عزلة إسرائيل لا تعني لها الكثير طالما لم تدفع الثمن أو تواجه تداعيات


لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا لمديرة مكتبها في الخليج، سوزانا جورج، قالت فيه إن سلسلة من التطورات، من بينها إعلان دول عدة نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، واتهامات متصاعدة بارتكاب إبادة جماعية، وتوبيخات رفيعة المستوى بشأن الأوضاع الإنسانية في غزة، إضافة إلى تهديدات تجارية متزايدة، ساهمت جميعها في زيادة عزلة إسرائيل، في وقت يستعد فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع.

وأشارت الصحيفة إلى أن صداقات إسرائيل التقليدية تشهد توترا متزايدا، وأن شركات إسرائيلية تواجه مقاطعة، فيما تتنامى الدعوات لاستبعاد إسرائيل من فعاليات ثقافية ورياضية دولية. إلا أن هذه التحركات لم تترك أثرا يُذكر على سياسات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. فبالرغم من الاعتراضات الدولية، واصلت القوات الإسرائيلية توغلها في مدينة غزة، كما استهدفت مؤخرا قيادة حماس في قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة.

الضغط الدبلوماسي وحده لن يغير سياسة إسرائيل ما لم يقترن بـ”تكاليف أو عواقب جسيمة وخطيرة”

وقال آرون ديفيد ميلر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمفاوض الأمريكي السابق، إن الضغط الدبلوماسي وحده لن يغير سياسة إسرائيل ما لم يقترن بـ”تكاليف أو عواقب جسيمة وخطيرة”. وأضاف: “كل هذا الاعتراف هو رد فعل على المأساة الإنسانية، وعلى الغضب من الارتفاع الهائل في أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لكنه لا يؤثر على مسار أو استراتيجيات إسرائيل”.

ورأت الصحيفة أن العزلة الأعمق ستعني اتخاذ خطوات ملموسة، مثل فرض قيود على التجارة، أو منع العلماء الإسرائيليين من الشراكة البحثية مع أوروبا، أو تقييد السفر، أو منع الرياضيين الإسرائيليين من المشاركة في الأولمبياد. ورغم أن شيئا من هذا لم يحدث بعد، فإن القادة الأوروبيين يبدون استعدادا أكبر لتشديد مواقفهم، بينما تبدو إسرائيل مصممة على المضي في نهجها طويل الأمد.

وعلى الرغم من تعليق بريطانيا محادثات اتفاقية تجارية جديدة مع إسرائيل في أيار/ مايو الماضي بسبب الحرب على غزة، وتعهد الاتحاد الأوروبي بمراجعة سياساته التجارية، لا تزال الترتيبات القائمة سارية إلى حد كبير. فقد دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذا الشهر إلى تعليق اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، لكن من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتمكن من التوصل إلى إجماع بهذا الشأن.

وفي المقابل، تواصل وزارة الدفاع الإسرائيلية الإعلان عن صادرات أسلحة قياسية، إذ بلغت 14.8 مليار دولار عام 2024، أكثر من نصفها ذهب إلى دول أوروبية، وفق بيانات رسمية. ولم توقف سوى قلة من الدول مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل؛ فألمانيا منعت ما قد يُستخدم في غزة لكنها واصلت بيع أنظمة أخرى، فيما ألغت إسبانيا بعض الطلبات الأسبوع الماضي.

ولفتت الصحيفة إلى أن بريطانيا وفرنسا وكندا اعترفت هذا الأسبوع بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لتنضم إلى أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء المنظمة الدولية، وأكثر من نصف أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين سبق أن اتخذوا هذه الخطوة. ورغم أن الاعتراف لا يرفع مكانة فلسطين إلى ما بعد صفة “مراقب غير عضو”، التي حصلت عليها عام 2012، فإن ذلك يتطلب تصويتًا في مجلس الأمن، حيث تملك الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو). ومع ذلك، اعتبر ميلر أن “الإسرائيليين أكثر توترًا مما يبدون”.

رغم أن الاعتراف لا يرفع مكانة فلسطين إلى ما بعد صفة “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة، إلا أن الإسرائيليين أكثر توترا مما يبدون

وقد أقر نتنياهو بعزلة إسرائيل، لكنه وصفها بأنها نتيجة حتمية لمساعيه في “الحفاظ على أمن إسرائيل”. وفي كلمة له هذا الشهر، دعا الإسرائيليين إلى مزيد من الاعتماد على الذات، متحدثا عن بناء مجتمع “إسبرطة الخارق”، في إشارة إلى المدينة-الدولة اليونانية القديمة التي اشتهرت بالانضباط والعسكرة والاكتفاء الذاتي.

من جانب آخر، يجادل المسؤولون الأوروبيون بأن حرب إسرائيل في غزة تجعلها، ومعها العالم، أقل أمنا. وقال مسؤول في المكتب الرئاسي الفرنسي، طالبا عدم الكشف عن اسمه: “نكرر للسلطات الإسرائيلية أن ما يجري ليس في مصلحة المجتمع الإسرائيلي، ولا في مصلحة المنطقة. فالتصعيد المستمر لا يجلب سوى حرب دائمة على إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها”.

وذكرت الصحيفة أن حرب غزة، التي اندلعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، باتت الأكثر دموية وتدميرا في تاريخ الصراع، حيث قُتل أكثر من 65 ألف شخص في القطاع، بينهم 18,500 طفل، وفق وزارة الصحة في غزة. وقد سُويت أحياء كاملة بالأرض بفعل الغارات، ودُمّرت البنية التحتية الحيوية، فيما تُتوقع مجاعة واسعة بعد تأكد انتشارها في مدينة غزة في آب/ أغسطس الماضي.

وازداد الغضب العالمي إزاء الظروف الإنسانية الكارثية في غزة، لا سيما مع تفشي المجاعة، حيث يطالب المتظاهرون في أوروبا وأماكن أخرى قادتهم بالتحرك. ففي إيطاليا، شارك آلاف العمال والطلاب هذا الأسبوع في إضراب وطني شلّ الموانئ وبعض وسائل النقل العام، في خطوة ضغط على السياسيين الأوروبيين للتحرك.

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ست مرات في مجلس الأمن لإجهاض قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، مما حمى إسرائيل من عواقب مباشرة. لكن محللين قالوا إن الخطوات الأوروبية قيد الدراسة، مثل تعليق التجارة الحرة وفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين ومستوطني الضفة، قد تمثل ضغوطا فعلية إذا أقرت. وتدعو كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الدول الأعضاء إلى تبني هذه الإجراءات و”الضغط على إسرائيل لتغيير مسارها”.

وتشمل العقوبات المقترحة تجميد أصول بعض الوزراء الإسرائيليين ومنعهم من السفر داخل الاتحاد الأوروبي. لكن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اعتبر أن هذه الإجراءات “لن تجدي نفعا”، مضيفًا: “لن نخضع للتهديدات طالما أن أمن إسرائيل على المحك”.

الغضب الشعبي العالمي المتزايد إزاء إسرائيل قد يغير المعادلة، إذ إن المشكلة الحقيقية لها ليست في المدى القصير، بل في المسار طويل الأمد

في المقابل، يتزايد الزخم في المجال الثقافي. فقد هددت إسبانيا وأيرلندا وهولندا بمقاطعة مسابقة يوروفيجن 2026 إذا شاركت فيها إسرائيل، بينما دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى استبعاد إسرائيل من جميع الأنشطة الرياضية الدولية، على غرار ما جرى مع روسيا بعد غزو أوكرانيا. وفي الولايات المتحدة، وقّع أكثر من 4000 عامل سينمائي، بينهم نجوم بارزون، تعهدا بمقاطعة بعض المؤسسات السينمائية الإسرائيلية.

وقال جوناثان بانيكوف، المسؤول السابق في الاستخبارات الأمريكية ومدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي، إن كثيرا من الإسرائيليين “يقللون من شأن” حجم الغضب العالمي إزاء الحرب في غزة، ويعتقدون أن “قدرات إسرائيل الدفاعية والعسكرية والتكنولوجية تجعل الدول دائما راغبة في التعامل معها”. لكنه حذّر من أن “الغضب الشعبي المتزايد قد يغير المعادلة”، مضيفا: “المشكلة الحقيقية لإسرائيل ليست في المدى القصير، بل في المسار طويل الأمد”.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *