لندن ـ “القدس العربي”:
نشر أنتوني بيلانغر، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، مقالا بعنوان “غزة أصبحت مقبرةً للصحافة..قتل الصحافيين هو قتلٌ للحقيقة” في صحيفة “الغارديان” البريطانية من أنه “بقبول بقتل الصحافيين في غزة، فإننا نمهد الطريق لأنظمة أخرى لاعتبار قتل الصحفيين أداة حرب مقبولة”.
وشدد على أنه “لن يرحم التاريخ إلا الشهود في غزة، سيتذكر اسم أنس الشريف، مراسل الجزيرة الشاب الذي قلته إسرائيل في 10 آب/ أغسطس 2025. وسيتذكر أيضا 222 صحفيا فلسطينيا آخرين قتلتهم إسرائيل خلال العامين الماضيين، وفقا لرصد الاتحاد الدولي للصحافيين. لكن أولئك الذين اختاروا القضاء على هؤلاء الإعلاميين سيظلون مدانين إلى الأبد”.
وأضاف بيلانغر وهو صحافي ونقابي بلجيكي ـ فرنسي أنه لمدة 24 شهرا، أصبحت غزة أخطر مكان في العالم لممارسة مهنة الصحافة. وتمنع إسرائيل الصحافيين الأجانب من دخول القطاع، لذا تعتمد الحقيقة حصريا على الصحافيين الفلسطينيين – وجميعهم تقريبا أعضاء في نقابة الصحافيين الفلسطينيين، التابعة للاتحاد الدولي للصحافيين. في كثير من الأحيان يعملون دون حماية ودون ملاذ لعائلاتهم. وفي كثير من الأحيان، يستهدفون بشكل مباشر.
وأكد بيلانغر وهو حاصل على دكتوراه في التاريخ أن مهنة الصحافة لم تشهد من قبل مذبحة كهذه في صفوفها. لم يسجل الاتحاد الدولي للصحافيين، الذي تأسس عام 1926 ويحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه في باريس في أيار/ مايو 2026، أي عدد وفيات مماثل منذ تأسيسه، لا خلال الحرب العالمية الثانية، ولا في فيتنام أو كوريا أو سوريا أو أفغانستان أو العراق. لقد أصبحت غزة أسوأ مقبرة للصحافيين في التاريخ المعاصر.
لن يرحم التاريخ إلا الشهود في غزة، سيتذكر اسم أنس الشريف، مراسل الجزيرة الشاب الذي قلته إسرائيل وأيضا 222 صحفيا فلسطينيا آخرين قتلتهم إسرائيل خلال العامين الماضيين
وأضاف أن هذه ليست سلسلة من المآسي العرضية. إنها استراتيجية واضحة: قتل الشهود، وإغلاق غزة، وتقييد الرواية. وأن منع الصحافة الدولية من الدخول يعني إسكات المراقبين الأجانب المستقلين لهذا الصراع. وفي الوقت الذي يعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإعادة احتلال غزة، فإن السيطرة على الرواية لا تقل أهمية عن السيطرة على المنطقة نفسها. فالاحتلال يعني أيضا محو الأنقاض والقتلى والناجين وأولئك الذين يروون قصصهم.
وذكر أنه من الحدود الشمالية إلى مدينة غزة، أجبر مئات الآلاف من السكان على الفرار جنوبا. لكن حتى هناك، لا يمثل الجنوب ملاذا آمنا ولا مخرجا. العائلات مكتظة، محاصرة بين القنابل والبحر، دون أي سبيل للهروب من فظائع هذه الحرب. هذا الواقع من الحصار الشامل هو أيضا واقع الصحافيين، المحكوم عليهم بالعمل في جيب معزول حيث يصبح البقاء على قيد الحياة أكثر استحالة يوما بعد يوم.
واعتبر أنه في هذا السياق، يعد اعتراف عدد متزايد من الدول في الأمم المتحدة بدولة فلسطين رمزيا. لكنه يأتي متأخرا جدا. فهو لا يحمي الأحياء ولا ينصف الأموات. الدبلوماسية تلحق بالتاريخ، ولكن فقط بعد وقوع ما لا يمكن إصلاحه.
وتساءل الكاتب: فمن يحمي هؤلاء الشهود إذن؟ ليست الأمم المتحدة المشلولة ولا القوى الكبرى، المتواطئة بتزويدها بالأسلحة وصمتها. ويواصل الصحافيون الفلسطينيون مهمتهم وحيدين، حتى الإرهاق، حتى الموت.
وأكد أن من جانبه، يتخذ الاتحاد الدولي للصحافيين إجراءات ميدانية ـ بحسبه ـ فهو يدعم الصحافيين وعائلاتهم بشكل مباشر من خلال صندوق السلامة الدولي التابع له. وهو يروي الحياة اليومية لزملائه، سامي أبو سالم وغادة الخضر وآخرين، حتى لا يقتصر واقعهم القاسي على مجرد إحصائيات. ويدعو منذ سنوات عديدة إلى اتفاقية دولية للأمم المتحدة تلزم الدول بحماية الصحفيين ومعاقبة قاتليهم. وإلى أن تطبق هذه الاتفاقية، سيسود الإفلات من العقاب ويحمي القادة الإسرائيليين المسؤولين عن هذه الجرائم.
وختم بالقول إنه من التذكيرات الأساسية التي دأب الاتحاد الدولي للصحافيين على تكرارها لسنوات للصحافيين والإعلاميين حاملي بطاقات الصحافة الدولية: “لا قصة تساوي حياة إنسان”. هذا ليس شعارا، بل قاعدة بقاء. ومهمة الصحافيين ليست الموت شهداء، بل العمل بأمان. حمايتهم مسؤولية جماعية. كل خوذة، وكل سترة واقية من الرصاص، وكل دورة تدريبية في مجال السلامة والبيئة المعادية، أمرٌ بالغ الأهمية.