«أطباء بلا حدود» والاحتلال: عداء وجرائم مضاعفة


حكاية عداء مستحكم وحقد معلن هي التي تجمع بين منظمة «أطباء بلا حدود» الإنسانية الدولية المستقلة التي تقدم الخدمات الطبية في أكثر من 70 بلداً، وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في قطاع غزة وسائر فلسطين المحتلة. وعلى امتداد عقود، وعشرات الوقائع، لم يتورع جيش الاحتلال عن استخدام الوسائل الأعنف والطرائق الأشد همجية لتعطيل عمل المنظمة في القطاع والضفة الغربية، وإجبارها على تعليق أنشطتها الطبية والإغاثية.
أحدث الفصول في سياسة الإعاقة المنهجية التي يعتمدها الاحتلال ضد المنظمة كان اغتيال عبد الحميد قراضية، الذي قال بيان رسمي صادر عن المنظمة إنه كان، على مدى 18 سنة، «ركناً أساسياً في قسم العلاج الطبيعي في غزة، وكرس حياته لمساعدة مرضاه ليس فقط في استعادة قدراتهم الجسدية، بل أيضاً في إعادة الأمل إليهم وصون كرامتهم».
وكان قراضية وزملاء له ينتظرون حافلة سوف تقلّهم إلى المستشفى الميداني التابع للمنظمة، يرتدون جميعاً سترات تشير بوضوح إلى طبيعة عملهم الطبي والعلاجي. والشهيد هو الثالث الذي تفقده المنظمة خلال أقلّ من 20 يوماً، والـ15 ضمن كوادرها القتلى برصاص جيش الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وجرياً على عادته في التضليل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سوف ينظر في ملابسات الواقعة، ولكنه استبق أي تحقيق بالأكذوبة المعتادة حول تواجد عناصر ينتمون إلى حركة «حماس» في منطقة القصف، ولعل تتمة الكذب سوف تكون اتهام قراضية بالانتماء إلى «الجهاد الإسلامي» مثلاً، وتلفيق صورة له باللباس الميداني للمقاومة الفلسطينية.
وفي واقع الأمر، لا ألغاز خلف هذا العداء الإسرائيلي لمنظمة تجهد لتوفير الحدود الدنيا من الخدمات الطبية والإسعافية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية حيث تُمارس أبشع انتهاكات حقوق الإنسان وأكثر الاعتداءات وحشية من جانب جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين على حد سواء، ثم في قطاع غزة حيث حروب الإبادة والتدمير والتجويع والتهجير والتطهير العرقي.
سبب إضافي خلف الحقد الإسرائيلي هو أن منظمة «أطباء بلا حدود» لا تتردد في تسمية جرائم الاحتلال بمسمياتها الفعلية، ولا تتورع في بياناتها الرسمية عن توصيف الواقع الفعلي بمفردات صريحة ملموسة: «تشهد فرقنا على الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وعلى نفاق المجتمع الدولي وتقاعسه الذي سمح لإسرائيل بارتكاب المجازر من دون اي محاسبة». كذلك كانت المنظمة قد طالبت بوقف نشاط «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من الاحتلال والولايات المتحدة، لأنها مسؤولة عن «مجازر متكررة»، إذ قُتل أكثر من 500 شخص وأصيب 4000 أثناء السعي للحصول على الطعام.
وإذا كانت الجرائم الإسرائيلية بحق «أطباء بلا حدود» ليست مفاجئة ولا جديدة، إلا أن وقوعها في هذا التوقيت بالذات، حين تزعم دولة الاحتلال وقف القصف والالتزام بخطة الرئيس الأمريكي ترامب، يكتسب وجهة الجريمة المضاعفة، والاستهتار حتى بأضاليل الراعي الأمريكي حول السلام.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *