في نيويورك.. مفاوضات الفرصة الأخيرة من أجل غزة


باريس- “القدس العربي”: تحت عنوان “في نيويورك.. مفاوضات الفرصة الأخيرة من أجل غزة”، قال موقع “ميديا بارت” إن المفاوضات حول مستقبل القطاع أخذت منعطفًا استراتيجيًا قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تسود هذه الأيام في ممرات مقر المنظمة أجواء من الإلحاح. فهناك شعور بأن نافذة الفرصة أمام المجتمع الدولي لوقف الآلة الإبادية التي تواصلها إسرائيل في قطاع غزة توشك أن تُغلق. فإما أن تنجح الدول العربية في إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إلى خطة سلام، أو تتمكن إسرائيل من المضي في مشروعها التدميري.

يُنظر إلى عودة جاريد كوشنر إلى مسار النقاشات كعامل حاسم في المعادلة الجديدة. فصهر ترامب، مهندس اتفاقات أبراهام، يُعد داعماً راسخاً لإسرائيل، لكنه يدافع عن منطق التنازلات المتبادلة

في البعثة الفرنسية – يضيف “ميديا بارت” – بدا وكأن تفاؤلًا غير مسبوق بدأ يلوح بعد اليوم الذي قضاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقر المنظمة يوم الثلاثاء. وقال مصدر رسمي فرنسي رفيع المستوى صباح اليوم التالي: “الموعد في نهاية الأسبوع”. فبعد أن كانت باريس محور الاهتمام يوم الإثنين، إثر إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، عادت المفاوضات الدبلوماسية لتستعيد مركز ثقلها الطبيعي بين واشنطن والشرق الأوسط.
وبينما كان كثيرون يتوقعون ردًا قويًا من الولايات المتحدة، المعارِضة بشدة لمبدأ الاعتراف، تميز ترامب بقدر غير معتاد من التروي حين علّق على قرار نظيره الفرنسي. وقال أمام وسائل الإعلام: “أعتقد أن ذلك يشرّف حماس، ولا يمكننا أن نفعل ذلك بعد ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023″، وذلك خلال لقاء ثنائي أطلق فيه رغم ذلك العديد من عبارات المجاملة تجاه حليفه “إيمانويل”. وفي عالم الدبلوماسية المميّز، فُسِّر الرد الأمريكي على أنه المستوى الأول من الرفض، بعيدًا عن التشدّد اللفظي أو الإجراءات العقابية التي يُعرف عن ترامب لجوؤه إليها، كما يقول “ميديا بارت”.
وترى باريس في ذلك علامة على تحرك الولايات المتحدة، بل وحتى شكلًا من أشكال الاحترام للنشاط الدبلوماسي الفرنسي. لكن يمكن أيضًا فهم قراءة أكثر قسوة: فاندفاع الغرب نحو الاعتراف بفلسطين لا يهم ترامب في العمق، فهو يعبّر عن معارضته بدافع الولاء لإسرائيل، لكن بالنسبة لزعيم مولع بالصفقات والنتائج، فكل ذلك يدخل في باب “الفولكلور”: كلمات ومبادئ كبرى لا تغيّر شيئًا من الواقع، كما يضيف الموقع.
وقد واجهت فرنسا صعوبات كبيرة لانتزاع اللقاء القصير بين الرئيسين. إذ قال ماكرون لترامب خلال مكالمة هاتفية صوّرها موقع “Brut”: “أود أن تكون لنا مناقشة قصيرة مع قطر ومعك حول الوضع في غزة”. وفي النهاية، نجح في إدراج نفسه في جدول الرئيس الأمريكي المزدحم لنحو ثلاثين دقيقة.
غير أن اللحظة الحاسمة في اليوم جاءت لاحقًا بعد الظهر، خلال اللقاء الذي كان مبرمجًا بين ترامب وزعماء ومسؤولين من دول عربية ومسلمة، بينهم أمير قطر، ملك الأردن، رئيس تركيا، وممثلون عن السعودية، الإمارات ومصر. واعتبر الرئيس الأمريكي أن هذا اللقاء هو الأهم، معتبرًا أن “حول الطاولة اجتمعت المجموعة التي يمكنها أن تنجح”.
ومضى “ميديا بارت” قائلًا إن هناك إلحاحًا متزايدًا مع اقتراب وصول نتنياهو إلى نيويورك يوم الجمعة لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أن يلتقي ترامب على الأرجح يوم الإثنين المقبل. ويأتي ذلك وسط حالة من الارتباك تسود الأوساط الدبلوماسية الغربية حيال ردّ الفعل المحتمل من رئيس الوزراء الإسرائيلي على موجة الاعترافات الغربية الأخيرة بدولة فلسطين. وينقل “ميديا بارت” عن دبلوماسي فرنسي قوله: “الأولوية الأولى هي ألا تتخذ إسرائيل قرارات لا رجعة فيها”، في إشارة إلى التهديدات الإسرائيلية بضم جزئي أو كامل للضفة الغربية.

تحركات ترامب.. التخلي عن مشاريع “ريفييرا” العبثية

كان الهدف من القمة بين ترامب والدول العربية والمسلمة التوصل، قبل يوم الجمعة، إلى صياغة مقترح لوقف إطلاق النار مقبول من الأطراف المختلفة. ورغم أن مضمون المقترح الأمريكي لم يتسرّب بعد، إلا أن بوادر تحوّل في موقف واشنطن باتت ملموسة. فكما في الملف الأوكراني، توقفت إدارة ترامب عن اعتبار أن المهم فقط هو وقف القتال، وتأجيل البحث في “اليوم التالي” إلى أجل غير مسمى، يوضح “ميديا بارت”.

في هذا الصدد، يُنظر إلى عودة جاريد كوشنر إلى مسار النقاشات كعامل حاسم في المعادلة الجديدة. فصهر ترامب، مهندس اتفاقات أبراهام عام 2020، يُعد داعمًا راسخًا لإسرائيل، لكنه يدافع عن منطق التنازلات المتبادلة، وهو ما يروق لعدة عواصم، بينها باريس. وقد عمل مؤخرًا مع توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المكلّف من ترامب، على تحديث الموقف الأمريكي من غزة. فتم التخلي – مثلًا – عن مشاريع “ريفييرا” العبثية والمدمرة، كما يقول الموقع.
الرغبة الأمريكية الآن هي أن تتولى القوى الإقليمية مسؤولية تأمين وإعادة إعمار قطاع غزة فور توقف الأعمال القتالية. لكن لا السعودية ولا الإمارات ولا غيرهما يريدون أن يظهروا بمظهر القوى التابعة للاحتلال. وقد أوضحوا أن دعمهم المالي والعسكري لن يكون ممكنًا إلا بشرط قيام دولة فلسطينية حقيقية وربط مهمتهم بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، كأداة أساسية للشرعية في نظرهم، يتابع “ميديا بارت”.
ويبدو أن الأمريكيين أبدوا بعض المرونة في هذا الجانب، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقول إن الاجتماع كان “مثمراً للغاية”. لكن ما تزال نقاط حساسة معلّقة: ماذا عن الحدود والأراضي المحتلة؟ من مشروع الضم المعروف بـ”E1″ إلى فكرة فصل ملفي غزة والضفة، مرورًا بعمليات تهجير واسعة، فإن الطروحات الأمريكية مقلقة للغاية، يقول الموقع الاستقصائي الفرنسي.
وقد أعلنت الإمارات رسميًا أن ضم الضفة الغربية “خط أحمر” سيؤدي إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل. وقالت الدبلوماسية لانا نسيبة باسم أبوظبي: “نعمل على توسيع اتفاقات أبراهام، لا على تدمير حل الدولتين”. لكن يبقى السؤال: هل تملك قوى الخليج القدرة والإرادة فعلًا لمواجهة دونالد ترامب؟، يتساءل “ميديا بارت”.

ميديا بارت: هل تملك قوى الخليج القدرة والإرادة فعلاً لمواجهة دونالد ترامب؟

قضايا كبرى ما تزال عالقة

ومضى “ميديا بارت” معتبرًا أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الجمعة، ستوجه الولايات المتحدة ضغطها نحو حليفتها إسرائيل. أما إذا لم يحصل ذلك، فسيكون للأخيرة مطلق الحرية في مواصلة مخططاتها الإبادية داخل قطاع غزة. وأكد مصدر رسمي فرنسي لـ”ميديا بارت” أنه من الصعب تخيل نتنياهو “يفكك منطق اتفاقات أبراهام التي يوليها ترامب أهمية كبرى” ويستمر في سياسة الهروب إلى الأمام.
الشق الثاني من النقاش سيتركز على “اليوم التالي” – يتابع “ميديا بارت” – ففكرة مهمة دولية لتحقيق الاستقرار باتت تحظى بتوافق متزايد في نيويورك، لكن تفاصيلها العملية ما تزال غامضة، حيث إن الجميع يعلن استعداده للمساهمة ماليًا، لكن إندونيسيا وحدها عبّرت عن عزمها إرسال قوات لتأمين غزة. أما الآخرون، فيلتزمون صمتًا متعمدًا، يقول “ميديا بارت”.
أما مسألة الحكم فستثير بدورها توترات كثيرة، يضيف “ميديا بارت”، مشيرًا إلى ما أوردته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” من أن واشنطن تدعم منذ أيام مقترح توني بلير بإنشاء سلطة دولية مؤلفة من تكنوقراط أجانب ومسؤولين فلسطينيين لإدارة غزة. بينما تدعو باريس، مع آخرين، إلى تعزيز دور وشرعية السلطة الفلسطينية، التي تقول إنها قادرة على تنظيم انتخابات خلال ستة أشهر، بما في ذلك في القدس الشرقية وغزة.
وفي هذه المرحلة من النقاشات، تأمل باريس أن تُكافأ جهودها الدبلوماسية، إذ يوصف تبني 142 دولة لـ”إعلان نيويورك”، الذي يدعو إلى الاعتراف بفلسطين، ونزع سلاح “حماس”، وإنشاء مؤسسة إقليمية تضم إسرائيل وجيرانها العرب، بأنه “انتصار تاريخي لفرنسا”، على حد وصف السلطة التنفيذية الفرنسية. وما زالت الخارجية الفرنسية تأمل في إقناع الولايات المتحدة بالانضمام. ويؤكد الجانب الفرنسي: “الأمور بدأت تترابط”.
وفي غزة – يواصل “ميديا بارت” – كما كل يوم منذ نحو عامين، تتكدس الجثث، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي. وقال الملك عبد الله الثاني ملك الأردن في خطابه يوم الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إلى متى سنستمر في الكلام قبل أن نجد حلاً ملموسًا؟”.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *