زواج إيناس الدغيدي فرحة الوسط الفني بانتصار الحب على التقاليد


من الأحداث الفنية التي أثارت اهتمام الجمهور المصري والعربي واشتغلت عليها وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أيام مُتتالية، زواج المخرجة إيناس الدغيدي في مرحلة غير متوقعة من عُمرها. ففي أعقاب الإعلان عن زواجها ودعوتها لأصدقائها ومُحبيها بمشاركتها الفرحة في ليلة رأت أنها الأسعد في حياتها، بدأت الآراء تتوالى على جميع وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد أبهرته شجاعة المرأة التي تجاوزت السبعين عاماً، وبين آخر استنكر وأندهش.
ومع أن ما فعلته المخرجة المُثيرة دائماً للجدل إيناس الدغيدي ليس جديداً على الوسط الفني، ولا يُعد خرقاً للقانون الاجتماعي، لم تهدأ عاصفة الآراء النقدية ولم يتوقف تيار الغمز واللمز، حتى أنها كتبت على صفحتها الخاصة بالفيسبوك تؤكد اتفاقها مع زوجها على إلغاء الفرح الذي كان مُقرراً إقامته ابتهاجاً بالمُناسبة.
وفي سياق إنساني دعت المخرجة المُقربين من أصدقائها والمُحبين لها من غير المُتنمرين على حد تعبيرها، مشاركتها الفرحة بشكل ضمني بعيداً عن المراسم الشكلية الاعتيادية، تجنباً لمزيد من الانتقادات وأساليب الاستفزاز.
الشيء المؤكد في إقبال الدغيدي على الزواج واتخاذها القرار الجريء باستكمال حياتها في ظل حياة أسرية طبيعية، أنها شخصية صريحة وواضحة ومُتسقة مع مبادئها وأفكارها التي طالما عبرت عنها في أفلامها مهما اختلفت أو اتفقت مع ثقافة المُجتمع الشرقي وتقاليده.
لقد قدمت إيناس الدغيدي عدداً من الأفلام، وفي كل فيلم أثارت قضية وتحملت ردود الأفعال بكل شجاعة ومسؤولية، وهذه نقطة جوهرية في شخصيتها المُتمردة التي تأبى دائماً وأبداً السير في الركب بخضوع وامتثال على عكس طبيعتها المُتسمة بالعناد والاستقلال إلى حد يُثير الاستفزاز أحياناً ويؤلب عليها جمهور المُحافظين من كافة الفئات.
من بين ما قدمت المُخرجة الكبيرة على سبيل المثال فيلم «لحم رخيص» الذي عالجت فيه قضية زواج القاصرات من رجال يكبرهن بعشرات السنين، مُقابل حصول ذويهم على الأموال، كأن الفتاة مُجرد سلعة تُباع على غير إرادتها لمن يدفع أكثر برغم انتهاء عصر النخاسة وتأكيد القانون الشرعي والوضعي على حفظ كرامتها وصون عفتها وحريتها.
لم يلتفت البعض لمحتوى الرسالة التي يبعث بها الفيلم وركزوا فقط في مشاهد الإغراء التي تم مؤاخذة المُخرجة والبطلة عليها، علماً بأن المشاهد المعنية أجيزت رقابياً للضرورة الدرامية وليس للمُتاجرة، غير أن العنوان الذي أثار حفيظة الكثيرين كان دالاً بقوة على مضمون الفكرة الإنسانية التي تصدت للظاهرة الاجتماعية المعيبة بعد أن تفشت في إحدى المناطق آنذاك وتمكنت السينما بالفعل من تقويضها تدريجياً والقضاء عليها تماماً.
هناك فيلم آخر لإيناس الدغيدي كان له صدىً قوياً في الأوساط الثقافية والإبداعية، بعد أن تم عرضه جماهيرياً وشارك في عدد من المهرجانات المحلية والدولية، هذا الفيلم بعنوان «الباحثات عن الحرية» بطولة داليا البحيري ونيكول بردويل وسناء موزيان وأحمد عز وهشام سليم.
ولم يكن «الباحثات عن الحرية» فقط هو الفيلم الوحيد الذي أثار الجدل، بل أن غالبية ما طرحته المخرجة والكاتبة والمُنتجة من أفكار ووجهات نظر في أفلامها، كان محل احتجاج واعتراض من الجمهور لخروجها عن المألوف واقترابها من واقع المرأة الشخصي وظروفها الاجتماعية بلا تحفظ أو تضييق لمساحة الحرية فيما يتصل بطبيعة الأحداث وكيفية مُعالجتها، بعيداً عن المحظورات التقليدية.
وبرغم الانتقادات التي وجهت لأفلام إيناس الدغيدي إلا أنها حظيت بنسب مشاهدة عالية وحققت إيرادات بالملايين في دور العرض السينمائية بمعايير شباك التذاكر، وهذا يعني أن ثمة مفاهيم مما طُرحت صادفت قبولاً لدى الكثيرين على خلفية الاقتناع بخطورة بعض القضايا التي قُدمت على الشاشة وتبلورت معانيها فنبهت إلى المقصود من الجرأة في سياق الطرح الموضوعي للأحداث محل الخلاف.
ومن بين النماذج الدالة على وجود أبعاد مهمة في أفلام إيناس الدغيدي فيلم «عفواً أيها القانون» بطولة نجلاء فتحي ومحمود عبد العزيز والذي ناقش قضية الزواج الثاني لمجرد الإنجاب فقط، وعرج على حقوق الزوجة الأم أو المؤقتة وأشار إلى أهمية وجود مسوغ قانوني قوي يحمي حقوقها وحقوق وليدها في حال استغلالها للإنجاب فحسب.
كذلك يُعتبر فيلم «امرأة واحدة لا تكفي» بطولة أحمد زكي ويسرا وفيفي عبده أحد الأفلام الجريئة، كونه لفت النظر إلى أهمية الصحافة النزيهة في كشف المستور وفضح عمليات التدليس والمُتاجرة بالشعارات، وما يتم من اتفاقات مشبوهة خلف الجُدران المُغلقة في عالم البيزنس ودنيا رجال الأعمال، فضلاً عن انحياز الفيلم للطبقة الكادحة البسيطة التي رمزت إليها شخصية هنادي، الدور الذي لعبته فيفي عبده.
وفيما اضطلعت المخرجة إيناس الدغيدي بالإشارة إليه كمرض اجتماعي لابد من مواجهته، جاء فيلم «كلام الليل» عن النشاطات المُنافية للآداب داخل الشُقق المفروشة واجتهادات البوليس في مكافحة مثل هذه الجرائم لوقاية المُجتمع والحفاظ على القيم العامة والأخلاق.
ولأن الغلاف الخارجي للفيلم كان براقاً ومُغرياً، جاءت الآراء ناقدة أيضاً للأحداث والفكرة بُرمتها، وهذا ما لم تحسب له المخرجة حساباً، فهي كما ذكرنا تهوى السباحة ضد التيار وتبحث دائماً عن المُختلف والمُثير بلا اكتراث أو خوف وهذا ما حدث فعلياً في مسألة زواجها الأخير وما ترتب عليه من ردود أفعال مُتباينة.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *