الضفة الغربية بعد عامين على 7 أكتوبر: جبهة قتال رئيسية


رام الله – «القدس العربي»: يقدّم الميدان المترامي في الضفة الغربية والقدس المحتلتين صورة كاملة حول تداعيات السابع من تشرين الأول/أكتوبر عليهما خلال عامين كاملين، فمن جبهة القتال الثانية بعد قطاع غزة، تحولت لتكون الجبهة الرئيسية، حسب تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي شدد على بقاء الجيش في الضفة فترة أطول مما كان مخططا له. وكانت الضفة الغربية عنوانا مركزيا للتهجير الذي حقق أهدافه في جانب من المخططات، فيما تتزايد مخططات التهجير في مناطق أخرى.
وتُظهر قائمة محدّثة للتجمّعات البدوية التي تعرّضت للتهجير القسري من مناطق «ج» تحت ستار الحرب بعد السابع من أكتوبر (ولغاية 30 أيلول / سبتمبر 2025) أن هجمات المستوطنين منذ أكتوبر 2023، أدت إلى تهجير سكان على نطاق لم يسبق له مثيل منذ احتلال الضفة في عام 1967.
ومنذ أكتوبر 2023، هجّرت عشرات التجمّعات الفلسطينية بالقوة، ويبلغ عدد سكانها أكثر من ألفي شخص من نحو 43 تجمعا بدويا، من مواقع إقامتهم في مناطق «ج» في الضفة الغربية نتيجة للعنف. ولغاية حزيران/ يونيو 2025، يواجه آلاف الأشخاص الآخرين الذين يعيشون في عشرات التجمّعات السكانية الفلسطينية خطر تهجير حقيقي نتيجة لهجمات المستوطنين اليومية.
وقال تقرير محدث صادر عن «بتسيلم» (منظمة حقوقية إسرائيلية)، إن التجمعات السكانية الفلسطينية في مناطق «ج» في الضفة الغربية تتعرض منذ سنوات لهجوم تنفذه السلطات الإسرائيلية، تصاعد بمساعدة دولة الاحتلال، حيث أُقيمت حول تلك التجمعات خلال السنوات الأخيرة عشرات البؤر الاستيطانية الرعوية، التي يتمثل هدفها الرئيسي في تهجير التجمعات السكانية والاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي.
كما تصاعد عنف المستوطنين الذين يقطنون في البؤر الاستيطانية حتى وصل إلى ذروة غير مسبوقة خلال أشهر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. هذا العنف، الذي أصبح روتينا يوميا مرعبا لسكان التجمعات، يشمل اعتداءات جسدية خطيرة على السكان، واقتحامات المستوطنين للتجمعات ومنازل السكان ليلا ونهارا، وإشعال حرائق، وطرد الرعاة الفلسطينيين من مناطق الرعي والمزارعين من حقولهم، وقتل وسرقة المواشي، وإتلاف المحاصيل، وسرقة المعدات والممتلكات الشخصية، وإغلاق الطرق.

خطة الضم

ولا يمكن الحديث عن تهجير البدو الجماعي من دون تناول خطة الضم وفرض السيادة على مناطق «ج» تحديدا والضفة الغربية بشكل عام، حيث كشف اليمين الصهيوني عن أجندته في التعاطي مع الضفة، وهو ما يجعلها أكبر حملة تهدف إلى التخلص من السكان الفلسطينيين من أكثر مناطق الضفة الغربية مساحة، وهي مناطق «ج» التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة. وأظهر أحدث تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أنها رصدت ما مجموعه 38359 اعتداء شنّه جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون بحق المواطنين والممتلكات.
ووصل عدد اعتداءات جيش الاحتلال إلى 31205 اعتداءات، فيما شنّ المستوطنون 7154 اعتداء، تسببت باستشهاد 33 مواطنا، 14 منهم في محافظة نابلس، و12 في رام الله والبيرة، و3 في الخليل، وشهيد في كل من بيت لحم وقلقيلية وسلفيت. وفي الفترة ذاتها، أقام المستوطنون 114 بؤرة استيطانية جديدة تسببت بتهجير 33 تجمعا بدويا فلسطينيا، تتكون من 455 عائلة وتشمل 2853 فردا. وتركزت البؤر الاستيطانية في محافظات رام الله والبيرة بواقع 30 بؤرة، و25 في الخليل، و18 على أراضي نابلس، و14 بؤرة جديدة في بيت لحم.
واستولت دولة الاحتلال على 55 ألف دونم من أراضي المواطنين، منها 20 ألف دونم تحت مسمى تعديل حدود محميات طبيعية، و26 ألف دونم من خلال 14 إعلان «أراضي دولة» في محافظات القدس ونابلس ورام الله وبيت لحم وقلقيلية.
وصادرت ما مجموعه 1756 دونما من خلال 108 أوامر لوضع اليد لأغراض عسكرية هدفت إلى إقامة أبراج عسكرية وطرق أمنية ومناطق عازلة حول المستوطنات. تُضاف إلى ذلك حملة لتفتيت الأرض الفلسطينية بتوسعة الشوارع الالتفافية وإقامة شوارع للمستوطنين حصريا.
وشرع الاحتلال بإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات من خلال جملة من الأوامر العسكرية بلغ عددها 25 منطقة حول المستوطنات، تركز معظمها في شمال الضفة الغربية، وتحديدا في محافظات نابلس بخمس مناطق عازلة، وسلفيت بأربع مناطق عازلة، وقلقيلية بمنطقتين، وطولكرم وطوباس بمنطقة لكل منهما، في حين فُرضت خمس مناطق عازلة في محافظة رام الله، وخمس أخرى في بيت لحم، والأخيرة في الخليل. كما درست الجهات التخطيطية ما مجموعه 355 مخططا هيكليا لغرض بناء ما مجموعه 37415 وحدة استيطانية على مساحة 38551 دونما. جرت المصادقة على 18801 وحدة منها، في حين تم إيداع 18614 وحدة استيطانية جديدة. كما قررت دولة الاحتلال فصل 13 حيا استيطانيا، واعتبارها أحياء قائمة، وأضافت قرارا بإقامة 22 مستوطنة جديدة، وقررت تسوية أوضاع 11 بؤرة من خلال قرارات حكومية تضاف إلى قائمة مكونة من 68 بؤرة زراعية، تم تزويدها بالبنى التحتية الكفيلة بتثبيتها على أراضي المواطنين.
وأظهر التقرير الحديث أن جيش الاحتلال والمستوطنين تسببوا بإشعال 767 حريقا في ممتلكات وحقول المواطنين، منها 221 حريقا في الممتلكات و546 حريقا في الحقول والأراضي الزراعية.

تهجير سكان 3 مخيمات

لم يقتصر التهجير في الضفة على التجمعات البدوية، فقد شرّدت العملية الإسرائيلية في الضفة الغربية نحو 40 ألف فلسطيني، ضمن عملية «السور الحديدي»، التي ترتب عليها تفريغ 3 مخيمات في شمال الضفة الغربية. وكانت العملية العسكرية الأطول في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية قد بدأت في مخيم جنين وامتدت إلى مخيمات طولكرم ونور شمس والفارعة للاجئين، وأدت إلى تهجير 40 ألف لاجئ فلسطيني، حسب مصادر رسمية.
وقالت «الأونروا»: «إن النزوح القسري في الضفة الغربية المحتلة هو نتيجة لبيئة خطيرة وقسرية على نحو متزايد. لقد أصبح استخدام الضربات الجوية والجرافات المدرعة والتفجيرات المتحكم فيها والأسلحة المتقدمة، من قبل القوات الإسرائيلية أمرا شائعا، وهو امتداد للحرب في غزة. إن مثل هذه الأساليب العسكرية تتعارض مع سياق تنفيذ القانون في الضفة الغربية المحتلة، حيث تم تنفيذ ما لا يقل عن 38 غارة جوية في عام 2025 وحده». ولا يمكن تقديم نظرة شاملة على الضفة الغربية بعد عامين، من دون التطرق إلى البوابات والحواجز الإسرائيلية، فحياة الفلسطينيين محكومة بشبكة حواجز الاحتلال في مناطق الضفة الغربية كافة، بهدف عرقلتها وجعلها جحيما كاملا.
وفرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تضييقا غير مسبوق على حركة الفلسطينيين في الضفة. وتُظهر معطيات «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ عدد عوائق الحركة ارتفع إلى 849 عائقا حتى 28 شباط / فبراير 2025، تشمل حواجز دائمة وجزئية وبوابات طرق وإغلاقات خطية وأكواما ترابية وسدود طرق. وخلال الفترة بين كانون الأول/ ديسمبر 2024 وشباط / فبراير 2025 وحدها، أقام الاحتلال 36 إغلاقا جديدا، لتتجاوز الحالات 3500 بحلول 30 نيسان / أبريل 2025.
انعكس هذا على حياة الناس اليومية عبر صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، وعرقلة العمل والتعليم، ومنع المرضى من بلوغ المستشفيات، بما عمّق من تمزيق النسيج الجغرافي والاجتماعي للضفة. ويُظهر ما بعد 7 أكتوبر 2023 تصاعد سياسة الإغلاقات الشاملة والفورية لمداخل أريحا والأغوار، وتشديد الإجراءات على القدس الشرقية، وكذلك انتشاراً واسعاً للحواجز الطيّارة وتشغيل الحواجز الجزئية، ومئات حالات المنع والتأخير. وتُظهر الخرائط المحدّثة للأمم المتحدة أنّ القدس وضواحيها تستحوذ على ما نسبته 26% من مجموع العوائق، معظمها في شكل بوابات وإغلاقات جزئية على مداخل المدينة والقرى المحيطة بها. وفي الخليل ونابلس، يتجلّى المشهد الأكثر كثافة للحواجز الدائمة والطيّارة، مثل حواجز حوارة وزعترة وترقوميا والفحص، بوصفها نقاط ضغط يومي على حركة الفلسطينيين. أما في الأغوار وأريحا، فقد شكّلت الإغلاقات الخطية والبوابات ـ مثل الحمرا والمعرجات وجسر الكرامة ـ محورا أساسيا للتحكم في الدخول والخروج من المنطقة. وفي رام الله والبيرة، أضاف الاحتلال بوابات جديدة عند مداخل القرى الواقعة شمال غرب المحافظة، مثل شقبا ورنتيس ودير أبو مشعل.

القدس في عين الاستهداف

وعكست جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القدس بعد السابع من أكتوبر أرقاما صادمة تُظهر سياسات ممنهجة لاقتلاع الوجود الفلسطيني. وكشف المتحدث الرسمي باسم محافظة القدس معروف الرفاعي، أن مدينة القدس المحتلة شهدت منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى نهاية أيلول/ سبتمبر 2025 تصاعدا غير مسبوق في جرائم الاحتلال، تعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين، وفرض واقع استيطاني تهويدي يهدد مستقبل الوجود العربي والإسلامي فيها، وطمس هويتها العربية الإسلامية المسيحية.
وأظهر أحدث تقرير صادر عن محافظة القدس حول جرائم وانتهاكات الاحتلال في القدس بعد 7 أكتوبر 2023 وحتى نهاية شهر أيلول / سبتمبر المنصرم ارتقاء 97 شهيدا من أبناء القدس، في حين أُصيب 487 مواطنا بالرصاص الحي والمطاطي، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا للحق في الحياة والسلامة البدنية المكفول في القانون الدولي الإنساني.
كما سجّل الرصد الحديث في الفترة نفسها 2680 حالة اعتقال، بينهم أطفال ونساء، إلى جانب إصدار سلطات الاحتلال 302 قرار إبعاد، و18 قرار منع من السفر، وهو ما يُعد شكلا من أشكال العقاب الجماعي المرفوض دوليا، بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
أما سياسة الهدم، فقد نفذت قوات الاحتلال 741 عملية هدم وتجريف استهدفت منازل ومنشآت فلسطينية، في محاولة لاقتلاع السكان الأصليين وإفساح المجال أمام مشاريع استيطانية تهدف إلى تغيير هوية القدس الديمغرافية والجغرافية. وتمثل هذه الممارسات جريمة حرب بموجب المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة في الأراضي المحتلة. ونتيجتها المباشرة هي تحويل حياة آلاف الأسر المقدسية إلى رحلة نزوح داخلي وتشريد قسري.
وشهد المسجد الأقصى المبارك اقتحام 121769 مستوطنا بحماية قوات الاحتلال، وهو ما يشكّل انتهاكا صارخا للوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك، ومحاولة لفرض تقسيم زماني ومكاني. وتندرج هذه الاقتحامات ضمن سياسة تهويد المقدسات وطمس الهوية الإسلامية للمكان.

آلاف العمال بلا عمل

وإلى جانب حصار السلطة الفلسطينية المالي الذي يُعدّ الأكثر قسوة، حيث تحتجز وزارة المالية الإسرائيلية نحو 10 مليارات شيقل (2.96 مليار دولار) من الأموال التي تجمعها من الضرائب والرسوم نيابة عن السلطة الفلسطينية، تقلّص الأخيرة الآن الرواتب وتعجز عن دفع المبالغ المستحقة للمتعاقدين.
ومنذ أكتوبر 2023، خُفّضت الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية إلى نحو 70% من الأجور الكاملة، ثم انخفضت أكثر في منتصف 2025 بعد تعليق تحويل إيرادات المقاصة من إسرائيل. وفي أيار/ مايو 2025، دُفعت الرواتب بنسبة 60%، ثم انخفضت المدفوعات إلى 50% في حزيران/ يونيو. ورغم وطأة هذا الاحتجاز الذي حرم عشرات الآلاف من الموظفين العموميين من رواتبهم، إلا أن الضفة ما زالت تعاني أيضا من حالة إفقار ممنهجة، تتجلى في أحد جوانبها بمنع ما يقرب من 170 ألف عامل من الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل الفلسطيني المحتل.
وقادت سياسة منع العمال من دخول إسرائيل إلى تدهور الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهريا (الدولار يساوي 3.70 شيقل) مقارنة بفاتورة رواتب موظفي السلطة الشهرية التي تبلغ نحو 560 مليون شيقل شهريا. ولا أدلّ على حال الضفة الغربية بعد عامين من تصريحات رئيس الهيئة الوزير مؤيد شعبان، الذي قال، إن الأراضي الفلسطينية تحولت في العامين الأخيرين إلى مختبر لسياسات استعمارية غير مسبوقة، يُختبر فيها آخر احتلال على وجه الأرض فنون القتل والإخضاع والتطويع الإنساني والجغرافي، وتُسن فيها القوانين العنصرية لحماية المستوطنين ومنحهم الغطاء القانوني والسلاح، ويُجرَّد الفلسطيني في اللحظة ذاتها من أبسط حقوقه.

ضياع سياسي

وفي أحدث استطلاع للرأي أنجزه «مركز القدس للإعلام والاتصال»، ظهرت تحولات عميقة في مواقف الفلسطينيين، حيث أشارت النتائج إلى ارتفاع في نسبة المؤيدين لحل الدولة الواحدة، مقابل تراجع الثقة بالتنظيمات السياسية.
وأشارت النتائج إلى أن 73.3% غير راضين عن موقف وأداء السلطة تجاه الحرب الجارية في غزة، فيما قيّم نحو 55.8% من المستطلعين أداء السلطة الفلسطينية بأنه سيئ. كما توقع نحو 45.7% أن تؤدي الأزمة المالية إلى انهيار السلطة.
وحسب نتائج الاستطلاع، فقد توقع 45.7% من المستطلعين، أن تؤدي الأزمة المالية إلى انهيار السلطة، مقابل 48.8% لا يتوقعون ذلك. وفي حال انهيارها، توقع 41.1% أن تقوم إسرائيل بتحويل الضفة إلى مناطق إدارية منفصلة على شكل كانتونات، و29.4% توقعوا حالة من الفوضى والفلتان الأمني، فيما توقع 23.8% عودة إسرائيل إلى إدارة الضفة، كما كان الوضع قبل قيام السلطة.
وأظهرت النتائج انخفاض الثقة بحركة «حماس» إلى 8.5% (مقابل 18.7% في أكتوبر 2023)، أما الثقة بحركة «فتح» فارتفعت بشكل طفيف إلى 11% (مقابل 7.1% في أكتوبر 2023). في حين أن الأغلبية الساحقة، 68.5%، لا تثق بأي تنظيم سياسي.

الاستيطان بعد 7 أكتوبر

• 7154 هجمة، تسببت باستشهاد 33 مواطنا
• أقام المستوطنون 114 بؤرة استيطانية جديدة، في محافظات رام الله والبيرة بواقع 30 بؤرة، و25 بؤرة في الخليل
• استولى الاحتلال على 55 ألف دونم من الأراضي المواطنين، وأنشأ 25 منطقة عازلة حول المستوطنات
• شرعن الاحتلال 11 بؤرة استيطانية، وأقام 22 مستوطنة جديدة، وقرر تسوية أوضاع 11 بؤرة أخرى
• نفذ الاحتلال 1014 عملية هدم، كما سلّم 1667 إخطارا بالهدم أو بوقف البناء

المصدر: هيئة مقاومة الجدار والاستيطان



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *