عمان- «القدس العربي»: لا يمكن قراءة تركيز الصحافة الإسرائيلية المفاجئ على ما تسميه بمؤشرات معاداة السامية في مناهج التربية والتعليم الأردنية إلا في سياق الحرب الدعائية والنفسية، ولاحقاً السياسية، التي بدأ يشنها على أكثر من محور وفي أكثر من اتجاه اليمين الإسرائيلي على الأردن، ضمن معطيات عملية ابتزاز رخيصة دائمة ويومية لا تقف عند حدود الضرب على أوتار ما يسمى بمعاداة السامية في المناهج الأردنية، بل تعبر باتجاه ابتزازات مماثلة على مستوى حصة المياه وتلويحات بين الحين والآخر بحجب إمدادات الغاز، خلافاً بطبيعة الحال للعب بورقة الجسور والمعابر وإرباك الأردنيين والفلسطينيين معاً في هذا السياق.
الأردن عملياً وسياسياً، لا يزال في مرمى أهداف مشروع إسرائيل الكبرى.. تلك قناعة يعبر عنها بوضوح الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، وهو يحذر من الاسترسال في تسويق وترويج ما يسمى بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بعيداً عن ترامب وخطته، بدا واضحاً أن تركيز صحافة إسرائيل على ما تسميه بمعاداة السامية في كتب الأردنيين هي مسألة خارج كل السياقات، حيث الأولويات في المنطقة أمنية، وحيث حرب غزة ضربت كل الأوتار الحساسة في المجتمع الأردني.
وهنا لا تبرز فقط الرواية التي نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، فقد سبقتها مراكز بحث ودراسات إسرائيلية زعمت أنها قلبت صفحات عشرات الكتب المعتمدة في مدارس الأردنيين، وفوجئت بأن فيها العديد من المضامين المعادية للسلام ولإسرائيل.
لا تعلق الحكومة الأردنية ولا وزارة التربية والتعليم على مثل هذه التقييمات والتشخيصات، لكن صحيفة معاريف ذكرت في تقريرها الأخير قبل 4 أيام، أن لجنة إسرائيلية مختصة من خبراء فوجئت بنصوص وعبارات وحوادث تضمنها أكثر من 293 كتاباً في المدارس الأردنية فيها مضامين مباشرة معادية لإسرائيل والسامية.
طبعاً، الصحيفة الإسرائيلية لم تذكر التفاصيل، لكن أشارت إلى أن اللجنة أوصت بالانتباه إلى هذه المناهج في نظام التعليم الأردني وبتأثيره المقلق على اتفاقية السلام بين الطرفين، علماً بأن وزير الخارجية أيمن الصفدي وصف اتفاقية السلام في وقت مبكر قبل نحو عامين، بأنها ورقة يعلوها الغبار في متحف.
إسرائيل هي الطرف الذي يخالف كل مضامين اتفاقية السلام، وفقاً لشهادة العضو السابق في الوفد المفاوض الدكتور دريد محاسنة، الذي أصر في عدة أحاديث ونقاشات مع “القدس العربي” على أن الجانب الآخر -كما توصف إسرائيل في العادة- لم يلتزم حرفياً بأي اتفاق ألحق باتفاقية وادي عربة.
ما يشير إليه المحاسنة وغيره من المختصين أيام عملية السلام والتفاوض، هو أن الجانب الإسرائيلي لم يقف عند حدود مخالفة اتفاقية وادي عربة ذاتها، بل أكثر من 13 اتفاقية ملحقة بها أيضاً.
إسرائيل بسعيها لضم الضفة الغربية والأغوار، تخالف اتفاقية وادي عربة، بشهادة الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم. لذلك يصبح السؤال: ما الذي يدفع صحافة اليمين الإسرائيلي للعزف على أوتار مناهج التربية الأردنية ومعاداة السامية فجأة؟
السؤال له قيمة استراتيجية مهمة؛ لأنه يعبر عن حالة متقدمة في المناكفة الإسرائيلية للمصالح الأردنية، وتُقرأ نمطيته في إطار عملية “ابتزاز مستحدثة” برأي الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، الذي ينصح عبر “القدس العربي” حكومة عمان للانتباه جيداً لما خلف ووراء ترويج تهمة معاداة السامية.
يشير شقديح إلى أن اللعبة ذاتها لعبها الإسرائيليون مع المؤسسات الفلسطينية ولأغراض خبيثة.
واحدة من مشكلات الحكومة الأردنية منذ أكثر من 20 عاماً مع الحراك الشعبي وقوى المعارضة، أنها بالغت في تصويب وتعديل مناهج التربية والتعليم ضد المقاومة الفلسطينية ومقترحات الجهاد، وبالغت في ترويج ثقافة السلام.
ورغم ذلك، وبعد أكثر من 31 عاماً على توقيع اتفاقية وادي عربة. وبعد أكثر من 20 عاماً على تغيير المناهج في عدة مواسم، تأتي تقارير إسرائيلية لتعلن بأن مناهج التربية والتعليم الأردنية معادية للسامية.
ذلك إعلان سياسي بامتياز، ولا يمكن عزله عن الأهواء والأغراض المفهومة؛ لأنه يشبه في توقيته وشكله وعدم دقته ما يقوله الإسرائيليون عن مخاوفهم من 7 أكتوبر أردني، كي يبرروا رغبتهم ومشروعهم في السيطرة المطلقة أمنياً على منطقة الأغوار وضمها، علماً بأن الجانب الإسرائيلي هو الذي يخالف القواعد الحدودية ونصوص الاتفاقية، بشهادة الخبير العسكري المتقاعد نضال أبو زيد، الذي أعاد التأكيد عدة مرات على أن المخالفات الحدودية والاختراقات والتسللات تحصل برعاية دوائر إسرائيلية، وآخر الأدلة عليها هو حجم تهريب المخدرات من جنوبي فلسطين المحتلة باتجاه مناطق جنوب وشرق الأردن.
المعنى هنا الآن هو “أكذوبة” معاداة السامية في الأردن عبر لجان إسرائيلية وعبر صحافة تل أبيب، والعزف على أوتارها فجأة بعد اتهامات تحاول تبرير الإجراءات الأمنية المشددة على الأغوار والتي تضمنت استدعاء أكثر من 15 ألف جندي احتياط إسرائيلي.
لا يفعل الإسرائيليون ذلك بدون أهداف معدة مسبقاً ومغلفة، ولا تبالغ الصحافة واللجان الإسرائيلية في الحديث عن مناهج تربية أردنية تعادي السامية إلا بالترتيب مع دوائر أمريكية ولأهداف سياسية ذات علاقة مباشرة بكل أنماط الابتزاز التي ألفتها النخبة السياسي في الكيان الإسرائيلي اللعوب.