هل ذهب للتعافي أم للاستديوهات؟


الجزائر- “القدس العربي”:

أثار ظهور الكاتب بوعلام صنصال وتصريحاته الأولى بعد خروجه من السجن تعليقات كثيرة في الجزائر، بين من اعتبر أنها تفند تماما الرواية التي اشتغل عليها الفرنسيون بشأن تدهور وضعيته الصحية، وبين من رأى أن سجنه ساهم في منحه حضوراً أكبر لا يستحقه.

اللقاء الإعلامي الأول لصنصال على نشرة الثامنة في القناة الفرنسية الثانية مع الصحافي الشهير لوران دولاووس، حمل روايته الخاصة عن اعتقاله وظروف سجنه، وعن رأيه في انقسام فرنسا بين من كان يدفع باتجاه التشدد مع الجزائر لإطلاق سراحه وعلى رأس هؤلاء صديقه برونو روتايو ومن كان يريد تغليب لغة الحوار.

وفي بداية كلامه، تحدث صنصال عن لحظة توقيفه التي وصفها بـ”الصدمة”، قائلاً إنه عند خروجه من مطار الجزائر تم وضع غطاء على رأسه، وإنه طوال ستة أيام لم يكن يعرف أين كان ولا مع من يتعامل. وكان الكاتب قد أوقف في 16 نوفمبر 2024 قبل أن يُدان ابتدائياً ثم استئنافياً بخمس سنوات سجناً نافذاً بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”.

وفي تقديره، فإنه اعتُقل لأن “الحرب نشبت بين فرنسا والجزائر”، رابطاً ذلك بموقف إيمانويل ماكرون الداعم لسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ويعود سبب التوقيف الرسمي إلى وقائع تتعلق بتصريحاته لقناة يمينية متطرف زعم فيها أن الجزء الغربي من الجزائر كان يعود تاريخيا للمغرب.

وعن ظروف احتجازه، قال صنصال إن الحياة في السجن “قاسية” وإن الوقت “طويل”، مشيراً إلى أنه كان معزولاً تماماً: “لا يمكنك الكلام، ولا التحرك، ولا التواصل مع بقية السجناء، ولا مع العالم الخارجي. لم يكن لدي حتى محامٍ”.

وتوقف صنصال عند وضعه الصحي، قائلاً: “أنا بخير، تم تشخيص إصابتي بسرطان البروستات. وقد تلقيت علاجاً ممتازاً على أيدي أطباء مخلصين قاموا بما يفوق واجبهم. خرجت من بين أيديهم في صحة جيدة”. وأضاف أن السجن “إهانة لكنه ليس الجحيم المطلق”، متحدثاً عن الروتين اليومي في الزنزانة والساحة والعيادة.

وتحدث الكاتب عن اليوم الذي سبق إطلاق سراحه، قائلا إنه تبادل حديثاً مع رجل “مهم جداً”، ربما “يكون من جهاز المخابرات”، سأله عما إذا كان سيواصل انتقاد الجزائر في حال أطلق سراحه، فأجاب كما يروي: “أنا لم أنتقد الجزائر قط، أنا أنتقد نظاماً، أشخاصاً، ديكتاتورية. أما الخطوط الحمراء فأنا لا أعترف إلا بما هو موجود في الدستور الذي يضمن حرية التعبير”.

وفي ما يتعلق بهواجسه بعد خروجه من السجن، قال صنصال إنه يخشى على عائلته ويزن كل كلمة يقولها: “أنا لا أتحدث إليكم بطبيعتي، أنا أزن كل كلمة. أخشى على عائلتي، وأخاف أن تعتقل زوجتي”. وتحدث عن خوفه على رفاق زنزانته الذين “قد يُستجوبون”، على حد قوله. كما وجه تحية إلى الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز المحكوم في الجزائر بسبع سنوات سجناً، قائلاً إنه يفكر فيه وفي “عشرات المعتقلين السياسيين”.

وسئل الكاتب عن رأيه في طريقة تعامل وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو مع ملفه، فأجاب أن ما فعله (الأسلوب الهجومي) ربما يكون قد أعاق الإفراج عنه، لكنه كشف أنه تحدث هاتفياً مع روتايو ووصفه بـ”صديقه”، مؤكداً أنه سيلتقيه قريباً. وأكد صنصال دعمه للمصالحة بين الجزائر وفرنسا منذ 1962، معتبراً أن البلدين “أضاعا الفرصة” بعد الاستقلال. وقال إنه يريد أن تكون الجزائر وفرنسا “صديقين كبيرين”.

وقال إنه أخبر ماكرون برغبته في زيارة الجزائر لتسوية أموره الشخصية وجلب أغراضه، وهو ما فاجأ الرئيس الفرنسي الذي أخبره أن سيتحدث مع الرئيس عبد المجيد تبون في لقائه معه بجوهانسبوغ على هامش قمة العشرين، وهو اللقاء الذي لم يتم بسبب عدم تنقل الرئيس الجزائري.

ومثلما كان متوقعا، كان لتصريحات صنصال وقع كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بينما تجاهلها الإعلام الحكومي في الجزائر. وفي منشور له، قال الصحافي الرياضي حفيظ دراجي: “صنعنا منه بطلاً، بينما كتاباته لم تلامس يوماً مقام البطولة، ولم يطالعها إلا من فقد البصيرة قبل الوعي”.

وكتب معلقون آخرون مطالبين بإسقاط الجنسية الجزائرية عنه، معتبرين أنه “عميل” وأن العفو عنه تمّ “لأسباب صحية أو دبلوماسية”. وفي تعليق آخر قيل إن صنصال “يتحدى” وأنه “يعرف أنه لا يمكنه العودة للجزائر”، بينما رأى أحد المعلقين أن مبرر إطلاق سراحه كان وفق ما تم تسويقه يعود لتدهور حالته الصحية، بينما حالته تؤكد عكس ذلك.

وفي هذا السياق، كتب المحامي توفيق هيشور أن صنصال “لم يتوجه للتعافي، بل شدّ الرحال ليروي للإعلام الغربي تفاصيل سجنه”، معتبراً أنه “قصد الاستوديو قبل المستشفى”. أما الصحافي كريم قندولي فانتقد بشدة رواية صنصال عن السجن، متسائلاً كيف يمكن لمن “استفاد من سفراته ومهامه وتقاضى آلاف اليوروهات من خزينة الدولة” أن يدّعي أنه لم يكن يعرف بأن تصريحاته تُعد خرقاً قانونياً.

وقال قندولي إن صنصال كان “سجيناً خاصاً بتهمة خاصة وبرتبة عميل”، وإن حديثه عن غياب محام “نكتة ثقيلة”، مؤكداً أن فريقاً كاملاً من المحامين وجّه له الدعم. وأشار إلى أن النقطة الوحيدة الصادقة في كلامه هي اعترافه بتلقي رعاية صحية ممتازة، مضيفاً أن الجزائر لا تعاقب أفراد العائلة على أفعال غيرهم، معتبراً ما يقوله صنصال “سيناريو يضيفه للفيلم الذي بدأ عرضه”.

وتعددت التعليقات الساخرة أيضاً، إذ نشر أحد المعلقين مقارنة بين شكل صنصال قبل دخوله السجن وبعد خروجه، متهكماً على الروايات التي تحدثت عن تدهور حالته الصحية، بينما رأى آخرون أن تصريحاته “سينما” وأن ظهوره الإعلامي الأول بدا وكأنه موجّه للجمهور الفرنسي.

وعلى هذا المنوال، تراوحت ردود الفعل بين من يرفض رواية صنصال حول ما عاشه داخل المؤسسة العقابية وبين من يهاجمه بشدة ويعتبر أنه يسعى إلى استغلال ملفه سياسياً وإعلامياً، في مقابل إصراره هو على سرد تجربته من زاوية شخصية، وعلى التأكيد بأنه لم ينتقد الجزائر وإنما “نظاماً” وأنه يريد العودة إلى بلده إذا سُمح له بذلك.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *