عمان – «القدس العربي»: بعد عامين من عملية «طوفان الأقصى» وما ترتب عليها من عدوان إسرائيلي وحشي على قطاع غزة ومحاولات تهجير سكانه، التي ما زالت ماثلة حتى اللحظة، تحاور «القدس العربي» القيادي الفلسطيني السابق والباحث والكاتب معين الطاهر، في محاولة لقراءة المشهد الفلسطيني والعربي بعد عامين على حرب الإبادة.
ويتملك يقين الطاهر أن المنطقة، وليس فلسطين وحدها، مقدِمة على أعوام من حالة عدم الاستقرار، ومن حالة إعادة تشكيل المنطقة، وفي المقابل إلى التصدي لهذه المحاولات. ويشدد في حواره على أنه طالما هناك احتلال واستعمار ومحاولات لتغيير خريطة المنطقة، فإن ذلك سيولِّد أشكال مقاومة مستمرة ومتتابعة، وأجيالًا وأساليب مختلفة، وتنظيمات مختلفة.
وكان الطاهر من المساهمين في تأسيس الكتيبة الطلابية لحركة «فتح» منتصف السبعينيات، وهو كذلك قائد للقوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة في حرب 1978 في منطقة بنت جبيل ومارون الراس، وفي النبطية وقلعة الشقيف عام 1982، وعضو سابق في المجلس الثوري لحركة «فتح» والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية.
في حديثه، ينتقد الطاهر النظام العربي الرسمي، الذي لم يدرك أن التطبيع لم يعد شعار المرحلة المقبلة، حيث أصبح عنوان المرحلة المقبلة للنظام العربي الرسمي «مرحلة التبعية». وفي ما يلي نص الحوار:
ليس الوقت المناسب لتنتقل المقاومة من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي، وهو أحد طموحات «طوفان الأقصى». وأظن أن هذا خلل في تقدير الموقف
□ في بداية العدوان على غزة، كانت توقعاتك أن تستمر الحرب ستة أشهر، وقلت إننا إزاء حرب وحشية، وإن المقاومة والفلسطينيين سيقاتلون بأجسادهم، بعد نحو عامين من الحرب، كيف تقرأ المشهد بشكل عام؟
■ في الحقيقة، وقت عملية «طوفان الأقصى»، توقعت أن تستغرق الحرب وقتا أطول بكثير من الحروب السابقة، وأذكر في ندوة عُقدت في المركز العربي، أنني قلت إن الحرب ستستغرق ستة أشهر، فما كان من حضور الندوة إلا الاحتجاج على هذا الكلام. في ذلك اليوم كنت حذرا، كنت سأقول إنها ستستغرق أكثر مما صرحت به، لكنني خفت أن أصدم الناس، فقلت ستة أشهر، ومع ذلك وقعت الصدمة. بعد ذلك بأسابيع بدأت أتحدث عن حرب أطول من ذلك، لسببين أساسيين؛ الأول: الدعم الأمريكي غير العادي للحرب، وبالتالي عدم وجود كوابح للحكومة الإسرائيلية لوقف هذه الحرب، ترافق ذلك مع عجز وفشل عربي كامل في القيام بأي ضغوط على الإدارة الأمريكية لوقف الحرب، حتى في وقت الإدارة الديمقراطية، وترافق أيضا مع موقف لا علاقة له بمجريات الأحداث من السلطة الفلسطينية، الذي جاء نتيجة وعود أمريكية بأن الحرب ستستغرق شهرين، وسنعيدكم إلى غزة وننهي هذا الموضوع. هذه المسائل كانت تعني أن الحرب ستطول. السبب الثاني يرتبط بنزعة القبيلة والثأر والانتقام التي تولدت عند الإسرائيليين نتيجة ما حدث لهم في عملية «طوفان الأقصى»، واعتقاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن هذه فرصته لكي يصبح «ملك إسرائيل». هذه العوامل ما زالت قائمة؛ لا الدعم الأمريكي توقف، ولا العجز العربي تحوّل إلى قوة عربية، حتى في مؤتمر القمة العربية الأخير، ولا أحلام نتنياهو التي تطورت من غزة إلى إعادة تشكيل خريطة الإقليم وبناء شرق أوسط جديد.
أنا أعتقد أن الحرب لا تنتهي فقط بوقف إطلاق النار، ولا تنتهي باحتلال غزة. السؤال هو: ماذا بعد احتلال غزة ووقف إطلاق النار؟ وهذا سيستغرق وقتا إضافيا. السؤال هو: ماذا بعد ذلك؟ الحرب ستستمر بما في ذلك بعد اليوم التالي. هل ستصل إلى احتلال غزة؟ هل سيتم فرض إدارة جديدة؟ هل سينتج عنها تهجير إلى سيناء، حتى لو كان تحت شعار التهجير المؤقت لحين إعادة إعمار غزة؟ هل ستنتقل هذه الحرب إلى الضفة الغربية، لضم الضفة الغربية بشكل قانوني؟ هل ستستمر هذه الحرب في سوريا ولبنان، حيث لا تزال قائمة؟ هل ستستأنف في إيران؟ وماذا عن العراق واليمن؟ كل ذلك وارد في ظل الرغبة بتغيير خريطة الشرق الأوسط. المشكلة الآن ترتبط بسياسة نتنياهو؛ كل شيء يمكن تحقيقه بالقوة، وما لا يمكن تحقيقه بالقوة يمكن تحقيقه بالمزيد من القوة، لذلك، من المؤكد أننا مقدمون، ليس فقط على أشهر، بل ربما على أعوام من حالة عدم الاستقرار، ومن حالة إعادة تشكيل المنطقة، وبالمقابل إلى التصدي لهذه المحاولات.
□ ذكرت مجموعة من العناصر التي تجعل العدوان طويل المدى، هناك بُعد مرتبط بصمود الفلسطينيين وبقاء مقاومتهم.
■ أولا، كي نكون واقعيين ونتحدث بعقلانية وليس بالعواطف، ما حدث حتى الآن من قتال وصمود هو شيء أسطوري وخارق للعادة، ولم يكن يتوقعه أحد، بمن في ذلك الإسرائيليون والأمريكيون. وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أبلغ الرئيس محمود عباس، أن المعركة ستستغرق نحو شهرين، وها نحن وصلنا لعامين، ومن الواضح أن المقاومة تمكنت من إعادة تجنيد أعداد لا بأس بها في قوتها وصفوفها، وقادرة على إعادة تنظيم قواتها من جديد. لا شك أنها منيت بخسائر كبيرة، شأنها شأن الشعب الفلسطيني بأسره. لدينا الآن نحو ربع مليون فلسطيني ما بين شهيد وجريح، غير المعتقلين والمفقودين وغير ذلك، بمعنى أن أكثر من 10% من سكان غزة الآن، وبينهم نسبة لا شك بها من المقاومين. لذلك، الحديث عن صمود المقاومة هو صمود أسطوري وبطولي. لكنني أعتقد أننا نمر بمرحلة يحاول فيها العدو تصفية القضية الفلسطينية، مرحلة أشبه بالنكبة الفلسطينية عام 1948. لا أميل إلى ترويج الادعاءات، لكن في الوقت نفسه لا أقول بالهزيمة، لأن من المعروف أن الهزيمة تتحقق إذا انتهت المقاومة بشكل كامل، والهزيمة تتحقق إذا تمكن العدو من تصفية فكرة المقاومة. أعتقد أنه طالما هناك احتلال واستعمار ومحاولات لتغيير خريطة المنطقة، فهذا سيولد بلا شك أشكال مقاومة مستمرة ومتتابعة، وأجيالا مختلفة، وأساليب مختلفة، وربما أيضا تنظيمات مختلفة. لذلك، هذه هي نظرتي لهذا الموضوع.
□ البعض، بداعي العقلانية، يطالب «حماس» بترك السلاح، كيف ترى هذه المطالبة تحت بند العقلانية، وحماية المواطنين المدنيين، ومنع التهجير؟
لا أعتقد أن الأمور ستكون بهذه الطريقة. هناك بعض الدعوات منذ اليوم الأول لوضع السلاح، وهناك دعوات أخرى تحاول تجميل هذا الموضوع، بأنه يجب أن تكون هناك سلطة واحدة وسلاح واحد وما إلى ذلك. وهناك دعوات تتحدث عن دخول قوات عربية ودولية إلى غزة لاستلام الوضع الأمني، وأن سلاح المقاومة يمكن أن يوضع في خزائن، وهذا يشبه ما حدث في أيلول/سبتمبر عام 1977. هذه السيناريوهات كلها مطروحة، حتى المقاومة، ومن أيام الشيخ أحمد ياسين، كان قد اقترح هدنة طويلة لمدة عشر سنوات، وهذا الكلام يتجدد الآن. اليوم هناك مسودة بيان يُروّج لها من قِبل مجموعة من المثقفين والشخصيات الوطنية القريبة من المقاومة و»حماس»، تدعو إلى إحالة ملف الأسرى إلى الجامعة العربية، وأن يوضع السلاح تحت تصرف قوى عربية وإسلامية تدخل إلى قطاع غزة. وأنا أظن أن هناك تيارا داخل المقاومة يحاول أن يجد مخرجا لهذا الموضوع بهذه الطريقة. هذا كله يعتمد في النتيجة على ما يمكن أن يحدث. وأنا أعتقد أنه من المبكر الانخراط في الحديث عن موضوع من هذه المواضيع الآن.
علينا أن نعمل بكل الطرق والسبل لوقف حرب الإبادة، وبالتالي السؤال الأساسي ليس ما سيحدث في سلاح المقاومة، السؤال الأساسي هو: كيف يمكن إيقاف الحرب؟ ومن يمكنه ذلك؟ عندما تقف هذه الحرب، ويحدث وقف لإطلاق النار، يمكن البحث في كل المسائل الأخرى.
□ من هم الفاعلون الأساسيون في عملية وقف الحرب؟ هناك ثنائي نتنياهو وترامب، هل تعتقد أن العرب ضيّعوا فرصة تحويل حدث قصف الدوحة، وما بعد القمة العربية لوقف العدوان؟
■ هناك أربعة فاعلين يمكنهم إيقاف هذه الحرب. الفاعل الأول: الولايات المتحدة الأمريكية، يكفي هاتف من الولايات المتحدة الأمريكية لنتنياهو لإيقاف الحرب، فتقف، وهذا تكرر عبر التاريخ. الفاعل الثاني: ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي، لكن حتى الآن المجتمع الإسرائيلي متوحد حول فكرة القضاء على المقاومة وعلى التهجير. الفاعل الثالث يرتبط بالضغوط الأوروبية والحراك في الشارع الأوروبي والأمريكي، حيث يمكنه أن يمارس ضغطا كبيرا، ونحن نلاحظ هذه التحولات الكبرى التي تحدث في الموقف الأوروبي.
الجانب المهم أيضا الذي أعتقد أنه يستطيع إيقاف الحرب هو الجانب العربي الرسمي؛ فالنظام العربي لم يمارس الحد الأدنى من وسائل الضغط والقوة للضغط على الأمريكيين والأوروبيين لوقف هذه الحرب. يستطيع بإشارات فقط، يستطيع بالتلاعب بسعر النفط، لا أريد أن أقول بوقف تصدير النفط، وإنما بالتلاعب بسعره، أو بسحب الاستثمارات، أو بأشكال مختلفة، أو بالحديث عن توتر العلاقات. هذه كلها ستربك الموقف الأمريكي، ولكن لم يقم بذلك. في القمة العربية الأخيرة أضاع العرب فرصة كبيرة؛ كان هناك في المسودة الأولى للبيان الختامي، حديث عن وقف العلاقات التجارية والاقتصادية، لم يتحدثوا عن سحب السفراء، ولا عن قطع العلاقات الدبلوماسية، ولا عن إنهاء الاتفاقات. في المسودة الأولى كان الحديث عن وقف العلاقات الاقتصادية والتجارية لحين وقف الحرب على غزة، لكن ذلك فشل. من الواضح أن الموقف العربي الرسمي لا يريد أن يمارس أي دور في الضغط، لا على الولايات المتحدة الأمريكية، ولا على أوروبا. النظام العربي الرسمي لم يدرك أن التطبيع لم يعد هو شعار المرحلة المقبلة. الإسرائيليون الآن لا يحتاجون إلى التطبيع؛ فالتطبيع يعني الدبلوماسية، ويعني علاقات اقتصادية وتجارية، وهذه كلها يعتقدون أنهم يستطيعون أن ينتزعوها بالقوة. المرحلة المقبلة للنظام العربي الرسمي، التي لم يدركوها بعد، هي «مرحلة التبعية». نحن الآن ربما أمام «سايكس ـ بيكو» جديد، وأمام نوع من الاستعمار الجديد على المنطقة العربية، وهذا سيحتم على النظام العربي الرسمي أن ينصاع إلى ذلك، أو يذهب مرة أخرى إلى محاولة تشكيل محور إقليمي لإعادة حدٍّ أدنى من التضامن العربي والإسلامي، حتى يتمكن من مواجهة ذلك. ومن دون ذلك، أنا أعتقد أن ليست القضية الفلسطينية فقط تتجه نحو التصفية، إنما الوطن العربي بأسره يتجه نحو الكارثة.
□ تصف الموقف العربي بأنه بعيد كل البعد عن الفاعلية، هل مردّ ذلك إلى رغبته في الخلاص من «حماس»، أم أنه لم يقرأ التحولات التي تحدثت عنها؟
■ هذا له علاقة بامتدادات الموقف من الربيع العربي ومن الحركات الإسلامية في المنطقة، ولكن، أنا أعتقد أن المسألة أصبحت أعمق من ذلك. فالموقف العربي الرسمي بشكل عام أعطى أولوياته لعلاقاته مع الغرب ومع الولايات المتحدة الأمريكية على علاقاته مع شعوبه، ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية والغرب متهمَين بما وُجه إليهما في أيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حول مسألة الحرية والديمقراطية، وما طُرح من شعارات؛ بالعكس، أصبحوا يرون أن من مصلحتهم وجود أنظمة استبدادية في المنطقة. لذلك، النظام العربي الرسمي يعتقد أن الأولوية له ـ مع التباين بين دوله المختلفة ـ هي الكيفية التي يمكنه من خلالها أن يحافظ على استقرار النظام والحكم، وهذا جعله في كثير من الأحيان في موقف مغاير في العلاقة مع شعوبه، ولا يتعلق الأمر فقط بالحركة الإسلامية، بل يشمل العلاقة مع كل مكونات المجتمع، وفي علاقته مع كل مكوناته الداخلية. وهذا ليس فقط مع الإسلاميين أو «الإخوان المسلمين» الذين أعتقد أنهم تلقّوا من الضربات ما لم يجعل منهم ـ رغم أنهم ما زالوا قوة في الشارع ـ قوة ذات تأثير في الواقع السياسي. النظام العربي الرسمي لا يريد أي شكل من أشكال الديمقراطية أو الحرية، ولا يريد أي تواصل مع شعوبه، ويعتمد في الأساس في وجوده على ما يتلقاه من دعم أمريكي.
□ من الواضح أن الضفة الغربية تم التعامل معها وفق جزئية «عدم التصعيد»، إلى أي درجة كان يمكن للتصعيد في الضفة أن يغير من المعادلة ويؤثر على وقف الحرب؟
■ ليس المطلوب من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أن تذهب بأقدامها إلى معركة شاملة ونهائية مع العدو الإسرائيلي. ليس الوقت الآن هو الوقت المناسب لنبدّل انتقال المقاومة بكل أشكالها من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي، الذي ربما كان أحد طموحات عملية «طوفان الأقصى». وأنا أظن أن هذا شكّل نوعا من الخلل في تقدير الموقف في ذلك الوقت. نحن ما زلنا في مرحلة الدفاع الاستراتيجي، ولم ننتقل إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي. هذا لا يعني أن عملية «طوفان الأقصى» لم تكن ضرورية، لأن القضية الفلسطينية كانت على شفا التصفية النهائية، وكان لا بد، بعد سنوات من الحصار ومع مرور أكثر من 70 عاما على النكبة، أن يحدث شيء يغير هذه المعادلة. وقد نجحت العملية في هذا الجانب. لكنني أتحدث هنا عن الطموح من حيث حجم المعركة؛ فالحديث عن توقع أن العالم العربي بأسره سيشتعل، وأن الضفة الغربية ستشتعل، وأن الجبهات الأخرى ستفتح، وما إلى ذلك، هذا كله ربما لم يكن تقديرا صائبا. في المقابل، ليس مطلوبا من الضفة الغربية هذا الصمت المشبوه، الصمت من السلطة الفلسطينية أساسه الوعود الأمريكية لها بأن هذه حرب محدودة ستنتهي بتدمير المقاومة، وأنهم سيعيدون السلطة إلى غزة، وسيسعون مرة أخرى لتحقيق حل الدولتين. هذا الوهم الذي اشتراه الرئيس محمود عباس والسلطة ما زال قائما. كان يمكن على الأقل، منذ اليوم الأول، الحديث عن تضامن ووحدة الشعب الفلسطيني. كان يمكن للرئيس عباس أن يقوم بما قام به أيام صفقة ترامب ونتنياهو الأولى، عندما عقد اجتماعا لقيادة وطنية موحدة، حتى لو كانت مرة واحدة عبر «الزوم»، ليعلن موقفا من هذه الحرب. هذا لم يحدث على الإطلاق، ورفض كل المقررات، ورفض مقررات بكين. وهو يعتقد أنه رغم الإجراءات الإسرائيلية في الضفة، فإنه كلما قدّم المزيد من التنازلات سيكون هو الشخص والرجل المناسب، وستكون السلطة هي الجهة المناسبة للمرحلة المقبلة.
أعتقد أن من سيقوم بحلّ وإنهاء السلطة ليست معارضتها الواهية، بل من سيقوم بذلك هو الاحتلال الإسرائيلي ذاته، لأن وظيفتها لم تعد تخدمه في هذا الوقت، مهما قدّمت من تنازلات، كان آخرها مشروع الانتخابات التي لا يُسمح لأي شخص أن يشارك فيها، إلا إذا وافق على البرنامج الذي يقدمه، وهو هنا يخالف أهم مبادئ منظمة التحرير التي تقول إن كل فلسطيني هو عضو طبيعي في المنظمة. أنا أظن أن الضفة كان بإمكانها أن تفعل شيئا أكثر بكثير مما فعلت؛ بالكاد شهدنا مظاهرات، وإن وُجدت فكانت أعدادها لا تتجاوز العشرات. في الشهر الأخير فقط بدأنا نشهد شكلا جديدا من أشكال الحراكات، آمل أن يتطور بشكل أفضل. المطلوب في الضفة الغربية، على الأقل، الحد الأدنى من الرفض الشعبي والمقاومة الشعبية، إلى جانب أشكال المقاومة الأخرى التي لا أحد يتحكم بها، مثل المقاومة الفردية في مواجهة اعتداءات المستوطنين. ردة فعل المواطنين العاديين لا يستطيع أحد أن يتحكم بها، وهي بالتأكيد مشروعة.
□ أنت جزء من حراك المؤتمر الوطني الفلسطيني، وهي حالة هدفكم منها إصلاح منظمة التحرير وخلق حراك بديل، إن جاز التعبير، أين وصلتم في الموضوع، ولماذا لم يُترجم إلى نجاحات؟
■ فكرة «المؤتمر الوطني الفلسطيني» هي الدعوة لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، وتأسيس قيادة فلسطينية موحدة. بدأت الفكرة منذ سنتين، في بداية حرب الإبادة، بهدف محاولة توحيد الجهد الفلسطيني، قبل إعادة بناء منظمة التحرير، أو مشاركة الجميع فيها. تطورت الفكرة مع الزمن، وعُقد اجتماع المؤتمر الذي انتشر في سبعين دولة حول العالم. يمتاز المؤتمر بأنه حراك يجمع بين الداخل والخارج بشكل متوازن. المؤتمر ليس حزبا ولا تنظيما، بل هو حراك شعبي، والموجودون فيه يشاركون بصفتهم الشخصية. هو مؤتمر تعددي بمعنى أنه يضم كل الأفكار السياسية الموجودة في الساحة الفلسطينية. لم نسعَ لأن يصبح المؤتمر تشكيلا جديدا أو انقساما جديدا في الساحة الفلسطينية، فالمؤتمر جزء من النضال ضد الأبارتهايد، وسيستمر من أجل تحرير فلسطين، وبذلك يُعتبر المؤتمر قاعدة أساسية في هذا المجال.
بعد انعقاد المؤتمر في الدوحة في شباط/فبراير من العام الماضي، اهتمّ المؤتمر بتثبيت الهياكل التنظيمية وتثبيت اللجان المختلفة. وفي الفترة الأخيرة قاد حراكا داخل الضفة الغربية في الإضراب عن الطعام، وامتد هذا الحراك في الأيام الماضية إلى عدة مدن داخل الضفة الغربية، وأنشأ علاقات قوية مع الحراكات العالمية الموجودة في الخارج. كان من أحد أهداف المؤتمر خلق بديل وطني؛ لقد أحسسنا أن ما حدث بعد «طوفان الأقصى» سيفرز تيارين في الساحة الفلسطينية: الأول تيار متطرف جدا، وهذا طبيعي في حرب الإبادة الجماعية التي تحدث، والثاني تيار مفرّط جدا، وكلاهما سيدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني. هنا كان المؤتمر محاولة لمواجهة هذا الوضع، لكي يقول إن الشعب الفلسطيني بنُخَبه الوطنية، وبالأكاديميين والمثقفين، والشخصيات الوطنية، والمناضلين، والأسرى المحررين، وكل ذلك، يستطيع أن يقول، إن هناك جهات أخرى تحاول المحافظة على المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها، وتحافظ على المشروع الوطني الفلسطيني والرواية التاريخية للشعب الفلسطيني، حتى لا نمر بالتجربة التي مررنا بها عام 1948، عندما احتاجت الحركة الوطنية الفلسطينية لعشر سنوات على الأقل بعد نكبة 1948 حتى تتمكن من زرع أنوية لإعادة تشكيلها من جديد.
هنا يكون السؤال: هل نجح المؤتمر في ذلك؟ ربما لم ينجح تماما، وربما تكون هناك حاجة لتطوير عمل المؤتمر، للتعاون مع حراكات أخرى، مع المجتمع المدني، ومع هيئات وأحزاب وتيارات سياسية أخرى. ربما تكون هناك حاجة لعقد ملتقى وطني فلسطيني أشمل يضم من 500 إلى 1000 شخصية وطنية فلسطينية من الداخل إلى الخارج، لمواجهة المشروع الصهيوني واستحقاقات «اليوم التالي».
المؤتمر هو حراك شعبي مستمر ومنظّم ومستدام، يستهدف الحوار والضغط والتغيير، والتغيير له أشكال مختلفة، تتبدل وتتطور تبعا لتغير الوضع السياسي.