بدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، شبه الفارغة، نتيجة خروج عشرات الوفود احتجاجا على صعود بنيامين نتنياهو المنصّة، أشبه ما تكون بصالة عرض كوميديا سوداء مرعبة.
ما كان ممكنا لظهور رئيس حكومة إسرائيل، المطلوب اعتقاله بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على تلك المنصة أن يحضر من دون أن تحضر في الخلفية حشرجات الأطفال الفلسطينيين، وصرخات أمهاتهم وآبائهم المكلومة، وآلاف المقاطع المصوّرة لألوان البتر والسحق والقتل والتدمير الفظيعة التي مورست في قطاع غزة، بوتيرة إرهاب دولة صناعية، منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023.
تجنّبت طائرة المتهم بارتكاب إبادة جماعية الأجواء الأوروبية، ولكنّها تمكّنت ـ بفضل الراعي الأمريكي ـ من الهبوط في نيويورك للسماح لنتنياهو بتقديم خطاب الغطرسة المنفلتة من عقالها الذي قدّمه، ولجعل المفارقة أكثر فظاعة، فقد منع الحليفان الرئيس الفلسطيني محمود عباس من دخول أمريكا لإلقاء كلمته، فاضطرّ لإلقائها رقميا!
وكأن وجوده بحد ذاته لم يكن كافيا لإشعار شعوب ودول العالم بالمهانة، فقد ابتكر نتنياهو فكرة اعتبر البعض أنها مستوحاة من الجيش الألماني خلال الحقبة النازية، ولكنّها، في الحقيقة، تتفوّق على دعاة «العرق المتفوّق» بأشواط، فإضافة إلى نشر جيشه مكبّرات صوت لإجبار أهالي قطاع غزة على سماع خطاب الجلاد الذي يأمر جيشه بقتلهم على مدار الساعة، فقد أمر جهاز استخباراته بـ«احتلال» هواتف الغزيين وإرسال الخطاب إليها!
عدد نتنياهو في خطابه «انتصارات إسرائيل» على «حماس» وإيران والحوثيين، وهدّد بإعادة هذه «الانتصارات» مجددا بالحديث المكرر عن تدمير مخزونات إيران النووية وعدم السماح لها بإعادة بناء قدراتها مع فرض العقوبات عليها، وطالب «حماس» بإلقاء السلاح و«إطلاق جميع الرهائن».
على عادته، وخلال إعلانه المنتشي بالانتصارات، وتهديده «قادة العالم» الذين لا يدعمون إسرائيل، وإبلاغه زعماء أوروبا بأنهم لا يستطيعون فرض دولة فلسطينية، عاد نتنياهو إلى ارتداء ثوب الضحية، فاعتبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية «رسالة مفادها أن قتل اليهود يؤتي ثماره»، و«يشجع الإرهاب ضد اليهود وضد الأبرياء في كل مكان»، ثم وجّه اللوم في ذلك إلى الفلسطينيين بطريقة لا تخفي خطط الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضدهم، فـ»90 بالمئة من الفلسطينيين في غزة ويهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) يؤيدون هجوم 7 أكتوبر» (وبالتالي فإنهم يستحقون الإبادة والتهجير القسري).
لم يكن صعود نتنياهو على منصّة الأمم المتحدة، كما يظهر خطابه، احتراما لهذه المنظمة، ولا لدولها وشعوبها، بل إعلانا عن قدرته على فرض وجوده رغم كونه مطلوبا للعدالة الدولية (بالتزامن مع منع ممثلي فلسطين من الوجود) وإذا أضفنا إلى «فيلم الرعب» هذا قراره بإجبار الغزيين على سماع خطابه، واستلامه على هواتفهم، وعطفناه على إنذاراته الصريحة لباقي الدول، فإن الرسالة المستفادة هي أن نتنياهو يهدد العالم كلّه بمصير غزة، وما على العالم سوى الاستسلام!