“خطة الـ21 بندا”.. تسوية أمريكية تحاول أبواق نتنياهو تسويقها بأنها “بضاعة إسرائيلية”


الناصرة- “القدس العربي”:

لم ترد إسرائيل ولا حركة حماس رسميا بعد على الخطة الأمريكية المكونة من 21 بندا التي تبدو تسوية “حل وسط” بغية منح طرفي الصراع فرصة للتعايش معها دون تلبية كامل طلبات كل منهما. لكن الاتصالات بين عدة أطراف معنية تجري بتسارع كبير في الساعات الأخيرة أملا بالإعلان عن التوصل لاتفاق خلال لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض عند الساعة السادسة اليوم الاثنين بتوقيت القدس المحتلة.

وقبيل اللقاء، عاد الرئيس الأمريكي ترامب وأشاع تفاؤلا وأملا بقوله في الليلة الفائتة إنه تلقى ردودا إيجابية من الجانبين الإسرائيلي والعربي. في الأثناء تتواصل التسريبات ومحاولات التضليل والمناورة. وفي إسرائيل، تقول تسريبات عبرية إن أجواء القلق في بيئة نتنياهو تراجعت لصالح تفاؤل حذر بعد التوافق على بعض النقاط الخلافية وتقليص الفجوات.

وهذا ما تؤكده مصادر صحافية أمريكية منها موقع أكسيوس الإخباري الذي يقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل تقتربان من اتفاق. أما في إسرائيل، فتسود حالة ترقّب شديد وسط أجواء بأن المحاولة الراهنة لوقف الحرب وإتمام صفقة تبدو هذه المرة جدية وحقيقية أكثر من محاولات سابقة بقيت الفجوة مريعة بين أقوال وأفعال ترامب وكل الإدارة الأمريكية، وربما هذا ما دفع وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير للإسراع في تحذير نتنياهو بالقول إنه لا يملك صلاحية وقف الحرب بهذه الطريقة ملوحّا بتفكيك حكومته.

انقسام المراقبين

مع انتشار نصوص متباينة ومتناقضة أحيانا حول محتوى وقيمة “خطة ترامب” وتصاعد التوتر البالغ درجة حبس الأنفاس لدى بعض الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية كعائلات المحتجزين، يحاول مراقبون في إسرائيل من أتباع التيار اليميني الصهيوني تسويق الخطة وكأنها كتبت بقلم إسرائيلي، ومن أبرزهم محلل الشؤون السياسية في القناة 12 العبرية، عاميت سيغل، المقرّب جدا من نتنياهو الذي يسعى في اليومين الأخيرين لتسويق الخطة الأمريكية وكأنها إسرائيلية في الأصل، زاعما أن إسرائيل هذه المرة تقبض “عدا ونقدا”، بينما حماس تقبض بـ”المؤجّل” بواسطة منظومة دفع “كرديت كارد” و”بالتقسيط”، ويراهن في ذات الوقت على أن حماس سترفض الخطة، معبّرا بذلك على ما يبدو عن أطماع نتنياهو.

في المقابل، يرى مراقبون إسرائيليون مستقلون ومعارضون لسياسات وتوجّهات نتنياهو، أن الخطة المقترحة أمريكية، وأن محاولة تسويقها و”بيعها” كأنها خطة إسرائيلية تنطوي على الكثير من الكذب والتضليل، ويدللون على ذلك بالإشارة لبنود كثيرة “صعبة الهضم” على الجانب الإسرائيلي.

بنود يصعب ابتلاعها اسرائيليا

يؤكد المحلل السياسي الأبرز في إسرائيل ناحوم برنياع في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الاثنين، أن الإدارة الأمريكية مصممة على وقف الحرب من خلال هذه الخطة الواسعة، ويقول في هذا المضمار إنه عندما شكّك وزير خارجية عربي برد نتنياهو على الخطة، قال له ترامب: “هذه المرة، لن أطلب من نتنياهو بل سأملي عليه”.

وينقل عن دبلوماسيين عرب قولهم إنه بالنسبة للإدارة الأمريكية، فالمسألة منتهية “الصفقة باتت ناجزة”. ويوضح بارنياع أن إشاعة الأمل تكتيك دبلوماسي أمريكي يهدف لتقليص هامش مناورة إسرائيل وحماس خاصة نتنياهو الذي سيخشى خسارة ترامب. كما أن حماس لن تسمح لنفسها بخسارة العالم العربي.

ويرجح بارنياع أن نتنياهو سيجيب على طريقة “نعم ولكن” كما فعل سابقا، بيد أن “لكن” هذه المرة ضُيقت لأن الإطار قد تم تحديده، وإذا ما زال نتنياهو يريد تعطيل الصفقة، فرجاؤه الوحيد أن تقول “حماس” لا. ويضيف: “في المرة السابقة، وقبيل لحظة الحقيقة، قام نتنياهو بمحاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة كي لا تتحقق صفقة”.

ويبني بارنياع ترجيحاته بأن الإدارة الأمريكية جادة ومصممة هذه المرة بالقول إنها راغبة بالاعتبار من تجربة الحرب على إيران حيث حققت مكاسب تكتيكية كبيرة، لم تنجح بترجمتها لمكسب إستراتيجي، لأن إسرائيل واصلت الحرب على غزة وهذه المرة تبني واشنطن على غزة وهي بالنسبة لها “الطابق الأول” لبناء شرق أوسط جديد تكون إسرائيل جزءا منه (الطابق الثاني) وعندئذ يتم عزل إيران أو تضطر للانضمام إلى المنطقة.

ويعود بارنياع لتجارب مماثلة في التاريخ لحرب 1973، يوم رغب موشيه ديان بمواصلة الحرب، فيما كانت غولدا مائير تتحفظ من فكرة اتفاق وقف للنار، وعندها فرض كيسنجر اتفاق وقف النار مع مصر، والذي قاد لاحقا لاتفاق كامب ديفيد.

وبخلاف “أبواق” نتنياهو الذي يبقي عينا مفتوحة على جمهوره اليميني، ومسكون بهاجس الانتخابات والبقاء في الحكم، يؤكد بارنياع أن الخطة الأمريكية ليست نصا إسرائيليا متنكرا بغطاء أمريكي. ويشير للبنود التي تنسجم مع مطالب حماس ويصعب ابتلاعها من الجهة الإسرائيلية: “في الخطة الأمريكية، حلم النصر المطلق مفقود، وكذلك لا احتلال لمدينة غزة، والجيش سيضطر للانسحاب من القطاع، وضم الضفة الغربية سقط، والسلطة الفلسطينية ستشارك في غزة الجديدة، وكل ذلك على خلفية اعتراف العالم بدولة فلسطيني،ة علاوة على تحرير مئات الأسرى من العيار الثقيل”.

وينبّه بارنياع أن نتنياهو يهتم باستبعاد هذه التفاصيل. وفي جلساته في نيويورك وواشنطن، يروي أن قادة عربا يتصّلون به ويطالبونه بمواصلة الحرب. وعلى نتنياهو الإصغاء لمحادثات علنية. ويخلص بارنياع للقول إن “هذا حلم كبير، إذا ما تحقق، فإنه يستحق كل جوائز نوبل، فالخطة تعيد المخطوفين وهذه بركة مؤكدة، وإذا كان الثمن تفكيك الحكومة والذهاب لانتخابات فليكن. عودتهم لن تمحو عار السابع من أكتوبر، لكنها تكفل إغلاق دائرة لعائلات الثكلى وربما راحة لكل الإسرائيليين. التوقعات قبيل اللقاء في البيت الأبيض كبيرة وإن شاء الله لن تكون خيبة أمل” بحسب تعبيره.

ويتكاتب مع بارنياع، المحللُ العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيلن الذي يقول إن مكتب نتنياهو يحاول تسويق الخطة وكأنها إسرائيلية بغطاء أمريكي، وهذا غير صحيح. فالنص بعيد عن نصر كبير لنتنياهو: “لم يحسم نتنياهو حماس بخلاف وعوده منذ عامين، لن تكون غزة منزوعة السلاح بالكامل، وفي المقابل سيكون الانسحاب الإسرائيلي كاملا”.

وفي مقال بعنوان “خدعة 22” الذي يتكاتب مع رواية الكاتب الأمريكي جوزيف هيلر (كاتش 22) يشير هارئيل لوجود بنود صعبة الهضم على مكونات في ائتلاف نتنياهو، مرجحّا أنه إذا ما وضع ترامب كامل ثقله على نتنياهو ستكون النتيجة: “استجابة نتنياهو وتفكك ائتلافه”.

خطوط حمر لحماس

ولا يستبعد المحاضر في جامعة تل أبيب، والمختص في الشؤون الفلسطينية دكتور ميخائيل ميليشتاين، أن تقبل حماس بالصفقة المطروحة في نهاية المطاف، لأنها تبقيها منظمة مع سلاح، رغم الحديث عن مصادرة السلاح الهجومي وخطوط إنتاج السلاح.

وفي حديث للإذاعة العبرية الرسمية، سُئل ميليشتاين عن احتمالية تنازل حماس عن الورقة الأثمن بيدها، “المخطوفين” بعد 48 ساعة، قال ميليشتاين إنه بخلاف معتقدات إسرائيلية شائعة، فإن حماس لا ترى بهم الخط الأحمر، ولا بالأسرى الفلسطينيين، بل الخط الأحمر هو سلاحها والاحتفاظ به على شاكلة حزب الله.

ويضيف: “في حال لم تكن هناك مشاكل لوجستية والأهم في حال وجدت حماس ضمانات حقيقية جدية جوهرية بوقف الحرب، لا أستبعد ذلك. عندئذ نجد جاهزية أكبر من السابق للتقدم نحو صفقة”. ويعتبر أن تصريح القيادي في حماس حسام بدران للجزيرة في الليلة الفائتة، بأن حماس لم تتلق بعد نصا رسميا للصفقة المقترحة، وأن هذا يقول إن هناك مشاورات داخلية أو أنه يقصد أن حماس لم تتسلم الطبعة الأخيرة منه فالمسودة تخضع للجرح والتعديل.

ويرجح ميليشتاين أن تتجه حماس لقبول الصفقة، منوها إلى أن حسام بدران بارك فكرة إنهاء الحرب وانسحابا إسرائيليل كاملا وإن كان تدريجيا.

يشار إلى أن كل ذلك سيتضح مساء اليوم في اللقاء الرابع بين نتنياهو وترامب هذه السنة. وبعد وجبة غداء، سيعقدان مؤتمرا صحافيا مشتركا، وهذا أيضا ربما يشي بأن هناك توافقا على جوهر الخطة، وإن كان من غير الواضح كيف ستطبق بعض بنودها.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *