الناصرة ـ «القدس العربي»: تلعب مناهج التعليم في كل مكان وزمان دورا مهما جدا في هندسة عقول التلاميذ، وبواسطتهم صياغة المجتمع، هويته وتوجهاته.
لكن في الحالة الإسرائيلية تعمل وزارة التعليم التي تعرف بـ»وزارة المعارف» على بناء مجتمع سبارطة من خلال ما يتعدى التربية إلى غسيل الدماغ وزرع تقديس القوة، تمجيد الذات وشيطنة الآخر ونزع صفته الإنسانية.
ويشير الباحث الفلسطيني فادي عاصلة الذي راجع كتبا تعليمية عبرية إلى استثنائية أخرى في مضمار متصل بقوله إن إسرائيل حالة استثنائية على جميع الأصعدة. ففي الظروف الطبيعية المجتمع هو الذي يفرز المؤسسات وينتجها، بينما في الحالة الإسرائيلية فالحركة الصهيونية هي التي أنتجت المؤسسات وأنتجت المجتمع والدولة معا. من هنا يستنتج عاصلة، كما يرد دائما في محاضراته، أن تجليات الإنتاج تظهر في البنى الاجتماعية والمؤسسات وفي شتى أنماط الحضور الهوياتي، بحيث يصير التعليم في إسرائيل تعليما أيديولوجيا محضا موجها من المؤسسة الحاكمة وراعيا لإنتاج العقول وتصنيعها كما تصنع المنتجات الاستهلاكية الأخرى.
ويؤكد بعض الباحثين الإسرائيليين استنتاج عاصلة، وغيره من الباحثين على أن مناهج التعليم العبرية مستنقع تولد فيه أفكار التعصب الديني والقومي من خلال مضامين وعمليات تلقين تربي على الاستعلائية والعنصرية والكراهية.
ومن أبرز هؤلاء الباحثة البروفيسور نورين بيلد إلحنان التي تعالج هذه القضية في كتب ومقالات منذ عقود. وينطوي كتابها الأهم «فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل، الأيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم» على نوع من شهادة «وشهد شاهد من أهلها»، بل إن محتواه عبارة عن لائحة اتهام، وهو يسلط الضوء على العلاقة السببية المباشرة بين دروس الأدب والتاريخ والجغرافيا والمدنيات القائمة منذ خمسينيات القرن الماضي وبين الإبادة في غزة اليوم، وهذا ما تؤكده بالتفصيل والأمثلة في مقابلة مع «القدس العربي».
في هذه المقابلة تشدد على أبرز خلاصات كتابها من ناحية وضعية الفلسطيني في الكتب التعليمية العبرية بقولها إن الخطاب المتعلق بالفلسطينيين في الكتب المدرسية الإسرائيلية يتجاوب مع جميع معايير الخطاب العنصري، وهو استمرار الشرعنة للمجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، وشرعنة الأفعال التي أدتها الدولة بأثر رجعي، أو تعمل بوصفها «محكمة عليا في التاريخ» تختصر مهمتها في نقل الذاكرة الجمعية التي ترى أنها ملائمة لإدراجها ضمن الرواية التاريخية القومية المقبولة، وبذلك يمكن أن تتحول المجازر إلى «جرائم تأسيسية» للأمة.
وطبقا للأستاذة الجامعية حنان بيلد إلحنان يتبنى الإسرائيليون ما تلقنهم إياه مناهج التعليم من سمات الشيطنة والتنميط ونزع الشرعية للفلسطينيين، إلى جانب ما تسميه «عنصرية النخبة» والتي تعني العنصرية التي يعاد إنتاجها في أنماط خطاب النخب كالصحف، والكتب المدرسية، والخطاب الأكاديمي، والخطب السياسية، والجدالات البرلمانية، ويتم تنفيذها بعد ذلك في حقول اجتماعية أخرى، في مقدمها الجيش. وفي الوقت ذاته فإن الخطاب الاجتماعي العام والخطاب التعليمي لا يعبران عن أي «اضطراب وجداني» عندما يتم الحديث أو الكتابة عن التمييز والاضطهاد الواقع على الفلسطينيين، المواطنين وغير المواطنين.
وخرجت بيلد إلحنان للتقاعد بعد سنوات طويلة من العمل محاضرة وباحثة في كلية التربية في الجامعة العبرية في القدس. نالت في العام 2001 «جائزة ساخاروف لحقوق الإنسان وحرية الفكر» التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، ونشرت فيضا من الأعمال التي تتناول نظام التربية والتعليم في إسرائيل، وهي معروفة في أوروبا والولايات المتحدة بمحاضراتها وكتاباتها التي تتطرق إلى المسائل المتصلة بالاحتلال الإسرائيلي والآثار التي يخلفها على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. وهي عضو في منظمة «آباء فلسطينيون وإسرائيليون من أجل السلام والمصالحة»، كما أنها أحد الأعضاء المؤسسين في «محكمة راسل – فلسطين» التي انطلقت أعمالها في العام 2009.
وتمارس ما تؤمن به وتدعو له، فعندما قتلت ابنتها «سمادار» ابنة الـ14 عاما، جراء عملية استشهادية في العام 1997، رفضت أن يحضر جنازتها الضباط والمسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، وواصلت نضالها من أجل السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.
في هذه المقابلة تتركز بروفيسور حنان بيلد إلحنان على الموجود والمفقود في نصوص التعليم العبرية ومفاعيلها على الإسرائيليين كأفراد وكمجموعة، وعلى العلاقة مع الآخر الفلسطيني وعلى الصراع الكبير النازف، مؤكدة مقولة إن الكلمة تقتل حينما تنضح بالحض على الكراهية والعنف.
■ ما هي أهم قيم ومبادئ التعليم في إسرائيل، بين الموجود والمفقود، والتغييرات التي مرّ بها جهاز التعليم منذ انطلاقه من ناحية المضامين؟
□ لا تغيير سوى تغييرات طفيفة؛ فعندما يذكرون النكبة على سبيل المثال في المنهاج فهي ترد كحدث إيجابي، طالما بقيت ذات المضامين. القيم الأساسية هي بمثابة قواسم مشتركة أيديولوجية ينبغي مراعاتها، ووزارة التعليم لا تصادق على أي كتاب جديد ما لم يتمثل بالرواية الصهيونية التاريخية: الحق التاريخي الطبيعي للشعب اليهودي على «أرض إسرائيل»، وعلى ذلك لا مجال للاستئناف.
الفلسطينيون بشكل عام غير موجودين في مناهج التعليم، وعندما يُذكرون، فمن أجل شيطنتهم
ثانياً: اللاسامية، فالعالم كله كاره لليهود، والعرب الآن يحلون مكان النازيين في دور المدمّرين المحتملين للشعب اليهودي. ثالثاً: قيمة «هذا لا يحدث أبداً»، التي تعني إنه إذا لم يسيطر الإسرائيليون على محيطهم العربي وعلى جيرانهم بالقوة فإن الكارثة ستكون خلف عتبة الباب، وهذه المرة ستكون بيد العرب. ومن هنا تنبع القيمة العليا التالية: «الحاجة المطلقة المقدسة بأغلبية يهودية»، وهي غاية تبرر كل الوسائل بما في ذلك المذابح. على سبيل المثال، مذبحة «دير ياسين» ترد في المناهج الإسرائيلية، ففي بعض الكتب يقال عنها: بعد مذبحة «دير ياسين» شهدت البلاد عمليات هروب جماعية لعرب إسرائيل، وهذا حلّ لنا مشكلة ديموغرافية مرعبة، أي أن نتائجها طيبة. هذا المبدأ موجود في كل المراحل التعليمية. وتتكرر الشروحات والمبادئ الأساسية بأن هناك حقاً تاريخياً وطبيعياً على البلاد، وأن الكارثة اليهودية الثانية خلف عتبة الباب، وإذا لم نتحكم بالكل هنا ستحدث على يد العرب لا الألمان.. اللاسامية والأغلبية اليهودية. كل هذه المبادئ ينبغي أن تكون حاضرة في كل كتاب.
الديمقراطية تتلاشى تدريجياً في مناهج التعليم الإسرائيلي لصالح القومجية، كما يتجلى في كتاب مدنيات جديد تلخيصي لطلاب صفوف الثاني عشر، بتشجيع من الوزير الحالي آفي كيش، والطلاب يتعلمون اليوم عن «قانون القومية». لكن ينبغي القول إن القيم الديمقراطية لم تكن يوماً قائمة في مناهج التعليم. تحدثوا عن الديمقراطية فقط، وفي هذا السياق يتحدثون عن «الأنا» و»الآخر»، لكن الآخر لم يكن يوماً هو الفلسطيني. في كتاب المدنيات التلخيصي التحضيري لامتحان التوجيهي في موضوع المدنيات عن الديمقراطية، يتحدثون على سبيل المثال عن «ولد يهودي يلتقي مع ولد فرنسي»، ولدينا «ديمقراطية تدافع عن نفسها»، وهذه تقتضي حواجز واعتقالات إدارية وغيرها، لأن كل هذا يحمينا من العدو. وليس معروفاً بالضبط من وما هو العدو، لكنه حاضر دوماً.
أحد الكتب يروي أن الفلسطينيين أسسوا هويتهم القومية على الحنين إلى «أرض إسرائيل»
التركيز دائماً يجري على كتب التاريخ والمدنيات خاصة في المراحل الثانوية. رويداً رويداً تختفي القيم الديمقراطية، وهناك اهتمام كبير بـ»قانون القومية»، وهذه الكتب عنصرية ومشبعة بالاستعلائية اليهودية الأوروبية البيضاء».
■ ماذا عن قيم العسكرة في المناهج التعليمية؟ ألم تُعدَّل بعد اتفاقات السلام مثلاً؟
□ طبعاً. لا يزال موجوداً، ويتربى الكل من الصف التمهيدي على أن يكونوا جنوداً، ويتجلى ذلك بزيارة الجنود والضباط والجنديات لرياض الأطفال والمدارس، ويتحدثون معهم، يروون لهم قصصاً، ويشيدون بالجيش والقوة… ويشكلون قدوة لهم. كما تتجلى العسكرة أيضاً في بقية مضامين التاريخ، فهي مليئة بمواد عن الكارثة والمحرقة والحروب والجيش والمذابح… وهناك صور كثيرة لهؤلاء أمثال (رئيس الوزراء الأسبق أرئيل) شارون وغيره من بقية المجرمين، مع شروحات عن بطولاتهم ووحداتهم العسكرية وتاريخهم الحافل. وعندما يتم ذكر مذابح بحق الفلسطينيين مثل «دير ياسين»، ترى صوراً لجنود جميلين، نظيفين، أبطال. التربية هي للتجند والجيش»».
■ كيف يبدو الفلسطيني في هذه المناهج؟
□ الفلسطينيون بشكل عام غير موجودين في مناهج وكتب كل المراحل التعليمية الإسرائيلية. وعندما يُذكرون، فهذا يتم بشكل سلبي من أجل شيطنة الفلسطيني ونزع صفته الإنسانية. في بدايات سنوات الألفين كانت هناك محاولة لبعض المؤرخين الجدد للحديث عن الفلسطينيين وعن «منظمة التحرير»، لكن الكتب التعليمية واصلت وبأكثر حدة في شيطنة الفلسطينيين وتحليل استباحته، فتذكر «دير ياسين» كشيء إيجابي، وهكذا النكبة ترد كحدث إيجابي لليهود. الفلسطينيون غير موجودين في المناهج، وهي تخلو كلياً من صورة عربي واحد».
■ ألم تتغير صورة الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو عام 1993؟
□ لا. حتى اليوم تستمر عملية شيطنة الفلسطينيين. بحثت المناهج الإسرائيلية بعد أوسلو، واكتشفت أن شيئاً لم يتغير. كانت هناك بعض المحاولات لتعديل المواد حيث شهدنا محاولة لذكر الفلسطينيين، ولكن السؤال هو: كيف يتم عرضهم؟ على سبيل المثال، يتحدث أحد الكتب عنهم بالقول إن الفلسطينيين أسسوا هويتهم القومية على الحنين إلى «أرض إسرائيل» لا إلى فلسطين».
■ كيف تفسّرين أن أوروبا تهاجم «السلطة الفلسطينية» في تقارير متتالية حتى اليوم على مناهج تعليم فلسطينية سيئة، بينما المشكلة الكبرى موجودة في المناهج الإسرائيلية؟
□ هذا بسبب وجود تنظيم إسرائيلي يدعى «إمباكت»، استأجر غرفة في الجامعة العبرية في القدس كي يبدو مؤسسة أكاديمية، وهو بعيد كل البعد عن الأكاديميا. يقوم هذا التنظيم بتلقين أوروبا «دراسات» يملأونها بكل هذا الهراء والأكاذيب حول نصوص المناهج التعليمية الفلسطينية. ويحظى هذا التنظيم بدعم «الكونغرس الأمريكي» وبدعم «البرلمان الأوروبي». لا أعلم السبب، وربما بسبب وفرة المقدرات المالية التي بحوزته. زرت البرلمان الأوروبي عدة مرات، وأطلعتهم في محاضرات مستفيضة مبنية على دراسات حقيقية، لكن دون جدوى، وأحياناً مع زميلتي الباحثة الفلسطينية سميرة عليان من القدس، وأنقذنا برنامجاً تربوياً فلسطينياً كانت جهات أوروبية تحاول وقف تمويله.
■ كيف تفسّرين الموقف الأوروبي؟
□ أرى أن الأوروبيين يتعاملون مع ذلك أولاً بسبب عقدة الذنب التاريخية التي تعود للمحرقة النازية، وثانياً لأن ذلك لا يهمهم، وربما جيد لهم سماع ذلك كي يبرّروا لليهود أيضاً. يسلمون مع مزاعم «إمباكت» دون أي فحوص أو أمثلة».
■ وكيف تقيّمين مناهج التعليم الفلسطينية؟
□ أقرأ الدراسات عن مناهج التعليم الفلسطينية الموجودة كلها على الإنترنت، وهي نظيفة من تهم اللاسامية وبقية التهم. أصلاً لن يحصلوا على تمويل لو تضمنّت مضامين عنصرية. بالعكس، في الشطر الشرقي من القدس المحتلة يتعلم طلاب فلسطينيون في كتب فيها أوراق بيضاء، بسبب شطب مواد كثيرة منها من قبل وزارة التعليم الإسرائيلية. يتم محو كل ما يرونه مفيداً للهوية الفلسطينية. على سبيل المثال، هناك فصل في أحد كتب اللغة العربية في القدس بعنوان «القومية الفلسطينية»… مع ثلاث صفحات فارغة تماماً. زميلتي الباحثة الفلسطينية المبدعة سميرة عليان كتبت عن ذلك دراسة بعنوان «الأوراق البيضاء». منظومة التعليم الفلسطينية نظيفة من العنصرية، بعكس مناهج التعليم الإسرائيلية. بل أكثر من ذلك، فهي طالما أكدت أن الصهيونية هي العدو، وليست اليهودية، ولذلك فيها مواد عن اليهودية وعن تاريخ اليهود في فلسطين، وعن مبدعين يهود مثل أينشتاين. اليوم، خرائط إسرائيلية بعكس ما هو موجود عندنا. هناك طبعة جديدة من المناهج الفلسطينية تعلموا فيها من الجانب الإسرائيلي، وصاروا يذكرون الاحتلال والمستوطنات، ولكنهم يصفون الواقع، ولا توجد عنصرية ولا سامية، بل مجرد وصف للواقع».
■لا يوجد فرق بين الفلسطينيين بشكل عام وبين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل (نحو 20%)؟
□ هم أيضاً مغيّبون من المناهج التعليمية الإسرائيلية كافة، يتم ذكرهم كـ»عرب إسرائيل»، ولا تُستخدم كلمة فلسطيني أو «فلسطينيون» إلا عند الرغبة في الحديث عن الإرهاب عند الحاجة. في حال ذُكر الفلسطينيون في إسرائيل في كتاب ما فإنهم دائماً «قذرون» و»بدائيون» ومعارضون للتطور وللحداثة، وطالما ترد صور لفلاحين مع محراث بدائي أو كاريكاتير يظهر فيه الفلسطيني كبدوي مع جمل”.
■ ماذا مع الأدوات والتقنيات الأخرى المستخدمة في الكتب التعليمية كالخرائط والرسوم والمصطلحات واللغة الرقمية؟
□ في خرائط إسرائيل مثلاً، تكاد لا تجد خريطة واحدة ترد فيها بلدة عربية، بما في ذلك خريطة خاصة تدعى «العرب في إسرائيل» لا تظهر فيها أي بلدة عربية، فيتكون لديك الانطباع وكأنهم يقيمون في تل أبيب ونهاريا والبلدات اليهودية. مدينة الناصرة المعروفة عالمياً لا تُذكر أبداً. مرة واحدة ذكرت خريطة مدينة أم الفحم ولا أعرف لماذا.
■ وهكذا يتخرج التلميذ اليهودي من المرحلة الثانوية ولا يعرف جيرانه العرب؟
□ يتخرج التلاميذ اليهود ويجهلون العرب والفلسطينيين بالكامل حتى أولئك المواطنين في إسرائيل، ولكنهم «يموتون» خوفاً منهم… لا تعرف العرب، ولكنك تخافهم لأنهم سيجلبون كارثة على اليهود. هذه هي تربية على الخوف من الآخر، «هيتروفوبيا»، وهي أساس العنصرية”.
■ هل وكيف ينسحب ذلك على اليهود الشرقيين؟
□ طبعاً، هذه الكتب ليست عنصرية تجاه العرب فقط، إنما تجاه اليهود الشرقيين والإثيوبيين وكل ما هو غير يهودي غربي. يتم التعامل مع اليهود الشرقيين بصفتهم «مشكلة اجتماعية خطيرة» ينبغي الإسراع في اقتلاع «العروبة» من اليهود الشرقيين كي لا يحولونا جميعاً إلى عرب، ولذا يتلقون تربية جديدة.
■ هذه ظاهرة جديدة أم قديمة؟ وهل تشمل كل المراحل الابتدائية؟
□ لا، هذه ظاهرة متأصلة. هذه هي الروح السائدة في كل المناهج وفي كل المراحل التعليمية. في المرحلة الابتدائية لا يتعلم التلاميذ اليهود في الأدب نتاجات شعرية ونثرية لأدباء يهود شرقيين. في المرحلة الثانوية هناك زاوية لأدباء شرقيين، فيقال فيها على سبيل المثال عن الأديب اليهودي سامي ميخائيل إنه أديب شرقي، ولكن لا يُذكر أن الأديب اليهودي عاموس عوز مثلاً هو أديب من أصل ألماني، وهذا جزء من العنصرية الفظة ضد اليهود الشرقيين الذين يردون في الكتب التعليمية أنهم متخلفون، جاءوا من البلاد العربية مع أمراض، ترعرعوا في دول إسلامية وتأثروا بالحضارة الإسلامية ويجب «إشفاؤهم»، وهم عاجزون عن التفكير وأدمغتهم فيها خلل. يفعلون ذلك بتقنيات خبيثة، فهم يقتبسون على سبيل المثال دافيد بن غوريون الذي قال ذلك، وعندما يقول مؤسس إسرائيل وأول رئيس حكومة فيها، فهذا يعني أن ما يقال صحيح.
■ وكيف يتعامل اليهود الشرقيون مع ذلك؟
□ كانت هناك محاولات، ووضعت خطة للتعليم عن يهود الشرق، وصدرَت مجلة واحدة عن يهود العراق، لكنها ليست ضمن برامج التعليم. مثل هذه المواد شحيحة جداً، ويخصص لها ربما عشر صفحات من 400 صفحة لكافة اليهود الشرقيين من اليمن إلى الهند، وكأنهم جميعاً متطابقون. إذن، المحاولة بائسة، ومن الصعب جداً محاربة هذه العنصرية. حصل مرة أن أقاموا مدرسة «كدما» لليهود الشرقيين، وتساءل المعلمون فيها خلال حديثي معهم: كيف يمكن أن نعلّم موضوع المدنيات وهو ينضح بعنصرية ضدنا؟ عندما عملت مع المعلمين فيها قلت لهم: عليكم أن تعلموا هذه المادة كوثيقة تعليمية تريد الدولة أن يتعلمها التلاميذ وأن يتعرف الآخرون عليكم بهذه الطريقة، وهكذا يتقدم طلابكم لامتحان التوجيهي ونيل الشهادة التي يحتاجونها، وفي الوقت ذاته تربونهم على التفكير النقدي.
■ فوجئت بأن اليهود الشرقيين يسلّمون بهذا الواقع؟
□ اليهود الشرقيون الذين تبلغ نسبتهم السكانية 50% وأكثر من مجمل اليهود في إسرائيل، اضطُهدوا وقاموا بتدمير ثقافتهم وتفكيك عائلاتهم، والتشفاء من ذلك يستغرق أجيالاً.
■ ماذا مع المرأة في مناهج التعليم الإسرائيلية؟
□ لا توجد امرأة في الصهيونية. المرأة بالنسبة للصهيونية رجل صغير. عليها إنجاب المزيد من الرجال. في السنوات الخمس عشرة الأخيرة هناك محاولات لتعديل المنهاج من هذه الناحية بإدخال مضامين حول مساواة النساء وذكر شخصيات نسائية. ربما هذا التعديل الوحيد في المناهج.
هل اختلفت الأوضاع بين حكومات اليمين وبين حكومات اليسار؟
□ لا يوجد اختلاف في الجوهر بين وزارة التعليم التابعة لحكومات اليسار الصهيوني عن تلك اليمينية. هؤلاء يذكرون «نكبة» وهؤلاء يقولون «تطهير عرقي». الفلسطينيون مغيبون في كل الأحوال، ولا أحد يعرف عنهم شيئاً أو يتعلم عنهم؛ فتارة يتم تغييبهم بالكامل من النصوص وتارة يُذكرون كأعداء تم القضاء عليهم. في كل الأحوال هناك تغييب ولا يوجد تغيير. حتى في فترة وزراء التعليم الأسبقين شولميت ألوني ويوسي ساريد ويولي تامير من حزب «ميرتس»، شهدنا ثرثرة وتحدثوا عن إدخال محمود درويش، ولم يُدخل في نهاية المطاف. لا يوجد يسار إسرائيلي. الآن أنت تتحدث مع «اليسار الإسرائيلي”.
■ مضامين الهولوكوست، المحرقة اليهودية، ما زالت مهيمنة في مناهج التعليم من ناحية الكم والكيف؟
□ بالعكس. زادت هذه المضامين. وعن ذلك قال أيال نافيه إن المحرقة استبدلت الصهيونية في مناهج التعليم. منذ الصف الأول يتم تلقين التلميذ مواد عن المحرقة، وينتجون داخله صدمة مرعبة سنة وراء سنة بصور فظيعة، ثم يصطحبونه لاحقاً إلى مراكز الاعتقال النازية التاريخية في بولندا، وهناك يقولون لهم: «هذا ما سيحدث لنا إذا لم نسيطر على الفلسطينيين ونتحكم بهم». كل شيء موجه نحو إنتاج قومجية مجنونة دون تربية على التفكير النقدي من هذه الناحية”.
■ أي المواد الأخطر من ناحية تشكيل الوعي لدى التلميذ؟
□ الأدب، التاريخ، المدنيات، الجغرافيا، بل كل المواضيع. وهذا لا ينتهي بالمدرسة، فالثقافة الإسرائيلية تعمل وتشارك لهذه الغاية: الإعلام، السينما، الثقافة، المسرح، وأدب الأطفال… بشكل عام المضامين ملوثة بخطاب كراهية عنصري وقومجي.