مع “فصليها العالقين”.. كيف ستشعل خطة ترامب ميدان المعركة السياسية في المنطقة؟


تسفي برئيل

رئيس بلدية خان يونس، علاء البطة، وهو رجل حمساوي بارز، خرج الثلاثاء بمبادرة استثنائية. فعلى صفحته في الفيسبوك، دعا قيادة حماس وكل الفصائل الفلسطينية إلى “عقد لقاء افتراضي لموافقة فورية على الخطة”، وتشكيل وفد لإجراء مفاوضات، يضم ممثلين من مصر والسعودية وقطر وتركيا وممثلي السلطة الفلسطينية. هذا الوفد سيجري مفاوضات حول نقاط الخلاف سعياً لتحسين بعضها والحصول على الضمانات اللازمة ووضع جدول زمني وتحديد المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل. وهناك تجديد مثير للاهتمام في دعوته العلنية، التي لاقت فعلياً انتقادات لاذعة في الإنترنت: “إذا وجدت صعوبة (في الحصول على اتفاق كهذا) فعلى حماس الإعلان تسليم ملف غزة بالكامل إلى لجنة عربية – إسلامية برئاسة مصر والسعودية، تلزم فيها حماس بتنفيذ كل قرارات هذه اللجنة”.

رد المتصفح نائل بركة على ذلك: “أين كنت في بداية الحرب كي تأتي الآن لتقدم لنا هذه النصائح… نصيحتك للأسف الشديد، جاءت متأخرة جداً، لأن غزة انتهت”.

مشكوك فيه أن حماس، التي أعلنت تقديم رد على خطة ترامب بعد التشاور مع الفصائل الأخرى، ستتبنى اقتراح البطة. وفي هذه الأثناء، موعد الإنذار النهائي الذي أعطاه ترامب لحماس للرد على الـ 20 نقطة، على وشك الانتهاء، ولم يأت رد حماس بعد، والتلميحات المتناقضة التي تقتبس من المتحدثين باسم حماس تتراوح بين التعامل “بصورة متعاطفة” وبين اعتبار الخطة “احتلالاً استعمارياً جديداً” لغزة على يد دول أجنبية. حسب التقارير عن مشاورات حماس في الدوحة مع ممثلين كبار من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب محادثات ترامب ومساعديه مع رؤساء هذه الدول، يبدو أنه تم التوصل إلى اتفاق على حاجة الخطة إلى بضعة أيام أخرى، تجرى فيها مفاوضات حول بعض تفاصيلها. مصدر دبلوماسي عربي قال للصحيفة بأن “واشنطن تعرف أن الخطة تحتاج إلى عدد من التعديلات بعد أن أوضح رئيس حكومة قطر محمد آل ثاني، بأن الخطة تقتضي المزيد من النقاشات حول تفاصيلها، وعملياً تحدث عنها كما يتحدث عن “خطة مبادئ” غير ناضجة للتطبيق”.

وفقاً لهذا المصدر نفسه، فإن الخلافات والتحفظات “موجودة في رزمتين: الأولى تتعلق بالمرحلة الأولى من الخطة التي تحتاج إلى توضيحات دقيقة حول عمق انسحاب إسرائيل ومراحل الانسحابات القادمة والجداول الزمنية لتنفيذها وتفسيرات فعلية لطلب نزع سلاح حماس. الثانية تتعلق بقضية السيطرة التي ستكون في غزة في كل مرحلة من مراحل انسحاب إسرائيل وبعد استكمالها”. وفوق الرزمتين تحلق قضية الضمانات والتعهدات التي تطلبها حماس من الولايات المتحدة لتنفيذ الخطة، لا سيما البند المتعلق بوقف حرب مطلق. حسب محادثات مع جهات في السلطة الفلسطينية والأردن وتركيا، يبدو أنه لا مناص من مناقشة فصلين في خطة ترامب – مرحلة وقف الحرب ومرحلة الإدارة المدنية – بدون ربط تنفيذ أحدهما بالآخر. “الجهد منصب على صياغة تعديلات قابلة للموافقة عليها، أو تعزيز صياغات قائمة تتعلق بالمرحلة الفورية لوقف إطلاق النار”، قال للصحيفة مصدر سياسي أردني. وحسب أقواله، ثمة خلافات في كل ما يتعلق بخطة “اليوم التالي”، ليس فقط داخل حماس نفسها، وبين حماس ودول الوساطة – بل أيضاً بين الدول التي قد تكون مشاركة في تنفيذ الخطة.

ثمة مثال على هذا الخلاف يسمع من وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي. أول أمس، قال إن موقف مصر هو أن “إدارة قطاع غزة ستكون تحت المسؤولية الفلسطينية، بدون تدخل خارجي مباشر في الشؤون الداخلية للقطاع”. وحسب قوله، فإن مصر تعتبر دورها “عاملاً داعماً” وليس كجزء من جهة إدارية، ولا تعارض نشر قوة عسكرية متعددة الجنسيات في القطاع “من أجل مساعدة النظام الفلسطيني على تجسيد دولته”. هذا الموقف لا يتساوق مع المبادئ التي توجه خطة إقامة “السلطة الانتقالية الدولية لغزة” (جي.آي.تي.ايه)، المعروفة باسم “خطة بلير”، التي بحسبها سيكون مجلس المدراء لهذه السلطة، والذي يضم “على الأقل فلسطينياً واحداً” (وغير ملزمة بأكثر من ذلك)، هو “صاحب الصلاحية الاستراتيجية والسياسية العليا للتقرير في شؤون القطاع”. حسب الهيكلية المقترحة لهذه السلطة، لن تكون حماس في الواقع جزءاً من أجهزة الإدارة المدنية، لكن سيحتفظ للسلطة الفلسطينية فقط بدور هامشي في تقرير السياسات.

أقوال وزير خارجية مصر تعكس الموقف العربي – العام، الذي تم الاتفاق عليه في لجنة القمة العربية – الإسلامية في الشهر الماضي، لكن مصر لا تنوي ان تكون فقط “قوة داعمة” في الإدارة الفلسطينية التي ستقوم في غزة؛ لأنه مع تطبيق المرحلة الأولى للخطة فالنية ستكون فتح معبر رفح أمام حركة البضائع والأشخاص ضمن الشروط التي حددت في اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه في كانون الثاني الماضي، وأن توزيع المساعدات سينفذ من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير المرتبطة بأي طرف من الطرفين. المعنى، أن مصر ستكون العامل المسيطر على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتستطيع أن تستخدم هذه الصلاحية لترسيخ صلاحياتها ونفوذها السياسي في القطاع مثلما فعلت في السابق.

ولكن على عكس “الاحتكار” الذي تمتعت به مصر على المعبر قبل الحرب، الذي استمر جزئياً حتى سيطرت إسرائيل عليه، فسيطلب من مصر تنسيق نشاطاتها مع الآلية الدولية الجديدة. ورغم وجود ممثل رفيع المستوى، ربما الملياردير نجيب سويرس، فإنها ستواجه جهات أخرى لها مصالح، خاصة الدول العربية المانحة. ورغم دعمهم الساحق لخطة ترامب، يتوقع أن تشعل ترجمتها العملية على أرض الواقع خلافات جدية، منها الاتفاق على هوية كبار المسؤولين وصلاحيات المفاوضين الذين سيتم تعيينهم للتعامل مع مسائل معينة، مثل التشريع والأمن والموافقة على قائمة المقاولين الذين سينفذون خطط إعادة الإعمار.

ليس من نافل القول التذكير بأنه وحسب الخطة التي عرضتها مصر لإدارة القطاع في آذار الماضي، التي وضعت أجزاء منها في خطة ترامب، فإن مبلغ إعادة الإعمار المطلوب في غزة قدر في حينه بـ 53 مليار دولار. والتقدير ازداد الآن بعشرة مليارات دولار. الأموال لن تأتي من صندوق القاهرة الهش. السعودية، والإمارات وقطر هي التي يتوقع أن تكون الدول الداعمة الرئيسية، وستنضم إليها بنطاق أصغر أيضاً تركيا وإندونيسيا ودول الاتحاد الأوروبي. الآن الأموال حتى غير موجودة على الورق. ومصر تخطط لعقد مؤتمر دول للدول المانحة بعد دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ وانطلاق المرحلة الأولى من خطة ترامب. ولكن إذا اجتازت الخطة مرحلة المصادقة فسيكون للأموال دور سياسي رئيسي.

في اللحظة التي ستنطلق فيها حملة إعادة الإعمار سيتم فتح المنافسة على السيطرة في غزة. حسب طبيعة المنافسة المتوقعة، يمكننا التأثر من سابقة سوريا – حيث تم إغداق وعود على الرئيس أحمد الشرع بمليارات الدولارات من الدول التي قد تساهم في إعادة إعمار غزة. الأموال الطائلة لم تصل إلى دمشق حتى الآن، ولكن كل دولار قد يكون مقروناً ببطاقة ثمن سياسي يحدد وجهة سوريا. ولبنان أيضاً ينتظر بتأهب وتخوف رؤية كيف ستؤثر “الطفرة” المخطط لها في غزة على احتمالية حصوله على المساعدات لإعادة إعماره. قيادته تتساءل أين يقف في سلم الأولويات للدول المانحة، وهل ستبقى أموال ودافعية لمساعدته بعد سوريا وغزة.

الأضرار والخسائر التي لحقت بلبنان تقدر بـ 13 مليار دولار – نصفها بسبب أضرار مباشرة لحقت بالبنى التحتية العامة والمباني السكنية، والباقي بسبب الإضرار بالاقتصاد عقب فقدان المداخيل. ومثل السلطة الفلسطينية وسوريا، على لبنان إجراء إصلاحات عميقة كثيرة، ترتبط باتفاق سياسي واسع، قبل أن يحصل على المساعدات. عليها جميعاً اجتياز حقل ألغام متفجر ونزع سلاح التنظيمات غير الحكومية – حزب الله في لبنان، والمليشيات الإسلامية الأقلية الكردية الأقلية الدرزية في سوريا، وحماس في غزة – في إطار رزمة الشروط. سوريا ولبنان وفلسطين، هي الفضاء الجديد الذي فيه يمكن للدول المانحة، لا سيما دول الخليج – أكثر من أمريكا أو إسرائيل – التأثير على النتائج السياسية التي ستميز “الشرق الأوسط الجديد”. على ذلك، يتوقع حتى الآن حدوث صراع أيديولوجي واستراتيجي صارخ.

هنا يكمن الخطر الذي يهدد خطة ترامب: من الآن ستبدأ الأطراف في التصادم حول تفاصيل بنية “اليوم التالي”، وستربط تنفيذ المرحلة الأولى التي هي أيضاً لم يتم إغلاقها بعد، بالموافقة على الخطة النهائية الضبابية. ولكن حتى فصل المفاوضات على جزأي الخطة لا يضمن النجاح، حيث لا تتعلق الحلقة بينهما فقط بمكانة حماس، بل أيضاً بمكانة السلطة الفلسطينية وم.ت.ف وطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع. “نحن لا نستطيع الآن تحميل خطة ترامب كل تاريخ فلسطين، أو نحل بواسطتها القضايا التي لم ننجح في الاتفاق عليها خلال عشرات السنين”، قال للصحيفة مصدر رفيع في السلطة الفلسطينية. وهو يعترف أن ليس للسلطة أداة ضغط أو مكانة تمكنها من وضع الشروط. “في نهاية المطاف، كل هذه العملية تمت من وراء ظهر السلطة. فقط بفضل موقف السعودية الحازم ونجاح مبادرتها في إثارة موجة اعتراف دولية جارفة بدولة فلسطين، نجحت السلطة في الحصول على مكانة ضيف في الخطة الأمريكية. هذه هي فرصتنا لتوحيد جزأي فلسطين تحت قيادة واحدة. لا تأكيد على وجود فرصة كهذه”.

 هآرتس 3/10/2025



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *