غزة: على مدى عامين من حرب الإبادة التي ترتكبها تل أبيب في قطاع غزة، لم يسلم الصحافيون من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، التي استهدفتهم بشكل مباشر أثناء عملهم الميداني.
فبينما يسعى الصحافيون لنقل صورة الواقع الإنساني والكارثي في غزة إلى العالم، وجدوا أنفسهم هدفا للهجمات الإسرائيلية التي حولت حياتهم ورسالتهم المهنية إلى خطر يومي يهدد وجودهم.
وبحسب إحصائيات للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، وعلى مدى عامين من الإبادة الجماعية، قتلت إسرائيل 254 صحافيا، بينهم نحو 27 صحفية.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى نهاية 2024، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 201 صحافي وصحافية، فيما قتل 51 آخرين منذ مطلع عام 2025.
كما أصيب 433 صحافيا وتعرض 48 آخرون للاعتقال، وشملت الهجمات الإسرائيلية استهداف البنية التحتية للقطاع الإعلامي في غزة.
وبحسب تصريحات لرئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي 12 مؤسسة صحافية ورقية، و23 مؤسسة إعلامية رقمية، و11 إذاعة، و16 فضائية (بينها 4 محلية و12 مقراتها بالخارج).
وأضاف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف أيضا 5 مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة، و5 مؤسسات نقابية ومهنية وحقوقية معنية بحرية الصحافة، كذلك دمر 53 منزلا لصحفيين، حيث قصفها بطائراته الحربية.
ويقدر المكتب الإعلامي الحكومي خسائر هذا القطاع في غزة بأكثر من 800 مليون دولار، ومع ذلك، لا تزال 143 مؤسسة إعلامية تواصل عملها هناك رغم القتل والتدمير.
وكانت أبرز الاغتيالات الإسرائيلية للصحافيين في غزة كالآتي:
5 صحافيين بينهم مريم أبو دقة
في 25 أغسطس/ آب 2025، شنت إسرائيل غارات على مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، ما أدى إلى مقتل الصحافيين مريم أبو دقة، وحسام المصري، ومحمد سلامة، ومعاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز، أثناء تأديتهم عملهم.
مريم أبو دقة، صحفية فلسطينية من مدينة خان يونس، سطرت مسيرتها بتضحيات استثنائية حين تبرعت بكليتها لإنقاذ والدها من ألم المرض، كما أبعدت طفلها الوحيد إلى خارج قطاع غزة ليكون في مأمن من الإبادة التي ترتكبها إسرائيل.
6 صحافيين بينهم الشريف وقريقع
في 10 أغسطس 2025، قتلت إسرائيل 6 صحافيين بينهم مراسلا قناة “الجزيرة” أنس الشريف ومحمد قريقع، بغارة استهدفت خيمة كانوا يقيمون فيها قرب “مستشفى الشفاء” غربي مدينة غزة.
كان اسم أنس الشريف حاضرا في نشرات الأخبار العالمية طوال عامين من الحرب، بصفته مراسلًا ميدانيًا وأحد الأصوات القليلة التي كسرت الحصار الإعلامي، موثقا للعالم مشاهد المجاعة والمجازر الإسرائيلية في غزة.
ولد الشريف في 3 ديسمبر/ كانون الأول 1996 في مخيم جباليا شمال القطاع، ونشأ وسط بيئة مشبعة بالصراع، حيث عاش طفولته بين أزقة المخيم المكتظ وظروف الأزمات والحروب المتكررة.
فيما ولد قريقع عام 1992 في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، نال درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2014، وعمل في وسائل إعلام محلية عديدة، قبل عمله بقناة “الجزيرة” خلال الحرب على القطاع.
نشأ يتيما بعد فقدان والده في طفولته، وتربى مع والدته وارتبط بها ارتباطا وثيقا والتي قتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياحه “مستشفى الشفاء” في مارس/ آذار 2024، عندما اعتقل ابنها محمد آنذاك.
استشهاد 4 صحافيين في يوم واحد
في يونيو/ حزيران 2025 قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 3 صحافيين فلسطينيين في استهداف إسرائيلي واحد وهم: سليمان حجاج، مراسل ومحرر بقناة “فلسطين اليوم”، وإسماعيل بدح، مصور في القناة ذاتها، وسمير الرفاعي، محرر بوكالة “شمس نيوز” الإخبارية.
وفي اليوم نفسه استشهد يوسف النخالة، الصحافي بوكالة “الوطنية للإعلام” (محلية)، متأثرا بجروح أصيب بها في 31 مايو/ أيار 2025.
سائد أبو نبهان
في 10 يناير/ كانون الثاني 2025، قتل سائد أبو نبهان المتعاون مع الأناضول برصاص قناص إسرائيلي أثناء تأديته عمله الإنساني والصحافي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
حسن حمد
استشهد المصور الصحافي حسن حمد في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، جراء قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة، بينما كان يعمل مع عدد من وسائل الإعلام بينها وكالة الأناضول.
وصل جثمانه إلى “مستشفى كمال عدوان” أشلاءً لا تحمل سوى سترته الصحفية، وتعرّف عليه شقيقه محمد من خلال شعره.
حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا
في يناير 2024، استشهد الصحافي حمزة الدحدوح (مواليد 1996) الذي يعمل لقناة “الجزيرة”، وهو نجل مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، إلى جانب زميله الصحفي مصطفى ثريا، وذلك بقصف إسرائيلي استهدف مركبة صحفيين غرب خان يونس.
حمزة حصل على بكالوريوس الصحافة والإعلام من جامعة الأزهر في غزة، وفقد والدته وأشقاءه بقصف إسرائيلي استهدف منزلا يؤوي العائلة بمخيم النصيرات في أكتوبر 2023، قبل أن يُستهدف مجددًا خلال عمله الميداني.
سامر أبو دقة
قتل الصحافي والمصور سامر أبو دقة (مواليد 1978)، الذي يعمل في قناة “الجزيرة” في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2023، جراء قصف إسرائيلي استهدفه في خان يونس، حيث تُرك ينزف ست ساعات دون إسعاف بسبب الاستهدافات الإسرائيلية.
وينحدر أبو دقة من بلدة عبسان الكبيرة قرب خان يونس، وهو أب لثلاثة أبناء وبنت يقيمون في بلجيكا، فيما اختار هو البقاء في غزة لمواصلة عمله الميداني.
بلال جاد الله
استشهد الصحافي بلال جاد الله (مواليد 1978) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إثر قصف مباشر استهدف مركبته بمدينة غزة.
شغل جاد الله منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة “بيت الصحافة” (خاصة)، وساهم في تأسيس وكالة سوا الإخبارية (خاصة).
وخلال عمله، عقد اتفاقيات تعاون دولية وعربية لحماية الصحافيين، وأشرف على ورش تدريبية، كما جعل من بيت الصحافة ملاذاً آمناً للإعلاميين خلال الحروب ووزع عليهم معدات السلامة المهنية.
الشقيقان منتصر ومروان الصواف
المصور المتعاون مع الأناضول منذ 2014، منتصر الصواف (مواليد 1990)، قتل هو وشقيقه الصحفي مروان، بقصف إسرائيلي استهدف جنوب غزة مطلع ديسمبر 2023.
قبل أسبوعين من استشهاده، نجا منتصر من قصف صاروخي إسرائيلي على منزله أودى بحياة والديه وعدد من أشقائه، وأصيب حينها في عينه وأنفه لكنه واصل عمله الميداني رغم تدمير المستشفيات ونقص العلاج.
منتصر متزوج وأب لطفلين، ودرس الصحافة والإعلام في “جامعة الأقصى”.
أما شقيقه مروان المتزوج ولديه طفل، فدرس تخصص “تكنولوجيا المعلومات” بمدينة غزة وعمل في شركة “ألِف ملتيميديا” المتخصصة في الأفلام الوثائقية.
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة اعتبر أن “استهداف الاحتلال للصحافيين والمؤسسات الإعلامية جريمة حرب مكتملة الأركان”.
وأضاف الثوابتة: “قتل الصحافيين يهدف لإسكات الحقيقة وطمس معالم جرائم الإبادة الجماعية، وهي تمهيد لخطة الاحتلال الإجرامية للتغطية على المذابح الوحشية الماضية والقادمة التي نفّذها وينوي تنفيذها في قطاع غزة”.
وطالب “الاتحاد الدولي للصحافيين، واتحاد الصحافيين العرب، وجميع الأجسام الصحفية والحقوقية الدولية في كل أنحاء العالم، لتأمين الحماية الكاملة للصحافيين الفلسطينيين والمؤسسات الإعلامية في غزة، وضمان محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد حرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات”.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلّفت 67 ألفا و160 شهيدا، و169 ألفا و679 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.
(الأناضول)