تونس- “القدس العربي”:
قال سياسيون تونسيون إن احتضان تونس لأسطول الصمود العالمي يترجم الموقف الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية، معتبرين أن الأصوات السياسية التي هاجمت الأسطول ترتبط بأجندة خارجية ولا تعبر عن المزاج العام في البلاد.
وكانت تونس استضافت في وقت سابق عشرات السفن التابعة لأسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة، حيث تدفق آلاف التونسيين لاستقبال وتوديع السفن في موانئ سيدي بوسعيد وقمرت وبنزرت.
وقال رياض الشعيبي، القيادي في حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني “اتخاذ تونس كمحطة رئيسية في مسيرة أسطول الصمود المطالب برفع الحصار عن غزة وإنهاء الإبادة الجماعية لشعبها، إنما يعبر عن عمق التزام الشعب التونسي بكل مكوناتها بدعم حق الشعب الفلسطيني وبمناصرة نضاله لاستعادة حريته. فلقد ذابت إلى حد بعيد كل التناقضات الإيديولوجية والسياسية في هذا الحدث. كما أن حجم التحركات الشعبية المنددة بمجازر الاحتلال يعطي ميزة مهمة لتونس، في ظل تراجع حركة دعم الشعب الفلسطيني في المنطقة”.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “طبعا هذا لا ينفي وجود أصوات شاذة -لا تكاد تلاحَظ- داخل الفسيفساء الوطني، تحاول خلق شرخ في هذا الموقف الموحد والداعم للحق الفلسطيني. ومن غير المستبعد أن يكون هذا الشذوذ السياسي مدفوعا بأجندات إقليمية، أو حتى نوعا من الاختراق الطارئ على الموقف الوطني التونسي الجامع. لكن ما عبرت عنه جموع التونسيين الحاشدة في احتفائها بانطلاقة الأسطول، وبمشاركة مراكب تونسية فيه، دليل واضح على هذا الالتفاف الشعبي الواسع”.
الخيار الوحيد
وقال خالد شوكات، الوزير السابق ورئيس المعهد العربي للديموقراطية: “تونس -على أي حال- كانت الخيار الوحيد في دول جنوب المتوسط، أو الدول العربية المتوسطية. إذ لم تكن هناك دول أخرى بمقدورها فعل ذلك، فالمغرب تربطه علاقات بالكيان، والجزائر يحتاج الأوربيون وغيرهم تأشيرات لدخولها، وليبيا منقسمة على ذاتها وما تزال غير مؤهلة أمنيا، ومصر أيضا لديها علاقات رسمية مع الكيان واتفاقية كامب ديفيد تحول دون ذلك”.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “خلاصة القول إن تونس هي البلد العربي المتوسطي الوحيد الذي بمقدوره أن يقوم بهذا الدور، وهو ما يكشف المدى الذي يمكن يذهب إليه الدور التونسي في قضية الأمة والمنطقة والعالم، فتونس تتضمن عناصر لا تتوفر في جل بلدان المنطقة وهي عناصر غير مستعملة في جلها إلى حد الآن”.
وعلق شوكات على تشكيك بعض السياسيين التونسيين بمصادر تمويل أسطول الصمود المغاربي (التابع للأسطول العالمي)، بالقول: “حدث بهذا الحجم لو مرّ دون هذا الضجيج لقلنا إن شيئا ما غير طبيعي حدث، فأسطول الصمود سيسجل لحظة تحوّل فارقة وحاسمة في تاريخ الإنسانية، وهناك من لديه حسّ استشرافي ليقف على هذه الحقيقة، وهناك -في المقابل- من هو مرتبط بأجندات معادية للأمة وقضاياها الكبرى، ومن الطبيعي أن تتحرك هذه الأطراف لخدش الصورة والتشكيك في النتيجة. أما الجدل (حول الأسطول) فهو من خصائص جميع القضايا الهامة في تاريخ الإنسانية، ولا أبالغ إن قلت إن القضية الفلسطينية هي أم القضايا الدولية الكبرى الآن”.
فيما اعتبر سمير بن عمر، رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أن المشاركة التونسية الكبيرة في أسطول الصمود العالمي غير مفاجئة، على اعتبار أن التونسيين معروفون بإيمانهم بقضية فلسطين والتحامهم بهذه القضية و”هم يشاركون في معركة تحرير فلسطين منذ عام 1948، وقد اختلط الدم التونسي مع الدم الفلسطيني في حمام الشط في ثمانينات القرن الماضي، كما أن تونس قدمت قوافل من الشهداء من أجل فلسطين منهم الشهيدان عمران المقدمي ومحمد الزواري، والتونسيون يعتبرون فلسطين قضيتهم الأم وقد احتضنوا المقاومة الفلسطينية بعد إخراجها من بيروت سنة 1982، والمشاركة في أسطول الصمود هي أقل ما يمكن أن يقدمه التونسيون لهذه القضية العادلة”.
أبواق السلطة
من جانب آخر، اعتبر بن عمر أن السياسيين الذين هاجموا أسطول الصمود “أغلبهم يعتبرون من أبواق السلطة الحاكمة، وهم يعكسون توجهات هذه السلطة التي لم تكن تنظر بعين الرضا والارتياح لقافلة وأسطول الصمود. ومثل كل الأنظمة العربية، يشعر النظام التونسي بالحرج من كل أشكال المساندة لقضية فلسطين. وهذه الأبواق هي رجع صدى لموقف السلطة التونسية”، وفق تعبيره.
وأوضح بقوله: “على سبيل المثال، ثمة وزيرة سابقة للتربية وبعض نواب “برلمان قيس سعيد” كانوا يمهدون الأرضية للسلطة القائمة لمنع قافلة الصمود، لكن حجم التلاحم الشعبي مع هذه القافلة دفع السلطة للسماح لها (بالدخول إلى الموانئ التونسية)”.
واعتبر بن عمر أن حملة التشكيك بمصادر تمويل أسطول الصمود المغاربي “تركزت وتوسعت بصورة أساسية بعد أن تعرض أسطول الصمود العالمي إلى الاعتداء من طرف مسيرات صهيونية، وحاولت السلطة في البداية الادعاء بأن هذه الاعتداءات هي حوادث طبيعية، ثم بعد ذلك تراجعت واعتبرت أن هناك اعتداء وحادث مفتعل ومدبر”.
وأضاف: “وفي هذا السياق، أطلقت السلطة مرتزقتها من السياسيين للتشكيك في قافلة الصمود وحتى اتهامها ببعض الارتباطات الأجنبية وأنها تريد توريط تونس في حرب فلسطين وغير ذلك من التراهات، وهي -للمفارقة- نفس الأسطوانة المشروخة التي كان يرددها أتباع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر عندما حاول بعض النشطاء تنظيم قافلة تضامن عبر البر، وهذا يؤكد أن هؤلاء المرتزقة همهم الوحيد هو الدفاع عن أنظمتهم المتهالكة والتنصل من قضية فلسطين التي لقيت مساندة مطلقة في الشارع العربي والتونسي خاصة”.