الدوحة ـ «القدس العربي»: تسارعت الأنباء الواردة من العاصمتين القطرية الدوحة والأمريكية واشنطن، ضمن جهود الوساطة مع إعلان حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بعد استكمال نقاشاتها ومشاوراتها مع الفصائل الفلسطينية، موافقتها على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتسليم الرهائن وجثامين الإسرائيليين والأجانب الذين تحتجزهم الحركة، إضافة إلى تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط). وسريعاً طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إسرائيل بوقف قصف قطاع غزة «فورا» من أجل السماح بالإفراج عن المحتجزين في القطاع، واعتبر أن بيان حركة حماس مؤشر على أنهم مستعدون لسلام دائم.
وجاء رد حركة حماس بعد تسلمها المقترح الأمريكي من خلال دول الوساطة، قطر ومصر، حيث تمت مناقشته في اجتماعات عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، وعبر اتصالات مع قيادات الفصائل الفلسطينية المتواجدة في الخارج، سواء في غزة أو في دول وعواصم أخرى.
وتوجت الموافقة التي أعلنتها الحركة بعد سلسلة جلسات عقدتها الفصائل الفلسطينية، ولقاءات مع دول الوساطة، التقى خلالها مسؤولون قطريون مع زعماء حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وأكدت حماس أنها «تعلن موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال أحياءً، وتسليم الجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب، مع توفير الظروف الميدانية اللازمة لعملية التبادل». وأضافت الحركة أنها «على استعداد للدخول فوراً، من خلال الوسطاء، في مفاوضات لمناقشة تفاصيل تنفيذ هذه الاتفاقية».
كما جدّدت حماس موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط)، «بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني واستناداً إلى الدعم العربي والإسلامي».
وأشارت حماس إلى أن «ما ورد في مقترح الرئيس ترامب من قضايا أخرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة مرتبط بموقف وطني جامع واستناداً إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، وسيتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني شامل ستكون حماس جزءاً منه وستسهم فيه بكل مسؤولية».
وجاءت تفاصيل الموافقة تتويجا لمسار من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها قطر، وأكدت الحركة أن قرارها جاء «حرصاً على وقف العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا الصامدون في قطاع غزة، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية، وحرصاً على ثوابت شعبنا وحقوقه ومصالحه العليا».
وأضافت أنها أجرت «مشاورات معمقة في مؤسساتها القيادية، ومشاورات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية، ومشاورات مع الإخوة الوسطاء والأصدقاء، للتوصل إلى موقف مسؤول في التعامل مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب».
وأضافت حماس أنها بعد دراسة مستفيضة، «اتخذت قرارها وسلمت للإخوة الوسطاء ردها الرسمي»، مشيرة إلى تقديرها «للجهود العربية والإسلامية والدولية، وجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعية إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وتبادل الأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية فوراً، ورفض احتلال القطاع ورفض تهجير الشعب الفلسطيني منه».
مناقشة نقاط الظل في خطة ترامب
اعتبرت قطر أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة بحاجة لمزيد من التوضيح في وقت شرعت في إجراء اتصالات مع البيت الأبيض لفهم التفاصيل الكاملة خصوصا وأن التسريبات تتحدث عن تفاوت بين ما أعلن عنه وسمعه القادة العرب من ترامب، وما قدم لهم من بنود، وسلمت الدوحة الورقة لقيادة الفصائل المجتمعة لدراسة الخطة.
واتجهت الأنظار للعاصمة القطرية الدوحة التي سجلت حراكاً دبلوماسيا، أعاد وجه مسار الوساطة التي شرعت فيها في سياق جهود إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة. وكانت قطر مقر اجتماعات موسعة للعديد من الأطراف التي تتباحث الخطة الأمريكية حول الوضع في غزة، فإلى جانب الاجتماعات الرسمية للمسؤولين القطريين، واتصالاتهم الدولية، التقت قيادات الفصائل الفلسطينية لمناقشة كل التفاصيل التي وصلتهم، وتمحيص الخطة التي تتضمن مطبات تحدثت عنها المصادر المواكبة لأجواء الحوارات الجارية في العاصمة الخليجية.
وبعد أن شهد مسار الوساطة تعثرا بسبب ما ارتكبته تل أبيب من عربدة وأعمال تجاوزت كل الخطوط الحمراء بوصف القيادة القطرية التي تلقت اعتذارا رسميا من نتنياهو، عاد مسار الوساطة لدائرة الأضواء.
نقاط الظل في خطة ترامب
حاولت قطر الحصول على إجابات بشأن العديد من نقاط الظل التي ظهرت في الورقة التي استلمتها من البيت الأبيض ومقارنة بما سمعته مع قادة الدول العربية والإسلامية من التفاصيل التي نوقشت من قبل الفصائل.
وتلقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر اتصالاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحثا فيه المستجدات بشأن الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب بغزة، في حين أفاد البيت الأبيض بأن نقاشات حساسة تجري الآن بشأن الخطة.
وأوضح الديوان الأميري أن أمير قطر جدد التأكيد على دعم بلاده لجهود إحلال السلام، معبرا عن ثقته بقدرة الدول الداعمة للخطة للوصول إلى تسوية عادلة تضمن الأمن والاستقرار في المنطقة وتصون حقوق الشعب الفلسطيني. ولم تكشف المصادر القطرية عن نقاط الظل في خطة الرئيس الأمريكي، لكن العديد من المراقبين تحدثوا عن تفاصيل تتعلق بمستقبل القطاع، وبعض التحديات التي لم تكن ضمن محادثات البيت الأبيض مع قادة الدول العربية والإسلامية.
ومؤخرا كشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن هناك «مناقشات حساسة» تجري حاليا بشأن مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة. ورفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض الخوض في التفاصيل المتعلقة بالنقاط الحساسة التي تحدثت عنها، وأكدت على إعلان الأمر لاحقا.
ويواصل البيت الأبيض الحديث عن تفاصيل عامة عن خطة ترامب، وإن كانت المصادر العبرية تسرب معلومات عن أنها خطة نتنياهو وصاغها درمار وبتوافق مع تل أبيب.
وتشدد الدوحة أنها ستواصل بذل الجهود للتوصل إلى تسوية توقف الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عامين على الفلسطينيين بقطاع غزة.
وحديثا أكدت مندوبة الدوحة لدى الأمم المتحدة علياء أحمد بن سيف آل ثاني أمام الجمعية العامة الأممية في جلسة عامة، استمرار جهود بلادها حتى التوصل لحل نهائي للوضع الصعب في غزة.
كما أكد الشيخ عبدالله بن محمد بن سعود آل ثاني، سفير دولة قطر لدى المملكة المتحدة، أن الوساطة القطرية وجهودها الدبلوماسية والإنسانية تمثل مسارات متكاملة تسهم في تعزيز فرص السلام والاستقرار.
وجاء ذلك خلال مأدبة عشاء نقاشية بعنوان: «دور قطر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتنمية والوضع في غزة»، نظمتها مجموعة حزب العمال المعنية بالسياسة الخارجية، بالتعاون مع سفارة دولة قطر لدى المملكة المتحدة، على هامش مؤتمر حزب العمال البريطاني بمدينة ليفربول.
الفصائل الفلسطينية والخطة
تطابقت تأكيدات الدوحة ومصادر من الفصائل الفلسطينية بشأن حصول القيادات في حماس وبقية الفصائل الخطة المعلن عنها.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن قطر ومصر سلمتا حركة المقاومة الإسلامية «حماس» خطة إنهاء الحرب في غزة التي كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيلها. وجاء رد حماس تتويجا لهذا المسار التفاوضي واللقاءات المستمرة.
ودخلت تركيا مسار الوساطة حيث زار وفد رفيع المستوى بقيادة رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن الدوحة لإجراء مباحثات بخصوص التطورات المتعلقة بالخطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة. وكشفت مصادر أمنية تركية أن قالن عقد مباحثات مع الأطراف المعنية حول خطة ترامب، في إطار المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل، بوساطة قطرية مصرية أمريكية.
وترى الدوحة والوسطاء، أن الخطوة الأولى بشأن خطة إنهاء حرب غزة هي التوافق بين جميع الأطراف، مع تركيز المفاوضات حول الجدول الزمني لتنفيذ بنود الخطة، سواء فيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، أو بإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.
وتتواصل في العاصمة القطرية اجتماعات القيادات الفلسطينية واستكمال اتصالاتها مع نظرائهم المتواجدين في الخارج، سواء غزة أو الضفة والعواصم الأخرى.
وأبدت الفصائل انفتاحها على مناقشة ودراسة المقترح، وإن كانت لا تبدي امتعاضها من عديد نقاط الظل التي تتضمنها الخطة التي تراعي الرؤية الإسرائيلية عموماً.
وواجهت قيادات الفصائل مأزقا صعباً، كونها مطالبة بالموافقة على خطة لا تراها الأمثل لخيارات شعبها، وتتضمن العديد من التفاصيل القاسية، وفي نفس الوقت تدرك أهمية الأمر بالنسبة للحرب المستمرة، حيث يعني الرفض استمرار الإبادة التي تتعرض لها غزة ومنح ضوء أخضر رسمي لفريق نتنياهو لاستكمال الجرائم المرتكبة وما تسببت فيه من خسائر فادحة.
وسبق رد حماس الذي سلمته لقطر ودول الوساطة وإعلانها الموافقة، ما كشف عنه عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» محمد نزال أن الحركة كانت جادة في التوصل إلى تفاهمات من منطلق وقف الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة. وأوضح نزال أن الحركة وضعت نصب عينها مصالح الشعب الفلسطيني والثوابت الأساسية والإستراتيجية والاعتبارات السياسية، مؤكدا أنها لن تسمح باستمرار الإبادة.
وشدد على أن الحركة لا تنطلق من منطلقات عدمية، لكنها «لا تقبل بمنطق التهديدات والإملاءات والضغوط التي تمارس مثل سيف الوقت المسلط».
وجدد التزام حماس بالوصول إلى تفاهمات انطلاقا من أن «الوقت من دم»، وحرصا منها على وقف المجازر والمذبحة الجماعية قبل دخول عامها الثالث.
ووفق نزال، فإن حماس تسلمت الخطة التي «نسبت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب»، وقال إن عليها ملاحظات كثيرة لكن الحركة تبحث عن مساحات رمادية لوقف الإبادة الجماعية بغزة.
وأكد أنه لا يمكن أن تكون النهاية التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني بعد كل هذه التضحيات، مشيرا إلى أن حماس من حقها إبداء ملاحظات بما يحقق مصالح الفلسطينيين وأنها تقبل منطق الحوار والنقاش.
وكشف نزال أن حماس بدأت في اليوم الثاني لتسلمها الخطة مشاورات داخلية وخارجية، كما أنها تتواصل في هذا الإطار مع الوسطاء والأطراف العربية والإسلامية. وهو المسار الذي تمخض عنه موافقة الحركة على الخطة ونقلت الضغط للملعب الإسرائيلي.
مخاوف من مناورات نتنياهو
تتحدث مصادر عدة عن مخاوف من مناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بالرغم من أنه حسبها كان مهندس خطة ترامب، من المناورة مجددا وتعطيل تنفيذها وإدخال تفاصيل يلقي بها، للزعم أن الفصائل الفلسطينية هي المسؤولة عن إفشال الخطة رغم أنها تخدم سياساته.
وسربت مصادر عبرية العديد من التفاصيل التي تشير إلى شروع نتنياهو المسبق في اعتماد مراوغات القصد منها تفجير الأمر، حتى يستمر في حربه لهدم ما تبقى من القطاع المحاصر.
وذهبت تحليلات عبرية إلى أن غموض خطة ترامب لغزة يهدد بفشلها، خصوصا وأن نتنياهو يبحث عن الفراغات التي تسمح له بالمناورة.
واعتبرت صحيفة عبرية، أن خطة وقف إطلاق النار التي اقترحها ترامب ووضعت حركة حماس أمام أصعب قرار منذ بدء الحرب: فإما القبول بشروط تعادل عمليا الاستسلام، أو رفضها ومواجهة تدمير إسرائيلي أشد بدعم أمريكي.
فالموافقة تعني تسليم الأسرى الإسرائيليين -آخر أوراق القوة لدى حماس– مقابل وعد مبهم بانسحاب عسكري إسرائيلي، وإدارة مؤقتة متعددة الجنسيات، وتحول لاحق نحو سيطرة أمنية فلسطينية. كما أن الخطة بحسب المصادر العبرية تفتقر إلى جداول زمنية واضحة أو إستراتيجيات لإعادة الإعمار أو أفق سياسي حقيقي، أما الرفض، فيمنح إسرائيل ذريعة بتدمير ما تبقى من قطاع غزة إلى أن يتحقق الاحتلال الكامل، «حتى لو كان ذلك على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين». وبعد أن وافقت حماس على الخطة ودعوة دونالد ترامب تل أبيب التنفيذ، ضيق هامش المناورة لنتنياهو.
وسربت المصادر العبرية معلومات من مصادر إسرائيلية تشكك في التزام نتنياهو بتنفيذ الخطة، مستشهدين بسوابقه في إبطاء المفاوضات وإفشال صفقات تبادل الأسرى خوفا على حكومته.
ويتذكر الجميع أن نتنياهو هدد في تصريحات بمعية ترامب بمواصلة الحرب حتى «القضاء على حركة حماس» إذا لم تتعاون، خصوصا وأن الخطة نفسها تفتقر إلى جداول زمنية وآليات تنفيذ واضحة، وهو ما يسمح لنتنياهو بالمماطلة وإعاقتها.