اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش,
جبل البابا- الضفة الغربية: قلصت تدريجيا مساحة الأراضي المتاحة لرعي الماشية أمام المجتمع البدوي الذي ينتمي له عبد الله الجهالين بالقرب من القدس، حيث أخذت المستوطنات اليهودية في الاتساع على الأراضي التي تحتلها إسرائيل لتطوق المدينة وتتوغل في عمق الضفة الغربية.
والآن، يواجه المجتمع البدوي المكون من حوالي 80 عائلة خطر الطرد من آخر بقع من الوادي والأحراش التي اتخذها موطنا له منذ عقود.
ويتعلق مأزقهم بمشروع استيطاني إسرائيلي من شأنه أن يشق الضفة الغربية، ويقطع اتصالها بالقدس الشرقية، و”يدفن” – وفقا لمسؤولين إسرائيليين – أي أمل متبق في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
وبينما تتحرك المزيد من القوى الغربية للاعتراف بدولة فلسطينية وسط إحباط من الحرب في غزة، يقول الفلسطينيون حول القدس إنهم يشاهدون أراضيهم تتلاشى تحت زحف الرافعات والجرافات الإسرائيلية. وتشكل المستوطنات الآن حلقة شبه متصلة حول المدينة.
وقال الجهالين وهو جالس تحت شجرة كبيرة بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، وهي مستوطنة نمت بالفعل لتصبح ضاحية يهودية في القدس على أرض فلسطينية تحتلها إسرائيل “إلى أين يمكن أن أذهب؟ لا يوجد شيء”.
وسيملأ ما يسمى بمشروع (إي1)، الذي أعطت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر له مؤخرا، آخر فجوة كبيرة في الحزام الاستيطاني – وهي منطقة ظلت حتى الآن بمنأى عن البناء.
وقالت هاجيت أوفران، من حركة السلام الآن، وهي جماعة إسرائيلية مناهضة للاستيطان “هذا في الواقع يقطع إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة”. وأضافت “سيتم قطع التواصل الإقليمي من الشمال إلى الجنوب بشكل كامل”.
وجمدت إسرائيل في السابق خطط البناء في معاليه أدوميم عام 2012 ومرة أخرى في عام 2020، بعد اعتراضات من الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين وقوى أخرى، والتي اعتبرت المشروع تهديدا لأي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين.
لكن في أغسطس آب، أعلن نتنياهو ووزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن العمل سيبدأ. وقال سموتريتش إن هذه الخطوة من شأنها “دفن” فكرة الدولة الفلسطينية.
وقال سموتريتش “كل من يحاول في العالم الاعتراف بدولة فلسطينية اليوم سيتلقى جوابنا على الأرض”. وأضاف “ليس بالوثائق ولا بالقرارات أو البيانات، بل بالحقائق. حقائق المنازل، حقائق الأحياء”.
النمو الاستيطاني يتحدى الضغوط الدبلوماسية
نددت أستراليا وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان بهذه الخطوة واعتبرتها انتهاكا للقانون الدولي.
واستنكر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة هذا الإعلان، واصفا إياه بأنه انتهاك للقانون الدولي.
ولم يرد مكتبا نتنياهو وسموتريتش بعد على طلب من رويترز للتعليق.
ومما يسلط الضوء على الانتقادات المتزايدة للحرب على غزة، التي دمرت جزءا كبيرا من القطاع، اعترفت أستراليا وبريطانيا وكندا والبرتغال بدولة فلسطينية أمس الأحد لتنضم إلى نحو 140 دولة أخرى فعلت ذلك بالفعل.
لكن التوقيت يبرز التناقض الصارخ بين المواقف الدبلوماسية والواقع على الأرض، إذ تواصل المستوطنات الإسرائيلية التوسع بسرعة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
وتعتبر معظم القوى العالمية جميع المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، لكن إسرائيل تقول إن لها روابط تاريخية وتوراتية بالضفة الغربية التي تسميها يهودا والسامرة.
ويقول تقرير للأمم المتحدة إن إسرائيل وسعت بشكل كبير المستوطنات في الضفة الغربية في انتهاك للقانون الدولي.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يعيش اليوم نحو 700 ألف مستوطن إسرائيلي وسط 3.4 مليون فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفي الشهر الماضي، جرى تسليم مجتمع البدو الذي ينتمي له الجهالين أوامر هدم لمنازلهم وأُبلغوا أن أمامهم 60 يوما لهدمها بأنفسهم. وداهمت قوات الأمن الإسرائيلية مصحوبة بالكلاب مرارا منازلهم ليلا، وهي أعمال يعتبرها المجتمع المحلي ترهيبا.
وقال محمد الجهالين وهو شقيق عطا الله “عندما يستيقظ الطفل من نومه ويرى كلبا في وجهه، يصاب بالخوف، إنها كارثة”.
وأضاف أنهم اعتادوا الطعن على إخطارات الهدم أمام المحاكم، ولكن منذ اندلاع حرب غزة “إذا لجأت إلى المحكمة ستصدر لك أمرا بالإخلاء الفوري”.
ويشمل جزء من مشروع إي1 ما يسمى “طريق نسيج الحياة”، والذي من شأنه أن ينشئ طرقا منفصلة للإسرائيليين والفلسطينيين، مما سيقطع وصول الفلسطينيين إلى مساحات واسعة من الضفة الغربية. وسيقطع الطريق أيضا رابطا حيويا بين التجمعات البدوية، مثل 22 عائلة يعيشون في جبل البابا وقرية العيزرية الفلسطينية القريبة.
البدو يخشون دورة جديدة من التهجير
كان الأشقاء في بدو الجهالين في صغرهم يشقون طريقهم عبر تل صخري لارتياد المدرسة في المدينة المزدحمة بالأسفل، ويسير أحفادهم على خطاهم اليوم.
وقال عطا الله “نعتمد على مدينة العيزرية في التعليم حيث يذهب الأطفال إلى المدرسة هناك وفي الصحة وفي كل شيء كما أن وضعنا الاقتصادي مرتبط بها”.
وعلى بعد بضعة تلال عبر الطريق السريع، تتأهب مستوطنة معاليه أدوميم للتوسع بموجب مشروع (إي1) الاستيطاني.
وقالت شيلي برين، وهي مستوطنة تعيش في معاليه أدوميم “أتعاطف مع الفلسطينيين”، في إشارة إلى ما يلاقونه من معاناة في نقاط التفتيش وقلة فرص العمل. وأضافت “لكن للأسف، كمواطنة إسرائيلية، أشعر أن عليّ الاهتمام بأمني أولا”.
ولم يرد المتحدث باسم مستوطنة معاليه أدوميم بعد على طلب التعليق.
وجاء المجتمع البدوي إلى جبل البابا بعد ما يطلق عليه الفلسطينيون “النكبة” أو الكارثة، في وقت تشرد فيه مئات الآلاف من السكان في خضم حرب أعقبت قيام دولة إسرائيل.
وأضاف عطا الله “لقد عاش أجدادنا النكبة، واليوم نعيش كل هذا النضال الذي نتمنى أن لا يعيشه أبناؤنا”.
وفي المساء، أعد أحد الرجال القهوة على شعلة، بينما استرخى بقية أفراد المجتمع على الوسائد وتبادلوا النكات بينما غابت الشمس خلف التلال.
وعلى الجانب الآخر من الطريق السريع، تتلألأ أضواء المباني البيضاء الشاهقة في مستوطنة معاليه أدوميم.
قال محمد وهو يرتشف قهوته “لا يعد لنا مكان نذهب إليه. إن تركنا الأرض التي ولدنا فيها، والتي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، إن اضطررنا لذلك، فسيكون بمثابة الموت”.
(رويترز)