برلين- “القدس العربي”: شكّل فوز ألكسندر عمر كالوتي بمنصب عمدة مدينة دورتموند مفاجأة من العيار الثقيل في المشهد السياسي الألماني، إذ أطاح بالهيمنة التاريخية للحزب الاشتراكي الديمقراطي على المدينة، المستمرة منذ عام 1946. وبإعلان النتائج رسميًا يوم الإثنين، نجح كالوتي، مرشّح الاتحاد المسيحي الديمقراطي، في حسم جولة الإعادة ضد العمدة الاشتراكي المنتهية ولايته توماس فيستفال، جامعا 52,9% من الأصوات، فيما وصفه قادة الحزب المسيحي بـ”معجزة دورتموند”.
جذور فلسطينية وهوية مزدوجة
ينحدر كالوتي من خلفية تجمع بين الشرق والغرب؛ فوالده من منطقة بيت لحم الفلسطينية، بينما والدته ألمانية. هذه الهوية المزدوجة انعكست على شخصيته ومساره، إذ لم يقتصر دوره على العمل السياسي فحسب، بل برز أيضا في مجالات الثقافة والمسرح. وبحسب ما قال البرلماني السابق عن حزب الخضر ورئيس الجالية الفلسطينية في دورتموند، البروفيسور هشام حماد، لـ”القدس العربي”، فإن كالوتي اشتهر بنشاطاته الداعمة لدمج العرب والفلسطينيين في المشهد الثقافي الألماني، مسهما في كسر الصورة النمطية وتعزيز التفاعل بين المهاجرين والمجتمع المحلي.
صعود غير متوقع
لم يكن فوز كالوتي متوقعا في البداية؛ ففي الجولة الأولى من الانتخابات حلّ خلف مرشح الحزب الاشتراكي فيستفال بفارق كبير، حيث حصل الأخير على 27,4% من الأصوات، مقابل 17% فقط لكالوتي. لكن تحالفات الجولة الثانية قلبت الموازين. فقد أعلن المرشح المستقل مارتن كريمر، الذي حصد نحو 14,6% في الجولة الأولى، دعمه لكالوتي، ما ساعده على توسيع قاعدته الانتخابية داخل المعسكر المحافظ.
أزمة الاشتراكيين وتقدّم كالوتي
تُعرف دورتموند بأنها “القلب النابض” للاشتراكيين في ولاية شمال الراين-وستفاليا. وبحسب مجلة شبيغل الألمانية، وصف السياسي المخضرم هربرت فينر المدينة يوما بأنها معقل الحزب الاشتراكي. لكن المشهد تغيّر هذا الأسبوع؛ إذ بدا واضحا أن الحزب الاشتراكي لم يعد قادرا على إقناع الناخبين بقدرته على معالجة تحديات المدينة: من تفاقم مشكلة المخدرات في وسطها، وارتفاع معدلات الجريمة حول محطة القطار المركزية، وصولا إلى أزمة الثقة في أداء البلدية.
كان توماس فيستفال رئيسا سابقا للشباب الاشتراكيين (Jusos) منذ عهد المستشار هيلموت كول، وتولى عام 2020 رئاسة البلدية بعد سنوات طويلة كمدير تنفيذي لترويج الاقتصاد في المدينة. غير أن الكثيرين في دورتموند رأوا أنه لم يندمج حقا في ثقافة المدينة، ويوصف بأنه بعيد عن الناس. ففي استطلاع أجرته مؤسسة فورسا في آب/ أغسطس الماضي، قال ربع الناخبين فقط إنهم يعرفون فيستفال أصلًا. وبعد إعلان النتائج، تلقى فيستفال هزيمته بصدمة واضحة، قائلاً لقناة WDR إن “الكثيرين في الدوائر الانتخابية التقليدية الاشتراكية لم يصوتوا أصلاً”.
مرشح غير تقليدي
رغم فوزه، يبقى كالوتي شخصية غير نمطية داخل الاتحاد المسيحي الديمقراطي. فهو لم ينشأ سياسيا في هذا الحزب، بل قضى سنوات طويلة في صفوف الحزب الديمقراطي الحر (FDP)، وترشح باسمه للبرلمان عام 2005. كما عمل في وزارة الاقتصاد البافارية، قبل أن ينضم عام 2017 إلى حزب ميركل التاريخي. هذا التنوع في خلفيته السياسية والشخصية كان أحد أسباب جاذبيته لدى الناخبين، إذ لا يُنظر إليه كسياسي تقليدي، بل كوجه جديد قادر على مخاطبة شرائح مختلفة من المجتمع.
ويرى مراقبون أن ألكسندر عمر كالوتي يمثّل شخصية غير تقليدية في السياسة المحلية الألمانية؛ فالعمدة الجديد، المولود في بيروت، عمل لسنوات طويلة في المجال المسرحي وإدارة الإعلام في المؤسسات الثقافية، بينها قسم الصحافة في مسرح دورتموند، قبل دخوله المعترك الانتخابي. وتشير المصادر الألمانية الرسمية والسير الذاتية إلى ولادته في بيروت ومساره المهني المرتبط بالمسرح والإعلام.