لندن- “القدس العربي”:
دعا رئيس ومؤسس المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، دول الغرب لمنح الفلسطينيين أكثر من مجرد لفتة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أشار فيه لاعتراف كندا وبريطانيا وأستراليا والبرتغال بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد مؤتمر بشأن حل الدولتين في الأمم المتحدة اليوم الاثنين، حيث ستعلن دول أخرى الاعتراف أيضا، مما يعني أن حوالي 150 دولة اعترفت رسميا بفلسطين.
وهي خطوات، كما يقول البرغوثي، مرحب بها في ضوء حرمان إسرائيل وعلى مدى عقود، الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم، وفي ظل خطة توسيع المستوطنات التي “ستدفن فكرة الدولة الفلسطينية”، حسبما قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قبل فترة.
ولكن البرغوثي يستدرك قائلا بأن الاعتراف هو “رمزية فارغة”، و”في أسوأ حالاته، هو حرف للنظر عن غياب التحرك لوقف حرب إسرائيل في غزة والتجويع والتهجير القسري لحوالي مليوني فلسطيني يعيشون هناك، ويجب أن يرفق أي اعتراف بفلسطين بتحرك قوي يحاسب إسرائيل على سياساتها غير القانونية والمدمرة”.
وأضاف البرغوثي أنه يكتب من الضفة الغربية، حيث تواصل إسرائيل توسيع مستوطناتها لعقود من الزمن لمنع قيام دولة فلسطينية ويسيطر عليه شعور قوي بالديجافو، من أن الدفع نحو حل الدولتين لا يأخذ في الاعتبار، على ما يبدو واقع الدولة الواحدة والفصل العنصري الذي فرضته إسرائيل على الفلسطينيين، والذي ترسخه يوما بعد يوما. ففي آب/ أغسطس، وفي رد واضح على إعلان فرنسا ودول أخرى عن خطط للاعتراف بفلسطين، وافقت الحكومة الإسرائيلية على توسيع المستوطنات في ما يسمى بالمنطقة إي1 شرقي القدس. وسيؤدي ذلك فعليا إلى قطع الضفة الغربية المحتلة إلى نصفين، والتي من المفترض أن تشكل قلب الدولة الفلسطينية. وقد امتنعت إسرائيل عن بناء المستوطنات في المنطقة لعقود من الزمن خوفا من التداعيات الدولية. وقد اعتبر القيام بذلك بمثابة ضربة قاضية لحل الدولتين، على الرغم من أنه بدا للكثيرين أنه يحتضر بالفعل”.
وقال إن الموافقة على خطة إي1 تعتبر الحلقة الأخيرة من سياسات التوسع الاستيطاني غير القانوني التي تقوم بها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل منذ توليها السلطة، بما في ذلك الموافقة على 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية هذا الربيع.
وكما يوضح بيان مشترك لسموتريتش ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، فإن هذه المستوطنات “جميعها ضمن رؤية استراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى تعزيز قبضة إسرائيل على المنطقة، وتمنع قيام دولة فلسطينية، وترسي أسس التنمية الاستيطانية المستقبلية في العقود المقبلة”.
ويشير البرغوثي إلى أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية المحتلة بشكل غير قانوني قبل 45 عاما، وعززت سيطرتها على المدينة بحلقة من المستوطنات التي عزلتها عن الضفة الغربية. ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دمرت إسرائيل غزة، مما جعلها غير صالحة للسكن إلى حد كبير، ومع الهجوم الجديد، تعمل إسرائيل على تدمير مدينة غزة بشكل منهجي ودفع الفلسطينيين إلى مناطق محصورة في الجنوب. ونقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله في أيار/ مايو إن تدمير قطاع غزة سيجبر السكان على الهجرة إلى أماكن أخرى.
وأشار السياسي الفلسطيني إلى أن الاعتراف بدولة فلسطينية ونشر وثيقة تحتوي على توصيات، لن يغير من الواقع كثيرا، بل هناك حاجة للتحرك واتخاذ إجراء.
أولا، يجب على المجتمع الدولي وقف حرب إسرائيل على غزة، التي خلصت جماعات حقوق الإنسان وعدد متزايد من الخبراء الآخرين إلى أنها إبادة جماعية، ومنع التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ثانيًا، يجب ممارسة ضغط جدي على إسرائيل لإجبارها على تغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين، بما في ذلك إلغاء القانون الذي ينص على أن الشعب اليهودي وحده له الحق في تقرير المصير في فلسطين التاريخية والاعتراف بدولة فلسطين.
ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على الحكومات، وبخاصة الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، فرض عقوبات اقتصادية، كما يدعو البعض، وفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إليها، وهو ما تطالب به جماعات حقوق الإنسان منذ سنوات بسبب مستوطنات إسرائيل وانتهاكاتها الأخرى للقانون الدولي.
ويجب، كما يقول البرغوثي، عدم ربط حرية الفلسطينيين بمواققة إسرائيل، والاعتراف بتباين القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فقد كان من أكبر الأخطاء الفادحة التي طبعت الجهود السابقة لتحقيق السلام، الحديث عن مساواة بين الجانبين، وهذا غير صحيح، كما لو أن الفلسطينيين يستعمرون الأراضي الإسرائيلية ويطردون الإسرائيليين منها بشكل منهجي منذ ما يقرب من ثمانية عقود، بدلا من العكس. مضيفا أن أيا من الجانبين لن ينعم بالأمن ما لم تعالج الأسباب الجذرية للظلم.
وقال إن ملايين الفلسطينيين هم شعب بلا دولة، محتل ومضطهد من قبل إسرائيل، القوة العظمى الإقليمية المسلحة نوويا. وهناك حاجة إلى نموذج جديد لمعالجة هذا الخلل ودعم الشعب الذي يناضل من أجل حريته، كما حدث لدعم نضال جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري في بلدهم.
ويعيش حوالي 7.4 مليون فلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية، إما كمواطنين أو في الأراضي المحتلة، وهناك حوالي 7.2 مليون يهودي إسرائيلي.
وقبلت منظمة التحرير الفلسطينية تقسيم الأرض منذ عقود، على الرغم من أنه يعني عمليا التخلي عن أكثر من نصف ما قررته الأمم المتحدة عام 1947 بأنه ينبغي أن تكون عليه الدولة الفلسطيية. وقد كان ذلك تنازلا كبيرا، واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية رسميا بإسرائيل مرتين، الأولى عام 1988 والثانية عام 1993. إلا أن إسرائيل، واصلت حرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة مستقلة أو تقرير مصيرهم. كما انشغلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في ترسيخ نظام الفصل العنصري.
وقال البرغوثي: “يجب على المجتمع الدولي، الاعتراف أخيرا بأخطاء الماضي والواقع على الأرض. ولا يمكن تحقيق سلام حقيقي ودائم دون تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. ويجب ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لتحقيق ذلك”.