الدوحة- “القدس العربي”:
تتجه الأنظار في العالم العربي إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث تتهيأ الملاعب المونديالية لاستقبال النسخة الحادية عشرة من كأس العرب بمشاركة 16 منتخبًا يمثلون مختلف مناطق الوطن العربي، ضمن أجواء تتصاعد فيها التوقعات وتحتدم فيها النقاشات بشأن المنتخب الذي سيتمكن من التربع على منصة التتويج في اليوم الختامي الموافق للثامن عشر من ديسمبر.
الحدث الذي يحظى باعتراف كامل من الاتحاد الدولي لكرة القدم، ويُعد محطة تحضيرية لعدد من المنتخبات قبل استحقاقاتها العالمية المقبلة، يشكّل مناسبة رياضية وثقافية وإعلامية ضخمة مع استعداد قطر لاستقبال أعداد هائلة من الجماهير ووسائل الإعلام، إضافة إلى جاهزية المنشآت التي أثبتت قدرتها في بطولة كأس العالم 2022.
ومع اكتمال المجموعات الأربع واستعداد المنتخبات المتأهلة من التصفيات أو المصنّفة مباشرة لخوض غمار المنافسة، تنتشر تساؤلات واسعة حول المنتخب الذي يمكنه تجاوز الأدوار الحاسمة والوصول إلى منصة الذهب، وسط مجموعة قوية من المرشحين يتقدمها المغرب وقطر والسعودية والأردن، إضافة إلى منتخبات تمتلك القدرة على قلب التوقعات في أي لحظة.
في هذا التقرير، نرصد بدقة مشهد المنافسة، ونحلل المؤشرات الفنية، ونستعرض دوافع المنتخبات الكبرى، وصولًا إلى قراءة موسّعة حول هوية البطل الأقرب للخروج بالكأس في نسخة توصف بـ”القياسية” على مستوى التنظيم، الحضور الجماهيري، والجوائز المالية التي بلغت 36.5 مليون دولار.
مقدمة المشهد: بطولة بأبعاد جديدة ومنافسة ترتفع حرارتها
تستقبل قطر البطولة وهي تستند إلى خبرة تراكمت خلال السنوات الماضية، بدءًا من كأس العرب 2021، وصولًا إلى كأس العالم 2022، وما تلاهما من أحداث رياضية ضخمة. المنشآت الجاهزة، المرافق المتطورة، والقدرة التنظيمية العالية، جميعها عوامل تزيد من زخم البطولة.
في المقابل، لا تقلّ المنتخبات المشاركة استعدادًا، فسبعة منها تدخل البطولة بثوب المنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026، وهي: قطر، السعودية، المغرب، مصر، تونس، الجزائر، والأردن. هذا الحضور يمنح كأس العرب بعدًا جديدًا، حيث يتحول كل لقاء إلى اختبار فني حقيقي قبل المونديال.
تُقام المباريات على ستة ملاعب من أبرزها استاد لوسيل الذي يحتضن المباراة النهائية، في حين تعتمد اللجنة المنظمة نظامًا متكاملًا يمتد من منصة “هيا” إلى مناطق المشجعين في كتارا ومشيرب وسوق واقف ولوسيل.
وفي ظل هذا الإطار المتكامل، يصبح السؤال الأبرز: من يملك الأوراق الأثقل للوصول إلى منصة التتويج؟
المغرب.. تجربة راسخة وطموح يتغذى من نجاحات عالمية
يتصدر منتخب المغرب قائمة الترشيحات بحكم ما يمتلكه من رصيد فني كبير راكمته تجارب السنوات الأخيرة. فمنتخب أسود الأطلس يمثل اليوم أحد أقوى المشاريع الكروية في المنطقة بفضل التخطيط المستمر والنتائج البارزة التي حققها على الأصعدة كافة.
المغرب خرج من كأس العالم 2022 في قطر بإنجاز تاريخي بوصوله إلى المربع الذهبي، ثم أكمل سلسلة النجاح من خلال الفوز بكأس العالم للشباب في تشيلي، وحصد المركز الثالث في أولمبياد باريس 2024. هذا الزخم ينعكس مباشرة على الروح العامة داخل المنتخب وعلى ثقة الجمهور.
ورغم مشاركة المنتخب بقائمة تعتمد بصورة أساسية على لاعبين ينشطون في الدوريات العربية وقائمة المنتخب المحلي، إلا أن هذه المجموعة أثبتت قيمتها من خلال الفوز ببطولة أفريقيا للمحليين قبل فترة قصيرة. المجموعة تُظهر انسجامًا كبيرًا نتيجة خوضها العديد من المباريات المشتركة، الأمر الذي يقلل من احتمالات التذبذب ويرفع مستوى الجاهزية الجماعية.
كما أن المغرب يملك واحدًا من أكثر أجهزة الإعداد انتظامًا في المنطقة، سواء من ناحية التدريب أو التنظيم الإداري أو الرؤية البعيدة. وكل هذه المؤشرات تضعه في مقدمة المرشحين للذهاب بعيدًا في البطولة.
قطر.. شعار الأرض والجمهور واحترافية الجيل الذهبي
يدخل المنتخب القطري المنافسة وسط حالة من التفاؤل تغذيها عوامل داخلية وخارجية. فالتأهل إلى كأس العالم 2026 يمنح اللاعبين دفعة إضافية، إضافة إلى النمو الملحوظ الذي حققه الفريق خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد الفوز بلقب كأس آسيا 2023.
منتخب قطر يتمتع كذلك بميزة اللعب على أرضه ووسط جماهيره، ما يضاعف الحافز ويزيد من مستوى التركيز لدى اللاعبين. وقد أثبت المنتخب في أكثر من مناسبة قدرته على الاستفادة من هذه الميزة، سواء في البطولات المحلية أو القارية.
القائمة القطرية شبه مكتملة ويمثل أغلب عناصرها الجيل الذي خاض كأس آسيا الماضية وقدم أداءً ثابتًا. هذا الاستقرار ينعكس على أسلوب اللعب الذي يعتمد على التكتيك المتوازن بين الهجوم المنظم والدفاع الصلب.
وإضافة إلى الجانب الفني، يقدّم المنتخب القطري نموذجًا في الاحترافية والاستعداد المبكر، وهو ما يظهر بوضوح في اهتمام الجهاز الفني بمتابعة اللاعبين داخل أنديتهم وتجهيز العناصر التي تشغل المفاتيح المؤثرة في وسط الملعب والهجوم.
كل هذه العوامل تجعل قطر في الصدارة من حيث الجاهزية العملية، إضافة إلى دوافع جماهيرية كبيرة تسعى إلى رؤية العنابي على منصة التتويج في اليوم الوطني للدولة.
السعودية.. خبرة مدرب عالمي وطاقة فريق مونديالي
يتقدم المنتخب السعودي قائمة المرشحين بفضل مجموعة من العناصر المؤثرة التي تمنحه ثقلًا واضحًا. فالأخضر يعيش حالة معنوية مرتفعة بعد ضمان مكانه في كأس العالم 2026، ما ينعكس مباشرة على شخصية الفريق داخل الملعب.
ويمثل المدرب الفرنسي هيرفي رينارد أحد أكبر مصادر القوة لدى المنتخب السعودي. رينارد يمتلك سجلًا مميزًا في كرة القدم العربية والأفريقية، وخبرة واسعة في التعامل مع البطولات ذات الإيقاع العالي. علاقته القوية باللاعبين واستيعابه الدقيق لمواصفات اللاعب السعودي تمنح الأخضر ميزة إضافية في إدارة المباريات الصعبة.
إلى جانب ذلك، يمتلك المنتخب السعودي عددًا من اللاعبين الذين خاضوا تجارب قوية سواء على المستوى الإقليمي أو القاري، ويتمتعون بالخبرة اللازمة لخوض المواجهات الكبيرة.
ويُلاحظ أن المنتخب السعودي يعتمد في أدائه على الانضباط التكتيكي والتمركز الدقيق، إضافة إلى تنويع الخيارات الهجومية بين الأطراف وعمق الملعب، وهو ما يزيد من صعوبة مواجهته بالنسبة للمنتخبات الأخرى.
الأردن.. روح النشامى ودوافع آسيا والتأهل العالمي
بعد وصوله إلى نهائي كأس آسيا الأخير وتقديمه مستويات كبيرة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026، يدخل المنتخب الأردني البطولة بروح عالية ورغبة واضحة في انتزاع اللقب العربي للمرة الأولى.
يمتلك النشامى مجموعة مميزة من اللاعبين الذين شكلوا قاعدة ثابتة خلال العامين الأخيرين، وتتميز هذه المجموعة بانسجام كبير وقدرة واضحة على تنفيذ الخطط التكتيكية. كما يشتهر المنتخب الأردني بالحماس والرغبة المستمرة في مقارعة كبار المنطقة.
ويشارك المنتخب بقائمة شبه مكتملة باستثناء غياب موسى التعمري ويزن العرب، إلا أن العمود الفقري للفريق حاضر، إضافة إلى تطور ملحوظ في خط الوسط الذي يمثل محور القوة لدى النشامى.
بين روح الفريق، والاندفاع الإيجابي، والدوافع الكبيرة الناتجة عن التقدم في التصفيات العالمية، يبرز اسم الأردن كأحد أبرز القوى المتحفزة لصناعة المفاجأة والذهاب بعيدًا في البطولة.
الجزائر.. قوة تقليدية وروح منافسة متجددة
يحضر المنتخب الجزائري إلى الدوحة كواحد من المنتخبات التي اعتادت التواجد في المربع الذهبي للبطولات العربية والأفريقية. يمتلك “محاربو الصحراء” رصيدًا كبيرًا من المواهب وتجربة فريدة في البطولات التي تعتمد على القوة البدنية والإيقاع العالي.
وتتميز الجزائر بأسلوب لعب يعتمد على الضغط المتواصل والانتشار السريع، إضافة إلى روح المنافسة التي لطالما ميّزت الفريق. ورغم التغييرات التي شهدتها الكرة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المنتخب لا يزال واحدًا من أقوى المرشحين للتقدم في البطولة بفضل الخبرة والتاريخ وحضور اللاعبين المتمرسين.
سيناريوهات اللقب: موازين القوى ورحلة البحث عن التتويج
عند النظر إلى المشهد العام، يمكن تلخيص المؤشرات التي قد تحدد البطل المحتمل عبر ثلاثة عناصر رئيسية:
أولًا: الجاهزية الجماعية
تتفوق المغرب وقطر في هذا الجانب بحكم الاستقرار الفني، بينما تُعرف السعودية بانضباطها التكتيكي، في حين تعتمد الأردن على الروح الجماعية.
ثانيًا: نوعية اللاعبين
يمتلك المغرب قاعدة كبيرة من المواهب، بينما تمتاز قطر بتجانس عناصرها، ويمتلك السعوديون خبرات واسعة، في حين تملك الجزائر قدرة كبيرة على تنويع الحلول في الملعب.
ثالثًا: القدرة على التعامل مع الضغط
تتفوق قطر بحكم الأرض والجمهور، تليها المغرب بفضل الخبرة الحديثة في البطولات الكبرى، بينما يجيد السعوديون إدارة اللحظات الحرجة، ويتسلح الأردن بالاندفاع المعنوي وإرادة النشامى.
الخلاصة: لقب مفتوح واحتمالات متعددة
تجمع بطولة كأس العرب 2025 بين نخبة من المنتخبات العربية التي بلغت مستويات عالية من النضج الفني، وتخوض المنافسة وسط دوافع كبيرة قبل التوجه إلى كأس العالم. وبينما تظهر المغرب وقطر والسعودية والأردن في طليعة المرشحين، تتقدم الجزائر بدورها كقوة قادرة على قلب الحسابات.
ومع اقتراب صافرة البداية، يبدو السباق مفتوحًا على كل الاحتمالات. فالبطولة تمتلك هوية خاصة، والجماهير العربية تنتظر لحظات قد تُخلّد في الذاكرة، بينما تستعد المنتخبات لكتابة فصول جديدة من تاريخ كرة القدم العربية.
البطل القادم قد يكون من بين الأربعة الكبار، وقد يظهر اسم آخر يضيف عنصر المفاجأة. كرة القدم تقدم دائمًا أوراقًا جديدة، والدوحة ستحتضن خلال الأسابيع المقبلة مشهدًا رياضيًا مرشحًا لرسم ملامح نسخة تاريخية من كأس العرب.