غزة: طالت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ عامين بقطاع غزة خطباء وأئمة مساجد ودعاة دين مسلمين ودور عبادة إسلامية ومسيحية، في استهداف متعمد “للمرجعية الأخلاقية” للمجتمع الفلسطيني.
واتبعت إسرائيل عدة طرق وصفها مسؤولون فلسطينيون بـ”الوحشية” من أجل بث الفوضى وتفريغ المجتمع من محتواه “الديني والروحي” وتدميره، بدءا باستهداف عناصر الأمن المدني، مرورا بتسليح عصابات لسرقة المساعدات الإنسانية، وصولا إلى استهداف رجال الدين ودور العبادة.
ومنذ بدء الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قتلت إسرائيل 233 خطيبا وواعظا وإماما وداعية من المسلمين، و20 مسيحيا في هجمات إسرائيلية استهدفت أنحاء مختلفة من القطاع، وفق مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة.
فيما دمرت إسرائيل منذ بدء الإبادة، وفق آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي نشرها الأحد، ما يزيد عن 835 مسجدا بشكل كامل، وأكثر من 180 مسجدا بشكل جزئي، كما استهدفت 3 كنائس رئيسية لأكثر من مرة.
“خلق فراغ روحي”
الثوابتة قال في حديثه للأناضول، إن علماء الدين المستهدفين يمثلون “ركائز أساسية في ترسيخ القيم الوطنية والدينية، وتثبيت روح الصمود في وجه العدوان وحرب الإبادة، وتعزيز التماسك الاجتماعي”.
وأوضح أن عمليات القتل المُمنهجة التي تستهدف علماء الدين “تسعى إلى إضعاف الروح المعنوية للمجتمع الفلسطيني، وإسكات الخطاب الديني والوطني الذي يفضح جرائم الاحتلال”.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تسعى إلى “إفراغ الساحة الفلسطينية من رموزها المؤثرة والقادرة على تعبئة الشعب وصون الهوية الدينية والوطنية، فضلا عن خلق فراغ روحي وثقافي يُمهد لفرض روايته ومخططاته الاستعمارية”، وفق قوله.
استهداف علماء الدين
الأناضول رصدت أبرز علماء الدين الذين استهدفتهم إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023:
– الداعية يوسف سلامة:
من أبرز علماء الدين في فلسطين عمل مدرسا وإماما في بداية رحلته الدينية، وتولى تدريجيا مناصب إدارية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، وصولا إلى منصب الوزير في عامي 2005-2006.
وكان من ضمن خطباء المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، على مدى 10 سنوات امتدت بين عامي 1997 و2007، وفي تلك الفترة عمل نائبا للهيئة الإسلامية العليا في القدس.
قُتل في غارة إسرائيلية استهدفت منزله في مخيم المغازي وسط قطاع غزة في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
– الداعية وائل الزرد:
عُرف بإمامته في “المسجد العمري الكبير” بمدينة غزة و”مسجد المحطة” في حي الدرج (شرق)، واٌشتهر بخطبه “الجهادية”.
عمل الزرد أستاذا جامعيا في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وقبلها في جامعتي القدس المفتوحة والإسلامية بغزة.
عام 2001، حصل على شهادة الماجستير في علم الحديث ومن ثم شهادة الدكتوراه من “جامعة عين شمس” المصرية.
استهدف الجيش الإسرائيلي منزل الزرد بمدينة غزة في 13 أكتوبر 2023، وتوفي متأثرا بإصابته بعد القصف بيومين.
– الداعية وليد عويضة:
عضو فرع فلسطين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومدير عام التحفيظ في وزارة الأوقاف بغزة.
حصل على الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه، وترك “بصمة في نشر العلم الشرعي وتوجيه الأجيال نحو القيم الإسلامية”، وفق بيان سابق للاتحاد.
قُتل بقصف إسرائيلي استهدف منزله في حي الصبرة جنوب مدينة غزة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
– الداعية نائل مصران:
نال درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، ومن ثم درس الشريعة الإسلامية، وحصل لاحقا على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه.
عرف بخطبه وكلماته المؤثرة التي حثت الفلسطينيين على الصبر والثبات طيلة 600 يوم من الإبادة حتى مقتله رفقة عائلته في غارة استهدفت خيمته في مدينة خان يونس في 30 مايو/ أيار الماضي.
استهداف المسيحيين
ولم تستثنِ إسرائيل دور العبادة المسيحية أو رجال الدين الفلسطينيين، إذ طالت غاراتها كنائس رئيسية في مدينة غزة كانت قد تحولت إلى ملاجئ للنازحين، وأسفر القصف عن قتلى وجرحى بين المدنيين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة.
ونزح عدد من المواطنين المسيحيين إلى الكنائس والمباني التابعة لها، بعد أن دُمرت منازل عدد منهم جراء القصف، وبحثا عن ملجأ أكثر أمنا.
وبحسب الثوابتة، فإن إسرائيل استهدفت خلال الإبادة 3 كنائس رئيسية أكثر من مرة، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية ومرافقها الخدمية.
والكنائس التي استهدفتها إسرائيل في قطاع غزة هي: كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدّسة (اللاتين/الكاثوليك)، وكنيسة المعمدانيين الإنجيلية في غزة.
وأفاد الثوابتة بأن الاعتداءات المباشرة وغير المباشرة على تلك الكنائس أسفرت عن مقتل أكثر من 20 فلسطينيا مسيحيا، بينهم نساء وأطفال ومسنون.
ولفت إلى استهداف إسرائيل لتجمعات سكنية مسيحية في محيط الكنائس، ما أسفر عن قتلى وجرحى، إضافة إلى تدمير مدارس ومؤسسات مسيحية ومنازل آمنة كانت ملاذاً للأسر.
أبرز الهجمات
في 17 يوليو/ تموز الماضي: قصف الجيش الإسرائيلي كنيسة “العائلة المقدسة” شرق مدينة غزة، ما أدى لمقتل 3 أشخاص بينهم مسيحيان، وإصابة 9 بينهم كاهن رعية الكنيسة جبرائيل رومانيلي، الذي تعرض لإصابة طفيفة، وفق بيان للبطريركية اللاتينية في القدس.
وكانت الكنيسة التي تعرضت لأضرار جسيمة، تؤوي نحو 400 نازح من المسيحيين الذين هجرتهم الحرب، وفق متحدث الدفاع المدني محمود بصل في تصريح للصحفيين آنذاك.
في 19 أكتوبر 2023: قتل الجيش الإسرائيلي 20 شخصا منهم 18 مسيحيا في قصف مباشر استهدف كنيسة القديس برفيريوس، وفق تصريحات سابقة للمكتب الإعلامي الحكومي.
وتقع الكنيسة على بعد أمتار من المستشفى الأهلي العربي “المعمداني” التابع للكنيسة الأسقفية الإنجيلية في القدس، الذي تعرض لقصف إسرائيلي عدة مرات أبرزه كان في 17 أكتوبر 2023 عندما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من الفلسطينيين.
“القضاء على التنوع الديني”
وحول الاستهداف الإسرائيلي للمسيحيين، قال الثوابتة إن ذلك يأتي “ضمن سياسة ممنهجة تستهدف القضاء على التنوع الديني والوجود التاريخي الأصيل في القطاع”.
وأضاف أن “نسبة الشهداء المسيحيين تجاوزت 3 بالمئة من إجمالي عدد المسيحيين في غزة، حيث يشمل قساوسة وعاملين في الخدمة الدينية”.
وعد هذا الاستهداف “انتهاكا صارخا للحماية التي يمنحها القانون الدولي الإنساني لرجال الدين ودور العبادة، ويرتقي إلى جريمة حرب وجرائم اضطهاد ديني كما وردت في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و139 شهيدا، و169 ألفا و583 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.
(الأناضول)