“موسم أصيلة الثقافي” يعقد ندوة تكريمية لمؤسسه محمد بن عيسى “رجل الدولة وأيقونة الثقافة”


أصيلة (المغرب) ـ “القدس العربي”:

على مدى ثلاثة أيام، استحضرت شخصيات فكرية وسياسية، في إطار “موسم أصيلة الثقافي”، مؤسسه الراحل محمد بن عيسى، “رجل الدولة وأيقونة الثقافة”، الذي جعل من هذه التظاهرة بمثابة أكاديمية حرة ومفتوحة للحوار والنقاش حول مختلف القضايا التي تشغل بال العالم. كما أتاح للعديد من الفاعلين في مجالات الفكر والسياسة والدبلوماسية الفرصة للانتباه مبكرًا إلى قضايا الجنوب، سواء تعلق الأمر بأمريكا اللاتينية أم بإفريقيا.

وخلال الندوة التكريمية التي استمرت جلساتها إلى يوم الأحد، أثنى المتحدثون على خصال الراحل محمد بن عيسى، من حيث ما تميز به من قدرات تواصلية، وقيم التواضع والإنصات، فضلاً عن ثقافته الموسوعية.

كما أبرزوا أنه جعل من الثقافة جسراً لتحقيق التنمية، وأيضًا لحل العديد من الإشكالات المختلفة. و”بفضل عمله الثمين، أصبح موسم أصيلة الثقافي، إضافةً إلى كونه واجهة مضيئة للعبقرية المغربية، جسرًا للوصل بين الشعوب والثقافات والحضارات على مرّ السنين”، مثلما جاء في كلمة ماكي صال، رئيس جمهورية السنغال سابقًا، الذي أكد أن محمد بن عيسى ترك إرثًا غاليًا وتحديًا كبيرًا، تحدي الحفاظ على إرثه وإحيائه، ونقله إلى الأجيال القادمة، لأن سمة الأعمال العظيمة أنها تبقى حيّة بعد رحيل مؤسسيها”.

وانطلقت، مساء الجمعة، الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي، التي تُنظم تحت رعاية العاهل المغربي محمد السادس، بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ومجلس بلدية أصيلة، وبمشاركة أكثر من 350 شخصية من عالم الفكر والفن والدبلوماسية والإعلام. وافتتحت بندوة “خيمة الإبداع”، التي جرى فيها تكريم محمد بن عيسى “رجل الدولة وأيقونة الثقافة”، حيث أبرز المتحدثون جهوده وعطاءاته الغزيرة في مختلف المجالات التي عرفت حضوره المميز.

وتحدث الكاتب والإعلامي حاتم البطيوي، الأمين العام الجديد لمؤسسة “منتدى أصيلة”، قائلاً: “أقف أمامكم اليوم وجرح غياب مؤسس منتدى أصيلة وأمينها العام ما زال يحفر في أنفسنا ألمًا عميقًا؛ نحن الذين، من شدّة تعلّقنا به، كنا نتوهّم أنّه لن يفارقنا يومًا. هو الذي يشهد القريب والبعيد أنّ أصيلة ومنتداها الثقافي كانا معًا يشغلان مساحة لا حدّ لها في وعيه وكيانه وانشغالاته اليومية، تمامًا بقدر انشغاله بمسؤولياته الوزارية ومهامه الدبلوماسية واهتمامه بقضايا وطنه وأمّته العربية وتفاعله العميق أيضًا مع قضايا الإنسانية. فقد كان مواطنًا مغربيًا وعربيًا بأفق إنساني، من سماته التفتح والانفتاح”.

وأضاف أن بن عيسى “غرس نبتة طيبة سرعان ما أينعت وتحولت إلى شجرة فيحاء امتدت أغصانها وظلالها شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا، وصار لها محبون في كلّ الأقطار، لأنّها انطلقت من روح خيّرة، ومن أجل أهداف نبيلة، تعلي من شأن الفكر والإبداع، وتضع شرف القيم الإنسانية السامية فوق كلّ اعتبار. وظلّ يرعى هذه الشجرة، لا تشغله عنها مهامه الرسمية الرفيعة والتزاماته الوطنية التي كان يتفانى في الوفاء بمتطلباتها”.

وشدد البطيوي على أن “مدرسة محمد بن عيسى قد أثمرت خيرًا في مدينة أصيلة، وأنّه، رحمه الله، ترك خلفه رجالًا ونساءً أوفياء لرسالته ومدرسته، من أجل ضمان استمرارية المساهمة الفعّالة لمدينة أصيلة في الإشعاع الثقافي للمملكة المغربية، وفي نشر القيم السامية للفكر والإبداع”.

وتحدثت آنا بلاسيو، وزيرة خارجية إسبانيا سابقًا، عن الجوانب الدبلوماسية للراحل محمد بن عيسى، باعتباره شغل منصب سفير للمغرب في واشنطن ووزيرًا للخارجية، فأوضحت أن إرثه “يبقى حاضرًا للعلاقات الدولية للمغرب، وفي الحضور الأفريقي لهذا البلد، وفي الروابط الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع أوروبا، لكنه يتجلى خصوصًا في روح مدينة أصيلة، في أسوارها المتكلسة، وفي الأعمال الفنية التي تتحاور مع ضوء الأطلسي، وفي ذكريات النقاشات التي كان يدعو إليها، ويحييها بحماس”.

وكشف ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا سابقًا، أن منتدى أصيلة كان بالنسبة له موعدًا لا يمكن تفويته، وذكر أنه أكثر أهمية وإلهامًا من أي منتدى آخر، بما في ذلك منتدى “دافوس”، مؤكدًا أن بن عيسى فتح له بفضل خبرته وبفضل منتدى أصيلة، أبواب إفريقيا، إذ تعرف على عدد كبير من الشخصيات البارزة من إفريقيا جنوب الصحراء.

وقال محمد أيت وعلي، سفير المغرب في القاهرة، الذي سبق له الاشتغال إلى جانب محمد بن عيسى لسنوات عديدة: “كانت ندوات موسم أصيلة الثقافي الدولي، عميقة في تناولها لقضايا فكرية غاية في الأهمية، وأحيانًا في الحساسية السياسية. ومنذ البداية، أراد الراحل المؤسس أن تكون أصيلة فضاء للحرية والإبداع، ومختبرًا للأفكار والمواقف حول الهوية، السياسة، الدين، والفنون. وبذلك اكتسبت أصيلة إشعاعًا ثقافيًا فكريًا وفنيًا تتلاقى فيه الأفكار، وأحيانًا تتصادم بكل حرية واحترام”.

ولاحظ الكاتب الصحافي اللبناني خير الله خير الله أنه “لم يكن ممكنًا المزج بين السياسة والثقافة والموسيقى والرسم والنحت، كما يحصل سنويًا في أصيلة، لولا الفضاء المغربي الذي يسمح بتبادل الأفكار والخوض في نقاشات سياسية من دون أن يكون هناك أي سقف من أي نوع لهذه النقاشات”.

وقال الأكاديمي المغربي سعيد بنسعيد العلوي إن “كل الذين عرفوا محمد بن عيسى عن قرب، أو كانوا بكيفية أو بأخرى، شهودًا على ميلاد وتطور واتصال موسم أصيلة عقودًا تربو على الأربع، يملكون أن يشهدوا بأن الرجل ينتسب إلى فئة من الناس المشهود لهم بالقدرة على رفع التحدي والارتفاع فوق الصعوبات والعراقيل، سعيًا نحو تحقيق الرؤية التي يصدرون عنها. وأضاف قائلاً: “هذا ما تنطق به شواهد حية، وتشهد به إنجازات فعلية ملموسة. يكفي المرء يمعن النظر في هذه التجربة الفريدة العجيبة موسم أصيلة الدولي، وكيف استطاعت أن تمتد حتى يومنا هذا، ستة وأربعين سنة متصلة، فتنهض دليلاً على ما يحققه المجتمع المدني في المغرب من أهداف وما يصيبه من نجاح في زمن لم يكن كله سهلاً يسيرًا، وفي محيط لم يكن متعودًا على حضور المجتمع المدني وعلى قدرته في الصمود والتحدي”.

ويقول الكاتب الصحافي اللبناني عبد الوهاب بدر خان عن الراحل: “أول ما استوقفنا وما وعيناه في أصيلة، ورافقنا طوال الأعوام الخمسة والأربعين من مواسم، أننا إزاء تجربة شاملة وعميقة متقدمة وجريئة لها أهداف كثيرة متوازية ومتلاقية تحت عنوان جلي: التنمية فكرةً وتطبيقًا، الذي سخّر لها عصارة طاقته وحياته، كمثقف وصحافي وذواقة فنون ثم كسياسي أيقن أن تشجيع رجالات العالم، هو أحد وجوه فتح آفاق مدينته، ومع الوقت صرنا نستشعر اعتزازه بأن ما كتب عن أصيلة ولها أضفى عليها إشعاعًا عالميًا تحسدها عليه آلاف المدن”.

وتوالت خلال الندوة التكريمية، التي أشرف عليها الكاتب والإعلامي المغربي عبد الإله التهاني، شهادات كل من: عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، محمد حجوي، أمين عام الحكومة المغربية، محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، مصطفى الخلفي وزير الاتصال الأسبق في المغرب، نبيل يعقوب الحمر، مستشار عاهل البحرين لشؤون الإعلام، لويس أمادو وزير الخارجية البرتغالي السابق، عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا سابقًا، مصطفى حجازي، خبير مصري في الاستراتيجيا السياسية، حسن أبو أيوب، دبلوماسي مغربي، طارق غيلان، رئيس بلدية أصيلة، أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، أحمد المديني، أديب مغربي، خميس الجهيناوي، وزير خارجية تونس سابقًا، مبارك ربيع، كاتب مغربي، ماضي الخميس، أمين عام ملتقى الإعلام العربي في الكويت، عبد الله ولد باه، كاتب وأكاديمي من موريتانيا، رشيدة بنمسعود، ناقدة أدبية من المغرب، إياد أبو شقرا، كاتب صحافي من لبنان، وغيرهم من الأسماء الفكرية والسياسية والدبلوماسية.

وعلاوة على الندوة التكريمية، تشهد الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي تنظيم ندوة حول “المبادرة المغربية الأطلسية: نحو رؤية إفريقية مندمجة للفضاء الأطلسي”، وذلك بتعاون مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، وندوتين حول الفنون التشكيلية، بالإضافة إلى تكريم أحد روّاد الفن التشكيلي المغربي. كما تشهد هذه الدورة تسليم جائزة “فليكس تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي” للفائزة الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني.

ويتضمن البرنامج أيضًا توقيع إصدارات أدبية لكاتبين من المغرب وكاتب من موريتانيا، وفعاليات في الفنون التشكيلية والحفر والليتوغرافيا، يشارك فيها 32 فنانًا وفنانة من العرب والأجانب، ومشغل مواهب الطفل، وورشة كتابة وإبداع الناشئة، ومشغل المسرح والتنمية الذاتية، ومعرض لأعمال فنانين تشكيليين لامعين، ومعرض للمنشورات الصادرة عن مؤسسة منتدى أصيلة، ومعرض للصور الفوتوغرافية للراحل محمد بن عيسى، إلى جانب معرض جماعي لإبداعات الأطفال.

والجدير بالذكر أن الدورة الربيعية لموسم أصيلة شهدت تنظيم ورشات في فن الحفر والليتوغرافيا والصباغة، شارك فيها 22 فنانًا وفنانة من داخل المغرب وخارجه، إضافةً إلى مشغل مواهب الطفل.

كما تم افتتاح معرض “تشكيليات فصول أصيلة 24″، الذي عرض المجموعة الفنية الخاصة بمؤسسة منتدى أصيلة، المنجزة خلال مختلف مشاغل الفنون المنظمة على مدار سنة 2024، وشملت أعمالًا لفنانين من المغرب ومن دول عربية وأوروبية.

واحتضنت هذه المكتبة، خلال الدورة ذاتها، ورشات مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، استفاد منها أكثر من 100 طفل وطفلة تراوحت أعمارهم بين 8 و16 سنة، خُصصت لموضوع “أدب الرحلة”، وتوّجت بإنتاج مجموعة من النصوص السردية والشعرية أبدعتها المواهب الصاعدة.

أما الدورة الصيفية، فقد تميزت بتنظيم مشغل الصباغة على الجداريات بالمدينة العتيقة، وهي ورشة دأبت المؤسسة على تنظيمها منذ عام 1978، حيث شارك فيها 17 فنانًا وفنانة، علاوة على ورشة الجداريات الخاصة بالأطفال، ومشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل.

كما عرفت الدورة الصيفية تنظيم ورشات تكوينية في مجال المسرح والتنمية الذاتية لفائدة الشباب والأطفال والأمهات، بشراكة مع جمعية “زيلي آرت” بفضاء دار الصباح للتضامن، إضافة إلى تنظيم ورشة في التربية الموسيقية لفائدة الأطفال، أشرف على تأطيرها موسيقيون من أصيلة بمعهد البحرين للموسيقى.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *