القاهرة ـ «القدس العربي»: يسيطر القلق من الغرق على بعض أهالي محافظات الدلتا المصرية، الذين يقطنون «طرح النهر» ويعيشون من زارعة أراضيه، خصوصا وأن بعض القرى تعرض فعلاً للغرق، حيث نشر الأهالي فيديوهات تظهر المياه تغمر منازلهم وأراضيهم.
وتزداد المخاوف من أن تكون القرى التي تعرضت للغرق هي مجرد بداية لارتفاع منسوب مياه النيل نتيجة فتح أديس أبابا لبوابات سد النهضة دون تنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان، خاصة أن المياه تستغرق ما يقرب من أسبوعين للوصول إلى مصر.
وطرح النهر يشمل المناطق الواقعة في محيط مجرى النيل، التي استغلها بعض المواطنين على مدار السنوات الماضية في البناء أو الزراعة، وتكمن خطورتها في أنها تقع على منسوب أقل من سطح الأرض الطبيعية في المدن والقرى المجاورة بمسافة تصل إلى 4 أمتار تقريبًا، بينما ترتفع عن مستوى النهر نفسه بأقل من نصف المتر فقط، ما يجعلها عرضة للغرق مع أي زيادة في مناسيب المياه.
غرق 6 قرى
قرية دلهمو التابعة لمركز أشمون في محافظة المنوفية واحدة من 6 قرى اضطر قاطنوها لترك منازلهم وإقامة خيام بعيدة عن النهر.
ويقول محمد أبو سعدة، أحد أهالي القرية المتضرريين لـ«القدس العربي»: فقدنا كل شيء المحاصيل التي تعبنا في زراعتها ومنازلنا، حتى البقرة التي امتلكها غرقت عندما داهمتنا المياه ليلا.
وأضاف: استيقظنا ليلا على غرق المنازل، لم نستطع جمع أغراضنا، المياه ارتفعت لأكثر من متر في المنطقة التي نقطنها، واضطررت لاصطحاب أولادي وإقامة خيمة من «الخيش والمشمع» لنقيم فيها.
«خطط استباقية»
غرق القرى الست جاء بعد ساعات من تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قال فيها إن حكومته أعدت خططًا استباقية لمواجهة تداعيات فيضان النيل المتوقع خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر.
وبين أن التصريف المائي المتوقع في أكتوبر سيتجاوز المعدلات المتوسطة، مضيفاً أن هذا الوضع سيؤدي إلى غمر بعض الأراضي المجاورة للنهر، خاصة في محافظتي المنوفية والبحيرة.
وأوضح أن أراضي طرح النهر، التي تشهد تعديات من بعض المواطنين عبر زراعات موسمية أو إقامة عشش، هي جزء لا يتجزأ من المجرى المائي للنيل، قائلاً: «هذه الأراضي غير مسموح بالزراعة أو البناء عليها لأنها مخصصة لاستيعاب الفيضانات».
ولفت إلى أن الحكومة أصدرت إنذارات للمحافظين للتعامل مع التعديات على أراضي طرح النهر، مؤكدًا أن أي أنشطة غير قانونية في هذه المناطق قد تؤدي إلى شكاوى نتيجة الغمر المتوقع بالمياه.
وأضاف أن الاستعدادات لمواجهة الفيضان بدأت منذ فترة طويلة، مشيرًا إلى أن الجهود الحكومية تركز على حماية المواطنين والحفاظ على البنية التحتية مع ضمان سلامة النهر كمورد حيوي.
تصرفات متهورة
وزارة الموارد المائية والري المصرية اتهمت إثيوبيا بالمسؤولية عن تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام، بسبب ما وصفتها بـ«التصرفات الأحادية المتهورة» من جانب إثيوبيا في إدارة سدها «غير الشرعي المخالف للقانون الدولي».
وقالت في بيان إن «هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديدًا مباشرًا لحياة وأمن شعوب دول المصب، كما تكشف بما لا يدع مجالًا للشك زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالغير، وتؤكد أنها لا تعدو كونها استغلالاً سياسياً للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي».
وفيما يتعلق بالموقف المائي في أعالي النيل، أكدت الوزارة أن «البيانات تشير إلى أن وضع الفيضان العام عند مصادر نهر الرئيسية وهي النيل الأبيض، النيل الأزرق، ونهر عطبرة، أعلى من المتوسط بنحو 25٪، إلا أنه أقل من العام الماضي، الذي عُد فيضاناً مرتفعاً، حتى الآن».
وأضافت: «من الناحية الفنية، كان من المفترض أن تبدأ إثيوبيا في تخزين المياه بسدها بشكل تدريجي منذ بداية يوليو/ تموز الماضي وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ثم تصرفها بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه مراراً بشأن فوائد السد في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء للشعب الإثيوبي».
اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا… والسكان يلجأون إلى الخيام
وبينت أنه «في نهاية أغسطس/ آب الماضي، لوحظ أن مشغلي السد الإثيوبي خالفوا القواعد الفنية والعلمية المتعارف عليها، حيث خزنوا كميات أكبر من المتوقع من مياه الفيضان مع تقليل التصريفات من نحو 280 إلى 110 ملايين متر مكعب يوم 8 سبتمبر/ أيلول الماضي».
وأكدت أن «هذه التصرفات تدل على توجه إثيوبي متعجل نحو إتمام الملء بصورة غير منضبطة، بغرض الوصول إلى منسوب 640 مترًا فوق سطح البحر، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة لاستخدامها فقط كلقطة إعلامية واستعراض سياسي فيما سُمّي باحتفال افتتاح السد يوم 9 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعيداً عن أي اعتبار للسلامة المائية أو مصالح دول المصب».
وواصلت الوزارة في بيانها: «تأكدت هذه التقديرات بما حدث فعلياً، إذ عمد المشغل الإثيوبي عقب انتهاء ما سُمّي بالاحتفال إلى تصريف كميات ضخمة من المياه، بلغت 485 مليون متر مكعب في يوم واحد، تلتها زيادات مفاجئة وغير مبررة في التصريفات وصلت إلى 780 مليون متر مكعب يوم 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم انخفضت إلى 380 مليون متر مكعب يوم 30 سبتمبر/ أيلول الماضي».
وزادت: «أظهرت التقديرات الخاصة بمناسيب السد الإثيوبي انخفاض المنسوب بما يقارب متراً واحداً، وهو ما يعادل تصريف نحو 2 مليار متر مكعب من المياه المخزنة دون مبرر، بخلاف التصرفات الناتجة عن الفيضان نفسه، ما فاقم من كميات المياه المنصرفة وأكد الطبيعة غير المنضبطة والعشوائية لإدارة السد، وأدى التقاء هذه الكميات الكبيرة وغير المتوقعة من المياه في هذا التوقيت من العام، مع تأخر واختلاف مواعيد سقوط الأمطار داخل السودان، إلى جانب ارتفاع إيراد النيل الأبيض عن معدلاته الطبيعية، إلى زيادة مفاجئة في كميات المياه نتج عنها إغراق مساحات من الأراضي الزراعية وغمر العديد من القرى السودانية».
فيضان صناعي
وواصلت الوزارة القول في بيانها: «لقد تسببت الإدارة الأحادية وغير المسؤولة للسد الإثيوبي في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعين الذي تحدث ذروته عادة في أغسطس/ آب من كل عام، وإحداث فيضان صناعي مفتعل أكثر حدة وقوة في وقت متأخر من العام (جزء من شهر سبتمبر) كما أن هذا التصرف العبثي وغير المنضبط، والذي لا هدف له سوى الاستعراض الإعلامي والسياسي، قد ألحق خسائر فادحة بالسودان الشقيق وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مهدداً حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب».
خطر دائم
ولفتت إلى أن «مصر كانت قد حذرت مراراً من أن وجود سد يخزن 74 مليار متر مكعب بشكل مخالف للقانون الدولي ودون اتفاق قانوني ملزم، وفي ظل هذه العشوائية والعبث في الإدارة، يمثل خطراً دائماً ومستمراً على دولتي المصب خلال فترات الجفاف وفترات الفيضان».
وبشأن الإجراءات التي اتخذتها مصر، قالت الوزارة إنها «تعمل على تحقيق التوازن بين الاستفادة المثلى من المياه، سواء عبر استخدام المجرى الرئيسي لتصريف المياه لتلبية الاحتياجات المختلفة وتوليد الكهرباء، أو عبر مفيض توشكى في الحالات الاضطرارية، بما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المائية وحماية أمن الشعب المصري في مواجهة أي تصرفات عشوائية من الجانب الإثيوبي».
وأكدت أنها «اتخذت إجراءات استباقية شملت مخاطبة جميع المحافظين في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، للتنبيه على المواطنين بضرورة توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ممتلكاتهم وزراعتهم المقامة على أراضي طرح النهر، رغم كونها تعديات مخالفة للقانون، حرصا على حماية المواطنين والتقليل من الآثار المحتملة للفيضان، مع التأكيد على أن هذه الأراضي بطبيعتها جزء من المجرى الطبيعي والسهل الفيضي لنهر النيل، ومعرضة للغمر في مثل هذه الحالات».
ولفتت إلى أن «الأراضي التي غمرتها المياه مؤخراً جزء من أراضي طرح النهر التي اعتاد النهر على استيعابها عند زيادة التصرفات المائية عبر العقود الماضية. غير أن التعديات عليها بزراعات أو مبانٍ بالمخالفة أدت إلى وقوع خسائر عند ارتفاع المناسيب، رغم أن هذه الأراضي غير مخصصة للزراعة الدائمة».
عواقب فنية جسيمة
ولفتت الوزارة إلى أن «التعديات على مجرى النهر تؤدي إلى عواقب فنية جسيمة، أهمها تقليص القدرة التصريفية للنهر الذي يمثل مصدر الحياة للمصريين. وتقوم الوزارة سنوياً بتحذير المواطنين، كما تنفذ مناورات وجهوداً كبيرة ومكلفة للحفاظ على زراعات وأملاك المخالفين باعتبارهم من أبناء الوطن. ومع ذلك، فإن استمرار هذه التعديات من قلة من الأفراد يضر بإيصال المياه لعشرات الملايين من المواطنين والمزارعين، وينعكس سلباً على النشاط الزراعي والاقتصاد الوطني بأسره».
إلى ذلك وصفت وزارة المياه الإثيوبية تصريحات السلطات المصرية بأنها «ضارة وكاذبة وتهدف إلى خداع المجتمع الدولي» على حد تعبيرها.
وقالت إن سبب الفيضانات في السودان «هو بالأساس زيادة حجم مياه النيل الأبيض، وهو أحد روافد نهر النيل وليس له علاقة بإثيوبيا».
واعتبرت أن السد كان من شأنه أن يحول دون «تدمير تاريخي للأرواح البشرية والبنية التحتية» في السودان ومصر في الأشهر الأخيرة بعد «الأمطار الغزيرة على المرتفعات الإثيوبية» هذا العام.
ويُعد السد، الذي أُطلق العمل فيه عام 2011 بكلفة بلغت 4 مليارات دولار، أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا بعرض 1.8 كيلومتر وارتفاع 145 متراً.
وترى إثيوبيا أنه ركيزة أساسية لخططها في إنتاج الكهرباء، فيما تخشى مصر والسودان من تأثيره على حصتيهما من مياه النيل، خصوصاً في سنوات الجفاف.
وفشلت جولات التفاوض بين الدول الثلاث على مدى سنوات في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، وهو ما تتمسك القاهرة والخرطوم بضرورة تحقيقه.