بسبب طول حرب غزة.. تزايد حالات الانتحار والمصابين باضطراب ما بعد الصدمة في الجيش الإسرائيلي


لندن – “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته شيرا روبن وهيدي ليفين وليور ساروكا قالوا فيه إن حالات ما بعد الصدمة والانتحار تتزايد بين القوات الإسرائيلية وسط الدمار في غزة.

وقالوا إن الجنود العائدين من الحرب يعانون وبأعداد كبيرة منهم من آثار الحرب، فيما يحاول الجيش معالجة الموضوع الذي كان مرة تابو في إسرائيل.

ويتذكر جندي الاحتياط أمير لورش عندما سرح في كانون الأول/ ديسمبر 2023 واستعاد وظيفته كمدير للذكاء الاصطناعي في شركة ناشئة في تل أبيب، كيف بدأ التراجع في صحته النفسية. فقد طاردته صور الجثث المتفحمة والمشوهة في السوق وحتى في شقته، حيث لم يعد بإمكانه النوم مع زوجته في نفس السرير. وكان صوت السيارات وصراخ الغرباء يشعل نوبات غضب امتدت لأسابيع. بالكاد كان يأكل أو ينام. قال لورش إنه سرعان ما كان ينتظر استدعاءه التالي، على أمل أن يقتل في غزة.

وبعد عامين من حرب إسرائيل في غزة، يواجه الجنود العائدون اضطراب ما بعد الصدمة أو بي تي أس تي دي بأعداد غير مسبوقة في إسرائيل، وفقا لأخصائيي الصحة النفسية. منذ بداية الحرب، وهي الأطول التي تخوضها إسرائيل منذ إنشائها، تم قبول أكثر من 11,000 جندي في برنامج إعادة التأهيل النفسي التابع لوزارة الدفاع لأولئك الذين أصيبوا في الحرب، وفقا لبيان صادر عن الوزارة. ويعتقد أن عشرات الآلاف يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة دون الاعتراف به أو علاجه.

بعد عامين من حرب إسرائيل في غزة، يواجه الجنود العائدون اضطراب ما بعد الصدمة أو بي تي أس تي دي بأعداد غير مسبوقة في إسرائيل، وفقا لأخصائيي الصحة النفسية

وقال الجيش إنه يحقق في 37 حالة انتحار على الأقل منذ بداية الحرب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الحالات المسجلة خلال آخر حرب كبيرة لإسرائيل في غزة عام 2014، والتي استمرت 50 يوما فقط.

وقد تصدرت هذه القضية عناوين الصحف أخيرا في تموز/يوليو، عندما أحرق أحد المحاربين القدامى الذين يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة نفسه حتى الموت بإشعال النار في سيارته. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه كان قد سعى للحصول على رعاية نفسية، لكن طاقم المستشفى رفض استقباله مرتين.

وتضيف الصحيفة أن موضوع اضطراب ما بعد الصدمة، الذي كان من المحرمات في إسرائيل، لم يعد كذلك. وقال النائب الإسرائيلي إليعازر شتيرن في جلسة استماع عقدت في آب/أغسطس: “لقد طلب منا التطرق إلى هذه القضية في الماضي، لكنها طرحت الآن بشكل أكبر بسبب الجنود العائدين من القتال في غزة”. وسمع شتيرن من عائلات ذكرت أن أبناءها حاولوا الحصول على المساعدة، ولكن في ظل كثرة الحالات، طلب منهم الانتظار أو استدعوا للعودة إلى الخدمة قبل أن ينهوا حياتهم.

وأضاف شتيرن أن معدل الانتحار الأخير بين الجنود الإسرائيليين المسرحين “من الخدمة غير عادي”. ويحاول الجيش التعامل مع الأزمة ومعالجتها، فهو يرسل، لأول مرة، معالجين نفسيين إلى غزة ويوسع نطاق تدريب الجنود المقاتلين على الإسعافات الأولية النفسية تحت وطأة النيران ويشغل خطوطا ساخنة للإبلاغ عن حالات الانتحار. وبما أن النظام العسكري منهك، فقد ظهرت أيضا موجة من المبادرات المدنية لتعويض هذا النقص.

ومع هذه النسبة العالية من الإسرائيليين الذين يخدمون في الجيش، يعرف الكثيرون في بلد صغير لا يتجاوز عدد سكانه السبعة ملايين نسمة شخصا يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.

ويحذر الباحثون من أن العديد من الأطباء الذين يفتقرون إلى الخبرة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة لا يستطيعون التعرف على العلامات، مما يترك عشرات الآلاف من الجنود يعانون دون علاج.

وبالنسبة للرقيب أول لورش، البالغ من العمر الآن 32 عاما، بدأت الصدمة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقال إن اندفاع الأدرينالين استمر أثناء انتشاره في غزة حيث وافقت إسرائيل على استدعاء كامل قوات الاحتياط التابعة لها والبالغ عددها 360,000 جندي. وسرعان ما احتلت وحدة الاحتياط التابعة له “يارا” حزاما من الأرض بعرض ستة أميال جنوب مدينة غزة مباشرة، والذي أطلق عليه لاحقا ممر نتساريم، وهو ما قسم قطاع غزة ومكن القوات الإسرائيلية من المناورة عبر المناطق الشمالية والوسطى.

لكن سرعان ما قال لورش إن الوتيرة تباطأت وبدا سفك الدماء المستمر بلا هدف. قال: “في مرحلة ما، كما ترى، لا توجد مهمة”. عندما سرح بعد شهرين، تغير. قال: “في البداية، اعتقدت أنه يتعين علي مقاومته، هذا الرجل الذي عاد معي، والذي لم يكن أنا”. “ولكن أيضا، كانت المشكلة هي أنني جندي مقاتل، وليس لدي مشاعر. فماذا أفعل بكل هذا؟”.

العديد من الأطباء الذين يفتقرون إلى الخبرة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة لا يستطيعون التعرف على العلامات، مما يترك عشرات الآلاف من الجنود يعانون دون علاج

ولم يبدأ لورش بالاعتراف بوجود مشكلة ما إلا بعد أن تطوع صديق له في برنامج بمركز شامير الطبي، قرب تل أبيب. قال لورش إنه تلقى، على مدار ثماني ساعات يوميا، على مدى عشرة أشهر، إرشادات من خلال علاج إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة، لتعلم كيفية معالجة الذكريات المؤلمة في محاولة لإزالة آثارها. لكنه قال إنه استمر في التخبط حتى قاده صديق آخر – أحد الجنود السابقين تحت قيادته – إلى مزرعة خيول في بلدة سيتريا، وسط إسرائيل، حيث سعى برنامج آخر إلى مساعدته في إيجاد طريق للمضي قدما.

يقول باحثون في عيادة اضطراب ما بعد الصدمة بجامعة تل أبيب إن جنود الاحتياط العائدين معرضون للخطر بشكل خاص لأنهم غالبا ما يتم استدعاؤهم لجولات إضافية حتى وهم في خضم تلقي العلاج ويتم دفعهم مرة أخرى إلى نفس مشاهد الدمار والموت التي ربما تكون قد أصابتهم بالصدمة في البداية. على سبيل المثال، عند شن هجومه على مدينة غزة، استدعى الجيش الإسرائيلي 60,000 جندي احتياطي، تم نشر العديد منهم سابقا.

وأطلق إيليران مزراحي، وهو جندي احتياط مقاتل يبلغ من العمر 40 عاما وقائد وحدة جرافة، النار على رأسه أثناء إجازته العام الماضي، قبل يومين من الموعد المقرر لإعادة انتشاره في رفح جنوب غزة، كما روت شقيقته شير. وقالت إنه بعد تعرضه لإصابة في الركبة في هجوم بقذيفة صاروخية خلال انتشار سابق في غزة، أظهر إيليران أعراضا شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة. وقال قبل انتحاره للقناة 13 الإسرائيلية بأنه وزملاءه الجنود “لم يظنوا أننا سنعود، لكننا نجونا. لذا، لا نعرف الآن كيف نتعامل مع هذا الأمر”. وقالت شير إن عائلة إليران خاضت معركة مع الحكومة لدفنه في مقبرة عسكرية، وهو ما رفضته في البداية لأنه كان خارج الخدمة وقت وفاته.

مع طول مدة خدمة جنود الاحتياط، وتزايد انتقادات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لاستراتيجية الحكومة الحربية، برزت المخاوف بشأن الخسائر التي يتكبدها الجنود جراء الصراع.

وظهر جنود يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أمام اللجان البرلمانية وفي احتجاجات الشوارع، مطالبين بإصلاحات تشريعية لتحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية والحد من البيروقراطية التي تؤخر دفن الجنود المنتحرين. الآن، تُعرض هذه القضية بشكل روتيني في برامج الأخبار الصباحية وفي الفعاليات الثقافية الرئيسية.

لكن على مدار العامين الماضيين، بدأت مئات المبادرات في معالجة هذا الكم الهائل من الحالات الجديدة. تشمل هذه الجهود حوالي 15 مزرعة علاجية، بالإضافة إلى برامج تدمج العلاج بالحديث المنظم مع أساليب مثل العلاج بمساعدة الخيول وركوب الأمواج والعمل الزراعي وحمامات الجليد. تتيح هذه البرامج للجنود “كسب الوقت”، حيث يمكنهم اكتساب مهارات إدارة أعراضهم، وفقا لإيال فروختر، الرئيس السابق لقسم الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي، والذي بدأ مؤخرا مشروعا يعرف باسم “مجموعة إيكار”، لرسم خريطة للبرامج المختلفة ودمجها.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *