“ماركسيون على سنة الله ورسوله” و”بيان مجلس قيادة الثورة”.. توترات داخل البرلمان المغربي على خلفية مشروع قانون العدول


الرباط- “القدس العربي”: تسللت إلى الجلسات العمومية للبرلمان المغربي تعبيرات جديدة وغير مألوفة، أثارت توتراً شديداً بين النواب. وكان النائب إدريس الشطيبي عن الفريق الاشتراكي، الذي ترأس الجلسة العامة يوم الاثنين، أبرز الشخصيات المرتبطة بهذا الجدل، حين خاطب نواب حزب “العدالة والتنمية” في لحظة انفعال قائلاً: “أنتم ماركسيون على سنة الله ورسوله”.

ورصد مراقبون أن المعارضة “وقعت في بعضها”، بعد أن كان الجدل محتدماً بين نواب الحزب الإسلامي ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي استخدم تعبير “بيان مجلس قيادة الثورة” للرد على نائبة إسلامية انتقدت تعديلات مشروع قانون يتعلق بمهنة العدول.

الجلسة المخصصة لـ”الأسئلة الشفوية” شهدت توتراً شديداً وطرد نائب برلماني، وتوقفت الأشغال لدقائق. وانطلقت شرارة الخلاف بعد طرح سؤال حول مشروع قانون مهنة العدول من قبل النائبة هند بناني الرطل عن حزب “العدالة والتنمية”، التي اعتبرت المشروع “انقلاباً على مخرجات الحوار الوطني، يُجهّز على مكتسبات العدول ويقلل من دور المهنيين ويكرّس تمييزاً بين المهن القانونية”، متهمةً المشروع بتهميش المرأة العدل والتعامل بطريقة ظالمة مع ملفات الدكاترة.

ورد وزير العدل بصيغة حادة، قائلاً إن النائبة تصدر “بيان مجلس قيادة الثورة” قبل قراءة القانون، مطالباً إياها بـ”قراءة النص أولاً” قبل إطلاق التصريحات.

وكان هذا الرد نقطة انفجار الخلاف، حيث عبّر نواب حزب “العدالة والتنمية” عن استياء شديد وطالب كل من عبد الصمد حيكر ومصطفى إبراهيمي بـ”احترام متبادل” ونقاش مسؤول، مع التركيز على الرد على الأسئلة المتعلقة بمهنة العدول فقط. ورد الوزير بأن انتقاد النائبة “أحكام جاهزة وبيان سياسي لا علاقة له بالنقاش القانوني”.

تصاعد التوتر مع استمرار الجدل وارتفاع الأصوات، ليصل إلى مشادة كلامية شملت رئيس الجلسة الشطيبي، الذي قرر طرد النائب عبد الصمد حيكر من القاعة. وزادت حدة الاستياء بعد أن خاطب الشطيبي نواب “العدالة والتنمية” بالقول: “أنتم ماركسيون على سنة الله ورسوله”، ما أدى إلى تعليق الجلسة لدقائق وسط احتجاجات واضحة.

وعلق بعض المدونين بسخرية على الموقف، معتبرين أن الجدل داخل البرلمان يشبه شعار إعلان تلفزيوني عربي مشهور: “مش هتقدر تغمض عينيك”، في إشارة إلى التوتر والانفعال والمشادات التي كادت أن تفقد النواب السيطرة على أعصابهم.

وعلق القيادي في “العدالة والتنمية” عبد العلي حامي الدين على سلوك وزير العدل واصفاً إياه بـ”الفهلوة”، معتبرًا أن الوزير حاول التغطية على فشله في الالتزام باتفاقه مع هيئة العدول، بعد رضوخه للضغط من لوبي الموثقين العصريين. وقال في تدوينة: “عجز الوزير عن الإجابة عن الملاحظات الدقيقة للنائبة هند بناني الرطل دفعه لافتعال أزمة لفظية وتوتير الجو لتحريف النقاش عن الموضوع الرئيسي”.

وأشار الناشط محمد إبراهيمي إلى أن النائب الاشتراكي ابتكر مفهوماً جديداً، حين اتهم نواباً إسلاميين بأنهم “ماركسيون على سنة الله ورسوله”، فقط لأنهم لم يحترموا الوقت والقانون الداخلي للبرلمان، معتبراً أن ذلك يعكس فجوة بين التاريخ الأيديولوجي للحزب الاشتراكي وسلوكه الحالي.

كما انتقدت الناشطة السياسية أمينة ماء العينين ما وصفته بـ”التحامل على مجموعة العدالة والتنمية داخل البرلمان”، معتبرة أن التشنج ومحاولات استنزاف نشاط النواب والإخلال بحرية التعبير كان الهدف منه كبح نشاطهم البرلماني الملاحظ. وأضافت أن المجموعة النيابية الصغيرة حجماً والكبيرة أداءً “تُحرج من حاول تحويل البرلمان إلى مؤسسة شكلية لا ترتقي لممارسة اختصاصاتها الدستورية”.

ورأى بعض المتتبعين أن جلسة الاثنين عمقت الفجوة داخل المعارضة، حيث بدا جلياً أن تجديد جسور الوفاق بين حزبي “الاتحاد الاشتراكي” و”العدالة والتنمية” مستبعد في الوقت الراهن، بالنظر إلى تراكم الخلافات السابقة حتى على مستوى قيادتي الحزبين.

وأشار مراقبون إلى أن وزير العدل يميل إلى الرد القاسي على نواب “العدالة والتنمية” الأكثر انتقاداً لمشاريع القوانين، بينما يؤكد أنصار الحزب الإسلامي أن مجموعتهم النيابية “على الهامش بالحساب الانتخابي الوهمي، وفي قلب المشهد بالحساب السياسي الواقعي”.

أما جذور الخلاف، فتعود إلى رفض حزب “العدالة والتنمية” لمشروع قانون مهنة العدول، واعتباره مساساً بمخرجات الحوار الوطني ومكتسبات مهنية ودستورية، مع انتقادات للنص لاحتوائه على “تمييز غير مبرر” وإقصاء دور المرأة العدل وتعليق حقوق الدكاترة رغم منحهم نظرياً حق الولوج.

واستمرت عبارة رئيس الجلسة في إثارة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها البعض “مأساة للنزاهة البرلمانية” تؤثر على جوهر النقاش الديمقراطي. كما أثار قرار طرد النائب عبد الصمد حيكر انتقادات، فيما رأى مؤيدو رئيس الجلسة أن الطرد كان ضرورياً لضبط النظام داخل القاعة.

ويشير محللون سياسيون إلى أن ما جرى يعكس التوتر العام في الساحة السياسية مع اقتراب الانتخابات، وصعوبة التوفيق بين “الإصلاح القانوني” و”الاعتبارات المهنية والمجتمعية”، مما يجعل أي تعديل قانوني محل مقاومة قوية ويزيد من حدة الاحتكاك السياسي.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *