هل تخلى معسكر ماكرون عنه؟ وما هي الخيارات أمامه بعد استقالة لوكورنو؟


باريس- “القدس العربي”: غداة استقالته المفاجئة من رئاسة الحكومة الفرنسية، بدأ سيباستيان لوكورنو مفاوضات تمتد على مدى 48 ساعة بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يرزح تحت ضغط غير مسبوق، وكلّفه بـ“تحديد برنامج عمل واستقرار”.

فقد استقبل لوكورنو قادة الكتلة المشتركة واقترح عليهم التركيز على ميزانية عام 2026 ومستقبل كاليدونيا الجديدة، كما دعا جميع القوى السياسية إلى الحضور إلى ماتينيون (رئاسة الوزراء) بحلول بعد ظهر الأربعاء.

وللخروج من هذا الوضع السياسي غير المسبوق وذي المآلات الغامضة، تبدو الخيارات محدودة أمام الرئيس الفرنسي. ففي صفوف الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، يضغط القادة على ساكن الإليزيه لتعيين رئيس وزراء من اليسار، بينما يفضّل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف العودة إلى صناديق الاقتراع، سواء عبر حلّ الجمعية الوطنية أو استقالة رئيس الجمهورية. هذا الخيار الأخير تؤيده أيضًا حركة “فرنسا الأبية” اليسارية الراديكالية.

وبعد الإخفاقات المتتالية لميشال بارنييه (من حزب “الجمهوريين” اليميني المحافظ)، يمكن لماكرون أن يقرر تعيين رئيس وزراء جديد. وقد استُبعدت فرضية إعادة تعيين لوكورنو، الذي كان يمكن أن يتولى تشكيل حكومة جديدة على أساس “منصة عمل واستقرار للبلاد”، بعد أن أعلن بنفسه أنه لا يرغب في ذلك.

بالتالي، قد يتجه الرئيس نحو شخصية أخرى تكون مهمتها تشكيل حكومة جديدة استنادا إلى ما سيتم التوصل إليه خلال “المفاوضات الأخيرة” الجارية حاليا بقيادة رئيس الوزراء المستقيل.

ومنذ الانتخابات التشريعية لعام 2024، يواصل اليسار المطالبة بمنصب رئيس الوزراء، إذ دعا الحزب الاشتراكي مجددا إلى ذلك يوم الاثنين، فيما قالت زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه: “التعايش هو آخر باب للخروج أمام إيمانويل ماكرون”.

غير أن هذه السيناريوهات لا تستبعد خطر تعرّض الحكومة الجديدة لحجب الثقة سريعا، خاصة بعد أن صعّد اليمين المتطرف لهجته معلنا أنه سيقوم بـ“حجب الثقة بشكل منهجي” عن أي حكومة إلى حين حلّ البرلمان.

ولا يبدو أن تشكيل حكومة مستقرة ممكن إلا في حال توصل المعسكرات المتعارضة إلى اتفاق بعدم إسقاط الحكومة لتجنب انتخابات جديدة.

ووفقا لمحيط الرئيس، فإن “رئيس الجمهورية سيتحمّل مسؤولياته” إذا فشل رئيس الوزراء المستقيل في إعادة توحيد الائتلاف الحكومي المنهار (حزب النهضة – الجمهوريون – موديم – آفاق). وتوحي هذه العبارة بإمكانية حلّ الجمعية الوطنية مجددا، بعد أن حُلّت في يونيو 2024، ما قاد إلى المشهد السياسي الحالي المتشرذم.

وقالت زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، مارين لوبان: “لقد وصلنا إلى نهاية الطريق، يجب أن نتوقف. وزراء من اليمين، وزراء من اليسار، كفى، ودعوا الفرنسيين يقررون”. واعتبرت أن حلّ الجمعية الوطنية “أمر لا مفرّ منه”.

وتتزايد الدعوات إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، خصوصا من اليمين المتطرف وبعض أطراف اليمين التقليدي المحافظ. ومع ذلك، يشير بعض المقربين من الرئيس إلى أن “هناك وسائل أخرى قبل الوصول إلى هذا الحد”، لكن “الرئيس هو من يملك المفاتيح”.

أما اليسار، فيقول إنه مستعد لانتخابات جديدة لكنه لا يرغب في خوضها الآن. وجاء في بيان مشترك عقب اجتماع بين بعض أحزابه: “في حال قرر إيمانويل ماكرون حلّ الجمعية الوطنية، فإننا مستعدون لاقتراح مستقبل آخر لبلادنا”.

لكن هذا الخيار يبدو محفوفا بالمخاطر بالنسبة لماكرون، الذي خسر معسكره نحو مئة مقعد في البرلمان عام 2024. وقال أحد الوزراء السابقين من التيار الرئاسي: “إذا لم تكن هناك وحدة في القاعدة المشتركة، فستكون الكارثة مؤكدة للكتلة الوسطية”.

قدّم إدوار فيليب، زعيم حزب “آفاق” ورئيس الوزراء الأسبق لماكرون، اقتراحا غير متوقع موجها مباشرة إلى رئيس الجمهورية، قائلاً في تصريح لإذاعة RTL: “سيكون من المشرف له، على سبيل المثال، أن يقترح اسم رئيس وزراء، ويعيّن رئيسا لتصريف الأعمال الجارية وإعداد الميزانية وإقرارها، ثم يعلن في النهاية عن تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة”.

ومن دون أن يذهب إلى حد المطالبة باستقالة ماكرون، عبّر رئيس الوزراء السابق غابرييل أتال عن ابتعاده الواضح عن رئيس الدولة، قائلاً: “مثل كثير من الفرنسيين، لم أعد أفهم قرارات رئيس الجمهورية. كانت هناك حلّ الجمعية الوطنية، ومنذ ذلك الحين هناك قرارات تعطي الانطباع بنوع من الإصرار على الاحتفاظ بالسيطرة”.

وقالت أوروغ برجيه، الوزيرة المستقيلة المكلفة بالمساواة بين النساء والرجال، في مقابلة مع قناة TF1 صباح اليوم: “رئيس الجمهورية لن يستقيل. والسؤال هو: هل الكتلة الوسطية واليمينية، التي هي أكبر عدديا من غيرها، قادرة في مرحلة ما على الاستمرار في التفاهم؟”.

أما في صفوف اليمين المحافظ، فقد أعلن زعيم حزب الجمهوريين ووزير الداخلية في الحكومة المستقيلة برونو روتايو أنه لا يغلق الباب أمام عودة إلى الحكومة، لكنه وضع خطًا أحمر قائلاً: “لا رئيس وزراء من صفوف الماكرونيين”. وأضاف: “الجمهوريون مستعدون للحكم بشرط واحد، وهو أن تكون هناك حكومة يمكنني أن أسميها حكومة تعايش”.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *