إسطنبول ـ بيروت ـ «القدس العربي» ووكالات: بينما يجري الكلام الأمريكي عن نزع السلاح في لبنان وإراحة العدو الإسرائيلي، وفي خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، أصيب عدد من الأشخاص، أمس الأربعاء، جراء استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بلدة كفرا بقضاء بنت جبيل في محافظة النبطية جنوبي لبنان. وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، بـ«سقوط إصابات بمسيرة معادية استهدفت سيارة رباعية الدفاع من نوع رانج روفر، في بلدة كفرا»، دون مزيد من التفاصيل. ولاحقاً تحدثت أنباء عن سقوط شهيد بين الجرحى بالغارة المعادية.
تزامناً، وبعد كلام للسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام المثير للجدل قبل فترة من بيروت حول اللجوء إلى الخطة «ب» في حال عدم نزع سلاح «حزب الله» من قبل الدولة اللبنانية، عاد غراهام قبل يومين ليقول إنه «لا يمكن لشرق أوسط أن يكون طبيعياً بوجود حزب الله، لأن هذا الحزب هو جماعة إرهابية متعصبة دينياً، يدها ملطخة بدماء الأمريكيين، وهي ملتزمة بتدمير إسرائيل». وخاطب السيناتور الامريكي دول المنطقة قائلاً: «إذا كنتم تريدون التطبيع، فانزعوا سلاح حزب الله بطريقة أو بأخرى».
والإثنين، استشهد شخصان بغارتين إسرائيليتين، الأولى استهدفت شاحنة على طريق بلدة النبطية – الفوقا» جنوبي البلاد، والثانية شنتها مسيرة على منطقة سحمر في البقاع الغربي (شرق).
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول في سبتمبر/ أيلول 2024 إلى حرب شاملة أسفرت عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة نحو 17 ألفا آخرين. ورغم التوصل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، فإن الأخيرة خرقته أكثر من 4 آلاف و500 مرة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 280 شخصاً وإصابة 625 آخرين، وفق بيانات رسمية.
وفي تحدٍ للاتفاق، لا تزال إسرائيل تحتل 5 تلال لبنانية سيطرت عليها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود. واستهدفت المدفعية الإسرائيلية، مساء الثلاثاء، المنطقة الواقعة بين بلدتي شيحين ومروحين في جنوبي لبنان.
وأعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية أن المدفعية الإسرائيلية استهدفت، مساء المنطقة الواقعة بين شيحين ومروحين. وألقت طائرة مسيرة إسرائيلية بعد لظهر قنبلة صوتية على عمال سوريين عند أطراف بلدة الخيام في جنوب لبنان، حسب «الوكالة الوطنية».
رؤساء الحكومات السابقون يؤكدون دعم قرار حصر السلاح في يد الدولة
يذكر أن إسرائيل لم تلتزم ببنود اتفاق وقف الأعمال العدائية بينها وبين لبنان الذي بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولا تزال قواتها تقوم بعمليات تجريف وتشن بشكل شبه يومي غارات في جنوب لبنان. كما لا تزال قواتها متواجدة في خمس نقاط في جنوبي لبنان.
غراهام وسلاح الحزب؟
وقد توقف البعض في لبنان عند هذا الكلام وما إذا كان يندرج في إطار حملة تهويل على الدولة اللبنانية لحسم أمرها من موضوع سلاح «حزب الله»، أم أنه يعبّر حقيقة عن مؤشرات لتصعيد إسرائيلي محتمل عبر تكثيف الغارات العسكرية؟
وربط البعض عودة هذه التهديدات بالمراوحة التي سُجلت بعد جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول/سبتمبر حول ملف سلاح «الحزب» وبكيفية تعاطي الجيش والقوى الأمنية مع إضاءة صخرة الروشة بصورة السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
الموسوي: حملة تهويل
وعلّق عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب إبراهيم الموسوي على هذا الكلام، مدرجاً إياه في إطار «حملة تهويل شديدة لدفعنا للاستسلام تحت عنوان نزع السلاح»، وقال عبر منصة «إكس»: «يزعمون أن غزة ستنتهي، وأن الحرب واقعة على لبنان وإيران. بكل بساطة وهدوء وإيمان ثابت، نقول ما قاله الله سبحانه: «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم ايماناً، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل».
ورأى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين في احتفال حزبي في صور «أن أمريكا تريد اليوم أن تتحكم بالعالم فتضع الناس بين خيارين إما الحرب أو الاستسلام والخضوع والسيطرة والهيمنة ونهب الثروات، فتستخدم منطق القوة الذي لا تعرف غيره على الإطلاق».
واشار إلى «أن كل الادعاءات وكل الشعارات وكل ما حملوه إلينا كان كذبًا وافتراءً ودجلاً وتضليلاً، لأن شعاراتهم سقطت، لأن كل ادعاءاتهم سقطت، ولأن كل القانون الدولي الذي تغنّوا به، والمنظمات الدولية التي أرسوها لتكون في خدمة مصالحهم وفي خدمة ما يريدونه منا في هذه المنطقة».
وقال عز الدين «اليوم نجد أنفسنا أمام شريعة الغاب بكل ما للكلمة من معنى»، سائلاً «ما قيمة المنظمات الدولية ومجلس الأمن والقوانين الدولية والمؤسسات الإنسانية ومنظمات العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أمام ما نشاهده في فلسطين وفي غزة وفي أي مكان؟ نرى أصابع الأمريكي والإسرائيلي خلف ما يجري، ولذلك نحن لا نستطيع أن نُسَلِّم لهؤلاء أو أن نرفع رايتنا لنستسلم لهم».
واعتبر «أن كل الضغوط التي تُمارَس اليوم في لبنان هي لأجل هدف واحد وقضية واحدة لا ثاني لها، وهي كيف ينزعون القدرة من المقاومة ومن لبنان ومن هذا الشعب ومن هذه البيئة، وإفقادهم القدرة والقوة، الأمر الذي سيسهّل للعدو اجتياح لبنان كما اجتاح سوريا، بعد أن دمّر كل قدراتها العسكرية الاستراتيجية من صواريخ وطائرات ومراكز أبحاث وقدرات متنوعة».
عز الدين: أين العقلانية؟
وبعدما لفت إلى «أن نزع سلاحنا هو نزع للروح وأن الروح لا ينزعها إلا من خلقها»، أكد «أننا لن نرفع راية الاستسلام، ولن نسمح لهذا البلد الذي ارتوى بدمائنا ودماء شهدائنا أن يكون محمية أمريكية أو مستوطنة إسرائيلية».
وأضاف «أما الذين يزايدون على حزب الله بين الحين والآخر بموضوع الدولة ومقولة إنها دولة ضمن دولة، ويريدون تفكيك الدولة اللبنانية ومنع بنائها، ففي الحقيقة إذا أردنا أن نقرأ في تاريخ الشيعة في هذا البلد سنجدهم هم الذين كانوا الأحرص على بناء الدولة انطلاقًا من إيمانهم واعتقادهم بضرورة وجود الدولة».
وتطرّق إلى ما حصل في منطقة الروشة في بيروت، فشدد على «أن بيروت ليست للسنة أو للموارنة فحسب، وليست لأي طائفة أو مذهب، بل هي متنوعة كتنوع كل مدن لبنان، مثل صور وصيدا فيها من مختلف المذاهب والطوائف والانتماءات، والذين ذهبوا لإحياء ذكرى أسمى الدماء التي أريقت من أجل الوطن في الروشة فعلوا ذلك ضمن القانون وضمن الضوابط المطلوبة، ولكن كان يحتاج هذا إلى التعاطي بسعة صدر من قبل الحكومة، لأن آلة الرياسة تتطلب سعة الصدر».
وختم غامزاً من قناة رئيس الحكومة نواف سلام «إذا كان الحاكم غير قادر على استيعاب الآخرين والعدل بين جميع مكونات البلد، فلن يستطيع أن يحكم، لذلك كان من المفترض أن يمتلك مزيداً من الحكمة والعقلانية وعدم التسرع في مثل هذه الظروف التي يمر بها البلد، لأن سرعة وردة الفعل تشكّل مخاطر نحن في غنى عنها، بخاصة وأن البلد يعيش تأزّمًا نتيجة الاعتداءات الصهيونية والعدوان الإسرائيلي الدائم والضغوط التي يواجهها. وكان ينبغي ألا تتلهى الحكومة بصغائر الأمور».
رؤساء الحكومات: حصرية السلاح
تزامناً، لفتت عودة اجتماعات رؤساء الحكومات السابقين في وقت يتعرّض رئيس الحكومة الحالية نواف سلام لحملة سياسية. وعلى الرغم من أن الرؤساء نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام الذين تداعوا إلى اجتماع لم يتطرقوا مباشرة إلى موضوع سلام، إلا أن مجرد اجتماعهم في هذا التوقيت يحمل دلالات بحد ذاته. وقد أشاد رؤساء الحكومات السابقون وابدوا «دعمهم وتمسكهم بقرارَي مجلس الوزراء اللذين صدرا في الخامس من آب/أغسطس والخامس من أيلول/سبتمبر الماضي، القاضيين بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وضرورة تطبيقهما، والاصرار على متابعة تحقيق هذا الهدف من دون أي تراجع أو تردد، وذلك عملاً بأحكام الدستور وباتفاق الطائف»، وشددوا على «ان المصلحة الوطنية العليا تقتضي تجاوب الجميع مع حصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية. فهذا القرار يجب ان ينفذ عاجلاً لتكون الدولة اللبنانية وحدها مسؤولة عن أمن البلاد والمواطنين». وأكدوا «ان الهدف الأسمى والأهم في هذه الظروف هو حفظ وحدة البلاد ووحدة الحكم في معالجة أمور الدولة، لاسيما في تنفيذ الاجراءات التي تحقق التمسك باحترام وتطبيق الدستور واتفاق الطائف وحكم القانون»، راجين «أن يتبلور ذلك من خلال تعاون السلطات الدستورية وتضامنها بما يحقق هذه الأهداف، وبما يرسخ الثقة في وحدة الوطن وحوكمة إدارة شؤون الدولة».
غارة إسرائيلية تسقط شهيداً وجرحى جنوب لبنان… النائب عز الدين: نحن أمام شريعة الغاب
واستنكر الرؤساء «استمرار العدو الإسرائيلي في الاعتداء على جنوب لبنان وأغلب مناطقه، ضارباً بعرض الحائط التفاهمات التي تم التوصل اليها بخصوص تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 لجهة وقف الأعمال العدائية، وحيث يتوجّب إلزام إسرائيل وقف عدوانها على لبنان، وإنهاء احتلالها كل الأراضي اللبنانية بما في ذلك الانسحاب من النقاط والتلال الخمس التي احتلتها في الجنوب اللبناني».
كما استنكروا «تمادي حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية مع استمرار محاولاتها لتصفية القضية الفلسطينية»، واشادوا بما «قام به العديد من الدول الصديقة للاعتراف بدولة فلسطين كمؤشر جيد على أن المجتمع الدولي لن يرضخ لسياسة الأمر الواقع التي تحاول أن تفرضها حكومة نتنياهو». ورأوا «أن خطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب نصّت على إنهاء «فوري» للحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وعلى انسحاب للجيش الإسرائيلي من غزة على مراحل. كذلك، تلحظ الخطة الإفراج عن جميع الرهائن، والافراج عن عدد كبير من السجناء الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، اعتبروا أنه بانتظار جلاء الموقف الفلسطيني من هذه الخطة، فإن إنهاء الحرب على غزة يدعم موقف الدولة اللبنانية التي تتطلع إلى تحقيق نهوض لبنان وإنقاذه من كثير من المخاطر التي تحيق به».
وختم رؤساء الحكومات متطلعين «لأن يصار إلى السير قدماً بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، والسعي المثابر للبدء بإعادة إعمار ما تهدّم بنتيجة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بما يُمكِن الدولة من تحقيق الحصول على المزيد من الدعم العربي والدولي لتعزيز قدرات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وبما يمكن لبنان من السير قدماً في عملية إعادة الإعمار، وفي تحقيق نهوض الاقتصاد اللبناني، والخروج من أزْماته والانصراف إلى بناء دولته السيدة والحرة والمستقلة».
وقد زار عدد من النواب السنة رئيس الحكومة لتأكيد دعمهم له، بينهم فؤاد مخزومي، وليد البعريني، نبيل بدر، عماد الحوت وبلال الحشيمي الذين أعلنوا الوقوف إلى جانبه في القرارات التي تتخذها الحكومة، مشددين على «وجوب أ، يكون القانون فوق الجميع».
بكركي: مخالفة لأوامر الدولة
ومن بكركي، تابع المطارنة الموارنة خلال اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، »تحرُّك الحكم والحكومة على الصعيدَين العربي والدولي، لاسيما زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى نيويورك، وكلمته أمام الجمعية العمومية للأُمم المتحدة، ولقاءاته رؤساءَ دولٍ، واجتماعه مع لبنانيي الانتشار»، فوجدوا «أن لهذا التحرُّك أهمية قصوى في مجال استعادة لبنان حضوره العالمي، بما يُساعِد إلى حدّ بعيد في انطلاقته النهضوية المُرتجاة». وفي اشارة ضمنية إلى حادثة الروشة أسف المطارنة «لما جرى في الأيام الأخيرة من مخالفةٍ لأوامر الدولة وقوانينها، آملين أن تكون المناسبات السياسية سعيًا لجمع الكلمة وترميم الوحدة الوطنية»، وتمنوا «على الفرقاء العودة إلى تحكيم العقل وتغليب الحس الوطني والمصلحة الوطنية العليا والتعالي على الجراح والاحترام المتبادل، لأن الوطن في حاجة إلى الإنقاذ وإلى مساهمة الجميع في إعادة بنائه».
كما أمل المطارنة «من الفرقاء السياسيين اعتماد الحوار والسبل الحكيمة الآيلة إلى السير الطبيعي والديمقراطي للعمل التشريعي في البرلمان، ولتهيئة الانتخابات النيابية في موعدها، ولمعالجة الشؤون الوطنية المصيرية». ورأوا أخيراً أنه «أمام الفرصة السنوية الأخيرة المتاحة لعمل قوات الأُمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، وجوب تحسُّس المعنيين المحليين والإقليميين والدوليين خطورة ذلك، ومُبادَرتهم إلى تسريع تسلُّم الشرعية اللبنانية زمام الأمور في المنطقة الحدودية عملاً بالقرار1701 وتجنيبًا للبنان الانعكاسات السلبية لأيّ تباطؤ أو إهمال على هذا الصعيد».