف ترامب، الذي كثّف إطلاق إنذارات لا جدوى منها بشأن الملف الأوكراني، يضع الأوروبيين في الخط الأمامي. وليس ذلك تعبيراً مجازياً فقط، إذ تتزايد المؤشرات على حرب هجينة روسية تهدف إلى ردع الدول الأوروبية عن تعويض الانكفاء الأمريكي بقدر استطاعتها، رغم محدودية إمكاناتها. أما دعم الاقتصاد الأوكراني المنهار فيفترض أن يكون أولوية للجميع، وهو ما لا يتحقق في الواقع.
كما أن الكشف عن حالات فساد في قطاع الطاقة الأوكراني، والتي دفعت الرئيس فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته لباريس يوم الإثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى إقالة وزيرين، بينما تمكن أحد المقربين منه والملاحَق قضائياً من الفرار لتجنب المثول أمام العدالة، يزيد الوضع سوءاً. فهذا الفساد لا يشكل إهانة فقط للمقاتلين على الجبهة الذين يواجهون جيشاً يفوقهم عدداً، بل يعزز أيضاً موقف الدول الأوروبية الساعية إلى إرضاء الكرملين أولاً.
وهذه هي “الجبهة الثانية” للرئيس الأوكراني: فحزم كييف في مواجهة الفساد ضرورة قصوى لما له من تأثير على وحدة البلاد ودعم حلفائها، تختم “لوموند” افتتاحيتها.