مهرجان سينمائي للأفلام الروسية في القاهرة… مشروع مُنتظر


ظلت السينما السوفييتية ممُثلة بالمهرجانات الفنية المُتخصصة بمصر لفترة طويلة، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيكه لعدة دول، كان الفيلم الروسي هو المُعادل الموضوعي للسينما الإنسانية التي تطرح قضايا جادة، بعيداً عن اشتهاء المال والأرباح، ونهم المُنتجين وشركات الإنتاج والتوزيع. وبانهيار الاتحاد السوفييتي، تراجع دور السينما بتراجع الدور الثقافي الروسي كله في مصر، حيث تغيرت السياسات وفقدت الثقافة تأثيرها الخاص، ومن ثم اتسعت المسافة بينها وبين الجمهور، بعد أن حلت الثقافة الأمريكية محل الروسية، فانتشرت موجات أفلام الأكشن والعنف، وشيوع الثقافة الاستهلاكية في مناحي الحياة كافة، بدءا من ثقافة الأكل والشُرب واللبس وتعدد محلات بيع الوجبات الأمريكية الجاهزة، كنتاكي وماكدونالدز وغيرها. كما أثر الانهيار السوفييتي أيضاً على التوجه الروسي نفسه، فبعد أن كانت هناك مشروعات حقيقية للتبادل الثقافي المصري، على مستوى الأدب والسينما والفنون الرفيعة، كالبالية والموسيقى، تقوضت بقوة مشاريع التواصل الثقافي في ظل اتجاه الشباب الروسي إلى الثقافة الأوروبية، وعمد النشء الجديد إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى، فزاد ذلك من ضعف العلاقة الثقافية بين مصر وروسيا.
وبعد الأنشطة المُكثفة للمركز الثقافي الروسي في القاهرة، والحضور الدائم للفيلم الروسي، أو السوفييتي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أصبحت المُشاركات شحيحة للغاية.
وبالتبعية ضعُفت حركة الترجمة الأدبية من اللغة الروسية إلى العربية والعكس، وخلت برامج المهرجانات من الأفلام الروسية نهائياً، وانكمش الدور الثقافي التنويري لمركز الثقافة الروسية ليُصبح مجرد بيت صغير يجتهد العاملون فيه في إعادة النشاط الثقافي والسينمائي له مرة أخرى، بمُحاولة إقامة الندوات والفعاليات الثقافية وتعميق الصداقة المصرية ـ الروسية على نحو مُثمر ومُفيد ثقافياً وتنويرياً، وربما سياسياً ودبلوماسياً، حيث ظلال الثقافة دائماً ما تكون مؤثرة في المشهد السياسي. وتعويضاً لغياب الدور الثقافي الروسي في القاهرة، الذي استمر طويلاً، تعود الآن العلاقات تدريجياً، بصور شتى، فمهرجان موسكو الذي اختفى من خريطة المهرجانات الدولية وضاع أثره الواضح في مصر، تتجدد فعالياته بشكل جديد عبر مهرجان آخر للسينما الروسية يحمل عنواناً مُختلفاً ويتم التجهيز له، حسب تصريحات المسؤول الثقافي في بيت الثقافة الروسي، شريف جاد الذي حضر مؤخراً أمسية ثقافية أقامها صالون فضاءات أم الدنيا، وسط القاهرة، وتحدث عن ملفات كثيرة جمعت بين الثقافة المصرية والروسية، وأشار إلى مشروعات مُحتملة في هذا الصدد.

وقد أوضح جاد في مُستهل اللقاء الأسبوعي للصالون الثقافي المذكور، الذي استهدف إلقاء الضوء على العلاقة الروسية المصرية، من خلال فتح حوار مطول حول أهم جوانب الالتقاء والتعاضد بين الثقافتين المصرية والروسية، في حضور صاحبة الصالون، الكاتبة الصحافية ولاء أبو ستيت، والشاعرة والناقدة منال رضوان وعدد من المُثقفين والكُتاب والمُهتمين بالشأن الثقافي. وعن ركائز التعاون الثقافي الروسي المصري في المرحلة المُقبلة وسُبل إزالة التحديات والعوائق، تحدث شريف جاد باستفاضة عن العلاقة التاريخية التي ربطت بين مصر والاتحاد السوفييتي في فترة الستينيات وكان لها أثر بالغ في إثراء الثقافتين المصرية والروسية. وألمح المسؤول في بيت الثقافة الروسي إلى فترة السبعينيات، وما اعتراها من فتور وتعكير للصفو بين البلدين، في ضوء الأزمة التي أحدثها الرئيس أنور السادات بطرده للخُبراء الروس قبل حرب 73 وأثرت سلباً على العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين. لكن بعد أن تم احتواء هذه الأزمة تحسنت العلاقة بشكل ملحوظ في فترة الثمانينيات، لكنها لم تكن بالقوة التي شهدتها فترة الستينيات.
ورداً على عدة محاور اقتربت منها الناقدة منال رضوان أثناء الحوار، أكد شريف جاد أن المقبل من الأيام سيؤكد عودة العلاقات الروسية المصرية إلى سابق عهدها، إبان فترات التعاون الوثيق والتبادل الثقافي المُثمر، فهناك تفاهمات بين وزارتي ثقافة البلدين على إقامة جسور ثقافية متينة تشمل الكثير من أوجه الفن والإبداع. وسوف تكون البداية من المُشاركة الروسية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة. كذلك يتم الاستعداد، كما أسلفنا، إلى إقامة مهرجان أو أسبوع للأفلام الروسية في القاهرة بترجمة عربية واختيار دقيق لأهم الأفلام الإنسانية المُتميزة، التي تُناسب ذوق الغالبية من الجمهور المصري، وتُعبر عن الهموم والقضايا المُشتركة بين الشعبين الصديقين.
وفي هذا الصدد كان لـ»القدس العربي» مُداخلة حول مُعطيات عودة العلاقات الثقافية والسينمائية بين البلدين، وسُبل المُحافظة عليها وثباتها لمواجهة الغزو الثقافي الأمريكي الذي يستهدف الهيمنة ونفي الثقافات الأخرى لتكون له السيطرة والغلبة. ومن جانبها أيضاً تحدثت الكاتبة الصحافية ولاء أبو ستيت عن دور المؤسسات الثقافية الداعم للثقافتين في إطار المشروعات المقبلة المُشتركة، التي تدفع بالمسيرة التنويرية والحضارية إلى الأمام في ظل التبادل الثقافي المأمول.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *