لن نسمح لفرنسا وبريطانيا بـ”التمادي في الوقاحة”.. وستدفعان ثمناً لـ”استهتارهما السياسي الرخيص”


ران يشي

اعتراف بريطانيا وفرنسا هذا الأسبوع بدولة فلسطينية – في تناقض صارخ مع جميع الاتفاقات ذات الصلة التي كانتا طرفًا فيها كعضوين في مجلس الأمن الدولي وكعضوين (بريطانيا عضو سابق) في الاتحاد الأوروبي، بصفتهما «شاهدتين» تقريبًا – هو خطوة غير مسبوقة في جرأتها تجاه دولة ذات سيادة ما زالتا تدّعيان أنها “صديقة” بل حتى “حليفة”، وفي كل الأحوال شريكة في نادي الدول الديمقراطية.

لكن هذه الخطوة الفاضحة لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة لسياسة تجاهل إسرائيلية طويلة الأمد لاستفزازات متكررة، خصوصًا من جانب فرنسا، التي مسّت مرارًا وتكرارًا بمكانة إسرائيل كدولة مستقلة ذات سيادة وبمفهوم سيادتها في القدس.

تجاهل إسرائيل وثمنه

اختارت إسرائيل أن تغض الطرف – أو حتى “تدير الخد الآخر” – عن الصفعات التي تلقتها من هاتين الدولتين، إما على أمل أن تكون هذه خطوات بلا قيمة عملية، أو خشية من إثارة غضبهما. والواقع، تقريبًا، أن اعتراف فرنسا وبريطانيا بدولة فلسطينية لا يحمل أثرًا عمليًا مباشرًا في هذه المرحلة، إذ لن يتغير شيء على الأرض الآن.

مع ذلك، فإن هذه خطوة إضافية ستجعل من الصعب أكثر على إسرائيل أن تتحرك بشكل مستقل عند الحاجة، والتاريخ يثبت أن الحاجة دائمًا موجودة. وهناك نقطة أخرى، أصح وأكثر أهمية: بريطانيا، وخصوصًا فرنسا، لم تعُودا دولًا بمكانة تفرض على إسرائيل الخشية من “إغضابهما”. كما كتب إفرايم كيشون بعد حرب الأيام الستة ردًا على خيانة ديغول في فرنسا لإسرائيل وتركها فريسة للدول العربية التي حاولت تدميرها: “لم تعد هناك أربع قوى كبرى، بل اثنتان فقط”. فرنسا – وبريطانيا أيضًا – لم تعُودا منذ زمن دولًا ينبغي إيلاء اهتمام خاص لما تقولانه.

السفارات” في القدس – الوقاحة المستمرة

ومع ذلك، تسمح إسرائيل منذ عقود لهاتين الدولتين بالاحتفاظ في عاصمة الدولة، القدس الموحّدة، بـ”سفارات” للسلطة الفلسطينية. فالقنصليتان العامتان البريطانية والفرنسية في القدس تعملان فعليًا، بل ورسمياً إلى حد كبير، كسفارات لبلديهما في رام الله. رؤساؤهما وممثلوهما معتمدون لدى السلطة الفلسطينية ويعملون حصريًا مع مسؤوليها. ومع ذلك، فإن جميع الامتيازات والتسهيلات والحقوق الدبلوماسية يحصلون عليها من إسرائيل، بالكامل.

بماذا يشبه ذلك؟ أن تقيم إسرائيل قنصلية عامة في لندن وتعلن أنها سفارة إسرائيل في جبل طارق (وهو إقليم محل نزاع بين إسبانيا وبريطانيا)، أو أن تحتفظ بقنصلية في باريس وتعلن أنها سفارة إسرائيل للمستعمرات الفرنسية وراء البحار – تلك التي قررت إسرائيل الاعتراف باستقلالها بشكل أحادي.

نتائج التغاضي والنشاطات التخريبية

إن هذا التغاضي الإسرائيلي عن الوقاحة البريطانية، وخاصة الفرنسية، لم يؤدِّ إلى أي تهدئة سياسية كما كان متوقعًا، بل شجع الدولتين المتجرئتين على الاستمرار في تصعيد خطواتهما، وصولًا إلى الخطوة الأخيرة (حتى الآن) الراهنة. لكن الطريق كان مليئًا بالإشارات، خصوصًا من جانب القنصلية الفرنسية – أحداث لا تُحصى من دعم مؤسسات مؤيدة للإرهاب أو لحملات المقاطعة أو للتحريض في القدس، مثل مركز “يبوس”، و”البستان” في سلوان، وتوزيع كتب إرهابيين برعاية القنصلية أو بدعمها، وغير ذلك.

إضافة إلى ذلك، فإن بريطانيا وفرنسا تدعمان البناء الفلسطيني غير القانوني في مناطق C، خلافًا للاتفاقيات، خصوصًا في محيط القدس – وذلك بهدف عرقلة تطور عاصمة إسرائيل لصالح “العاصمة” الفلسطينية. كل هذا وغيره جرى تحت رعاية التغاضي والصمت الإسرائيلي المتواصل منذ سنوات.

الأوراق الإسرائيلية في المواجهة

لكن الأمر ليس قدرًا محتومًا. لدى إسرائيل أوراق عديدة ومؤثرة في المواجهة السياسية مع هاتين الدولتين، اللتين يزخر تاريخهما بالاحتلالات والاستعباد وجرائم القتل ونهب شعوب كثيرة حول العالم على مدى قرون. الهدف الأول، الطبيعي والمشروع والأسهل تنفيذًا، هو وقف عمل قنصلياتهما في القدس. يمكن منذ الآن اتخاذ سلسلة خطوات، ضمن صلاحيات إسرائيلية حصرية وكاملة، وبمستوى صعوبة لا يتعدى كتابة رسائل وإرسالها عبر البريد الإلكتروني، وذلك لتوضح لفرنسا وبريطانيا أن هناك ثمنًا سياسيًا باهظًا للاستهتار السياسي الرخيص.

الخطوات المطلوب تنفيذها

الخطوات المطلوبة واضحة وبسيطة:

*سحب تأشيرات العمل – أي دبلوماسي لا يُعتمد رسميًا وعمليًا في دولة إسرائيل لن يحصل على تأشيرة إسرائيلية، وعليه الإقامة فقط في مناطق السلطة الفلسطينية، مع سحب حقه في حرية الحركة.

*إلغاء لوحات التعريف القنصلية للمركبات – كل مركبة لا يستخدمها دبلوماسيون معتمدون في إسرائيل لن تتمتع بلوحات التعريف الخاصة.

*إلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة – القنصلية وموظفوها سيدفعون ضريبة القيمة المضافة مثل أي كيان غير دبلوماسي آخر يعمل داخل دولة ذات سيادة.

*إلغاء أماكن الاصطفاف المخصصة – هذا الامتياز سيسحب بشكل فوري.

*فحص قانونية المباني – يجب إجراء مراجعة شاملة لرخص البناء القائمة، من خلال قسم الرقابة في بلدية القدس.

*مراجعة نشاط المؤسسات التابعة – معهد رومان غاري والمعهد الفرنسي يعملان تحت مظلة القنصلية؛ ينبغي إعادة النظر في وضعهما القانوني.

*إلغاء تصاريح السلاح – الحراس والدركيون والجنود الفرنسيون العاملون في القنصلية لن يُسمح لهم بحمل السلاح داخل القدس أو في أي مكان في إسرائيل، إلا إذا كانوا موظفي سفارة فرنسا الرسمية في إسرائيل.

* إعادة النظر في وضع المجمعات الفرنسية – يجب تسوية وضع المجمعات الأربعة في القدس ومحيطها مع مجمعات مماثلة، مع إلغاء أي امتيازات خاصة.

*النتيجة المباشرة – سيسحب أي وضع دبلوماسي أو قنصلي وأي حصانة مرتبطة به من كل من لا يُعتمد في إسرائيل ولا يعمل مباشرة مع وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس.

الشرط الإسرائيلي

دولة إسرائيل ستضع شرطًا واضحًا أمام فرنسا وبريطانيا: يُسمح للقنصليات في القدس بالاستمرار في العمل فقط كفروع تابعة للسفارة في تل أبيب، تمامًا كما تعمل القنصلية الفرنسية في حيفا. وبهذا تُظهر إسرائيل سخاءً كبيرًا، بالنظر إلى أن فرنسا وبريطانيا اختارتا أن تضعا سفارتيهما في تل أبيب وليس في عاصمة الدولة. وفي حال رفضت الدولتان هذا الشرط، فسيجري تفعيل جميع الخطوات العملية المذكورة أعلاه فورًا، إلى جانب خطوات إضافية.

هذه الإجراءات ونتائجها ضرورية من أجل الحفاظ على سيادة إسرائيل في القدس وتعزيزها، وصون حدود الدولة القانونية، وفي الوقت نفسه ستُسهم في منع استمرار النشاط السياسي الهدام من قبل دول أجنبية في القدس وفي إسرائيل.

الكاتب شغل في الماضي منصب المدير العام لوزارة شؤون القدس وسفيرًا في وزارة الخارجية، ويشغل اليوم منصب رئيس قسم الأبحاث في “مركز القدس للسياسات التطبيقية” (JCAP).

معاريف 23/9/2025



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *