تأثّر لرحيل أحمد طالب الإبراهيمي في الجزائر.. شخصية بارزة انسحبت من الترشح للرئاسيات ومنعت من تأسيس حزب


الجزائر- “القدس العربي”:

فقدت الجزائر واحدا من أبرز رجالاتها بوفاة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، الوزير السابق والسياسي البارز، الذي رحل عن عمر ناهز 93 عاما، بعد مسار طويل امتد من ميادين الطب إلى ساحات النضال السياسي والفكري.

وقد شغل الراحل مناصب وزارية بارزة خلال حقبة الحزب الواحد، من بينها وزير التربية والتعليم العالي ووزير الإعلام والثقافة ثم وزير الشؤون الخارجية في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، حيث عرف بأسلوبه المتزن ومواقفه الفكرية المدافعة عن الأصالة والحداثة.

ولد الإبراهيمي سنة 1932 بمدينة سطيف شرق البلاد، في بيت علمٍ وإصلاحٍ ارتبط باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فهو نجل البشير الإبراهيمي. وبعد أن تلقى تعليمه الأولي بالمدارس الفرنسية، التحق بجامعة الجزائر لدراسة الطب، قبل أن ينتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته العليا. وهناك انخرط في صفوف الحركة الطلابية الوطنية، فكان من أبرز قادة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، كما شارك في نشاطات فيدرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا، حيث كُلّف بمهام تنظيمية وسياسية ساهمت في دعم العمل النضالي خلال الثورة.

وفي شهر فيفري 1957، ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه رفقة عدد من المناضلين، ليُسجن في فرنسا حيث التقى بقادة الثورة: أحمد بن بلة، ومحمد بوضياف، وحسين آيت أحمد، ومحمد خيضر. وبعد إطلاق سراحه، التحق بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في القاهرة، ثم عاد إلى الجزائر عقب الاستقلال في جويلية 1962، حيث بدأ مساره في مؤسسات الدولة الجديدة.

وخلال مسيرته الحكومية التي امتدت لأكثر من عقدين، تولى الإبراهيمي ملفات حساسة في قطاعات التربية والإعلام والدبلوماسية، وساهم في وضع اللبنات الأولى للتعليم الوطني، وفي تمثيل الجزائر دبلوماسيا في مراحل من التوتر الإقليمي والدولي.

بعيد خروجه من الحكومة، اتجه الإبراهيمي إلى الكتابة والتأمل الفكري، فأصدر عددا من المؤلفات من بينها رسائل من السجن ومن تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية والأزمة الجزائرية: المعضلة والحل، وهي كتب عكست رؤيته لموقع الجزائر في مسار ما بعد الاستقلال ولإشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع.

وفي سنة 1999، ترشح الإبراهيمي للانتخابات الرئاسية إلى جانب عبد العزيز بوتفليقة وحسين آيت أحمد ومولود حمروش وآخرين، لكنه انسحب رفقة باقي المترشحين احتجاجا على ما اعتُبر يومها مؤشرات على توجيه نتائج الاقتراع. وبعد ذلك، أسس حزبا سياسيا باسم حزب الوفاء، غير أن وزارة الداخلية رفضت اعتماده سنة 2000 بدعوى وجود أعضاء مؤسسين منتمين سابقا إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) المنحلة، وفق تصريح وزير الداخلية الراحل محمد يزيد زرهوني. وهنا، يذكر الصحافي نجيب بلحيمر في منشور عن الراحل، أن الإبراهيمي كان “شاهدا على اغتيال السياسة في الجزائر”، مشيرا إلى أن منعه من تأسيس حركة الوفاء والعدل شكّل لحظة مفصلية في علاقة السلطة بالمجتمع السياسي.

ومنذ ذلك الحين، ابتعد الإبراهيمي تدريجيا عن الممارسة السياسية المباشرة، مفضلا التفرغ للكتابة والعزلة الفكرية. لكنه عاد إلى الواجهة في سنوات مرض الرئيس بوتفليقة ثم خلال الحراك الشعبي سنة 2019، عندما وقّع إلى جانب الحقوقي علي يحيى عبد النور والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس بيانات تدعو الجيش إلى فتح حوار صريح مع ممثلي الحراك والقوى السياسية والاجتماعية، بحثا عن حل توافقي للأزمة.

وعقب إعلان وفاته، نعى الرئيس عبد المجيد تبون الفقيد في بيان جاء فيه: “بوفاة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، تفقد الجزائر أحد رجالاتها الوطنيين الذين جمعوا بين حكمة السياسي ووطنية المناضل ورصانة المثقف”. كما توالت برقيات التعازي من شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية، استحضرت مساره الطويل في خدمة الوطن وإسهاماته الفكرية والسياسية.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *