الأمم المتحدة- “القدس العربي”: عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء اجتماعًا عامًا رفيع المستوى لمعالجة الأزمة التي تواجه مسلمي الروهينغا والأقليات الأخرى في ميانمار. ويهدف الاجتماع إلى حشد الاهتمام الدولي بهذه القضية، ومراجعة الوضع الميداني، ومناقشة خطة عملية ومحددة زمنيًا لحلّ مستدام، بما في ذلك الجهود المبذولة لضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للنازحين.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في المؤتمر، الذي عُقد ضمن فعاليات الدورة الثمانين للجمعية العامة، إلى البحث عن حلّ مستدام يحفظ كرامة الروهينغا وسائر الأقليات في ميانمار.
وقد حُرمت أقلية الروهينغا طويلًا من الجنسية والحقوق الأساسية في ميانمار. وفرّ أكثر من 750 ألفًا منهم من موجات العنف التي بلغت ذروتها عام 2017. وتدفّق أفراد هذه الأقلية إلى بنغلاديش ليصبحوا لاجئين هناك، حيث وجدوا مأوى طارئًا فيما يُمكن اعتباره الآن أكبر مستوطنة للاجئين في العالم في منطقة كوكس بازار.
وذكّر الأمين العام، على لسان رئيس ديوانه، إيرل كورتيناي راتراي، بأن الروهينغا استُهدفوا بخطاب الكراهية، وأُرهبوا بالقوة المميتة والتدمير. وأشار غوتيريش إلى حيث التقى بلاجئي الروهينغا في معسكر كوكس بازار، والذين أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم، لكن الظروف في ولاية راخين في ميانمار تعيق إمكانية عودتهم الآمنة والطوعية والكريمة والمستدامة.
ووجّه غوتيريش ثلاثة مطالب للحاضرين، بما فيها ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من قبل الأطراف، وأن تكون حماية المدنيين أولوية عاجلة. كما دعا إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى داخل ميانمار، فضلًا عن تنشيط الاستثمار الإنساني والتنموي لتلبية الاحتياجات الأساسية ومساعدة اللاجئين على الانتقال إلى الاعتماد على الذات، وتخفيف الضغط على المجتمعات المضيفة.
رئيسة الجمعية العامة: الروهينغا بحاجة إلى دعم بالأفعال لا بالكلام
بدأت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، كلمتها في المؤتمر بالحديث عما عانى ويعانيه ملايين الروهينغا منذ ثماني سنوات. وأشارت إلى الوضع في مخيم كوكس بازار، واصفة إياه بأنه مزرٍ للغاية. وحذّرت من تأثير التخفيضات الجذرية في التمويل، مذكرة بأن نحو 1.1 مليون ناجٍ وناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي تركوا دون دعم أساسي.
وأضافت بيربوك: “يجب أن يشعرنا ذلك بالخجل. هذا اليأس يمكن تفاديه تمامًا”. وشدّدت بيربوك على أن الروهينغا يحتاجون إلى دعم المجتمع الدولي، ليس بالكلام فحسب، وإنما بالفعل. وقالت إن الروهينغا صمدوا خلال ثماني سنوات من المشقة والنزوح وعدم اليقين، داعية إلى ردّ فعل مماثل لهذا الصمود الاستثنائي.
مفوض شؤون اللاجئين: الدول المضيفة بحاجة إلى دعم
وأعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، عن امتنانه مجددًا لدول المنطقة – وعلى رأسها بنغلاديش – التي استضافت لسنوات لاجئين من ميانمار، وخاصة لاجئي الروهينغا.
ولكنه حذّر من أن الدول المضيفة لا تستطيع تحمّل هذه المسؤولية بمفردها، مشيرًا إلى أن الاستجابة الإنسانية في بنغلاديش لا تزال تواجه نقصًا مزمنًا في التمويل، بما في ذلك في مجالات رئيسية مثل الغذاء ووقود الطهي. وقال: “علينا أن نبذل المزيد، من فضلكم. أناشدكم جميعًا. التمويل سينقذ الأرواح، لا شك في ذلك”.
ودعا غراندي إلى السعي بمزيد من الوحدة والتماسك والعزم لتحقيق بعض الأهداف الرئيسية، مثل إعادة ترسيخ الوجود الإنساني في شمال راخين، وتوفير إمكانية الوصول الإنساني في مناطق العودة المستقبلية، واستئناف تدابير بناء الثقة التي بدأتها المفوضية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ سنوات، والإصرار على أن تعالج الجهات التي تسيطر على المخيمات – التي لا تزال تستضيف النازحين داخليًا – محنتهم، وأن تسعى جدّيًا إلى حلول عادلة ودائمة.
فصل قاتم آخر
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قال إن هذا المؤتمر يجب أن يرسل إشارة واضحة وهي أن “هذا الظلم يتصدر جدول الأعمال السياسي العالمي. ويجب أن يكون نقطة تحول للروهينغا، ليتخذ المجتمع الدولي إجراءات ويضع حلًا دائمًا لمحنتهم”.
وأفاد بأنه منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تصاعد القتال في راخين، حيث يُستهدف الروهينغا من جميع الجهات، والتي أصبحت الحياة فيها الأسوأ على الإطلاق اليوم بالنسبة للروهينغا والأقليات الأخرى، “ما يشكل فصلًا قاتمًا آخر في تاريخ طويل من الاضطهاد”.
ونبّه كذلك إلى أن الوضع الإنساني يستمر في التدهور في ولاية راخين وفي جميع أنحاء البلاد، حيث أعاقت الإغلاقات العسكرية الوصول إلى المساعدات الإنسانية بشدة. وأضاف أن ما يقرب من ثلث سكان البلاد، أي حوالي 15.2 مليون نسمة، يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي هذا العام.
وقال تورك إن هذه الظروف أدت إلى نزوح أكثر من 3.5 مليون شخص داخل البلاد، ودفعت 150 ألفًا إضافيًا من الروهينغا إلى بنغلاديش منذ يناير/ كانون الثاني 2024.
ودعا المسؤول الأممي إلى إنهاء العنف في ميانمار، وتقديم دعم مالي مستدام لجميع المجتمعات هناك وللروهينغا في بنغلاديش، وتوفير الدول الحماية للفارين من النزاع، واحترام ميانمار التدابير المؤقتة التي فرضتها محكمة العدل الدولية لحماية أرواح الروهينغا، والاستجابة لدعواتهم من أجل السلام والحرية.
دعوات من المجتمع المدني
هذه الدعوات حملتها مجموعة من ممثلي المجتمع المدني الذين تحدثوا في المؤتمر، ومنهم واي واي نو، المؤسسة والمديرة التنفيذية لشبكة السلام النسائية، التي دعت المجتمع الدولي إلى التدخل فوريًا “لممارسة مسؤوليته في حماية من تبقى من الروهينغا”.
وشدّدت على ضرورة فرض عقوبات محددة على مرتكبي الفظائع الجماعية للحدّ من قدرتهم على ترويع المزيد من المدنيين، وإرسال هيئة مستقلة إلى ولاية راخين لمراقبة الوضع وجمع الأدلة على الفظائع. وأضافت: “بدون اتخاذ إجراءات، سيستمر نزوح الروهينغا حتى لا يبقى منهم أحد في ميانمار”.
وقالت نو موجهة كلامها للدول الأعضاء: “لديكم الدليل والقدرة على الفعل. ما ينقصنا هو الإرادة السياسية”.
أما رفيق حسن، مؤسس شبكة شباب أراكان للسلام، فقال إن أمنية شعب الروهينغا الأعمق هي العيش بسلام وأمان مع مجتمعات متنوعة في وطنهم الأم، مضيفًا: “لكن العقد الماضي أثبت أن هذا غير ممكن لنا بدون دعم دولي”. وقال حسن: “إن الإبادة الجماعية الممنهجة ضد الروهينغا لم تؤثر على حياتي فقط، بل أيضًا على التزامي الراسخ بالعدالة وعزمي على مناصرة شعبي والمجتمعات المهمشة الأخرى”.
ودعا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى إنشاء منطقة آمنة تحت إشراف الأمم المتحدة في شمال ولاية راخين، بدعم من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والجهات المعنية الإقليمية لضمان حماية جميع المدنيين، وتسهيل إنشاء ممرات إنسانية حدودية من حكومة بنغلاديش لضمان استمرار إيصال المساعدات المنقذة للحياة.
“الوقت ليس في صالحنا”
جولي بيشوب، المبعوثة الخاصة للأمين العام إلى ميانمار، تحدثت عن الجهود التي تبذلها هناك حيث تستمع إلى وجهات النظر المتضاربة، مع الالتزام بالحياد والتمسك بقيم ومبادئ الأمم المتحدة، من أجل المساعدة في دعم وتعزيز حلّ سياسي مستدام وشامل وسلمي بقيادة ميانمار.
وحذّرت من أن “عقلية المحصلة الصفرية لا تزال سائدة في هذه الدولة شديدة الاستقطاب”.
وأشارت إلى اعتزام المجلس الوطني للأمن القومي في ميانمار، الذي حلّ محلّ مجلس إدارة الدولة بعد انتهاء حالة الطوارئ في 31 يوليو/ تموز، تنظيم انتخابات. وقالت في هذا الشأن: “هناك خطر كبير من أن تؤدي الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول، في ظل الظروف الحالية، إلى زيادة المقاومة والاحتجاج والعنف وتقويض الحالة الهشة التي تعيشها البلاد بشكل أكبر”.
وحذّرت من أن المدنيين وقعوا في “براثن صراع متزايد التعقيد”، يشمل جيش ميانمار، وجيش أراكان، وجماعات مسلحة أخرى، حيث تعرّض بعض المدنيين، بمن فيهم الأطفال، للتجنيد القسري وانتهاكات أخرى.
وقالت إنه في إطار تواصلها مع جميع الأطراف، أكدت مسؤوليتهم في السماح بوصول غير مقيد للمساعدات الإنسانية، واستمرت أيضًا في الدعوة لوقف القصف الجوي الذي يستهدف البنية التحتية المدنية.
وقالت بيشوب في ختام كلمتها: “لم نعثر بعد على أرضية مشتركة أو استعداد للتسوية يجمع مختلف الأطراف على طاولة المفاوضات. الوقت ليس في صالحنا”.