الرباط – «القدس العربي»: تواصلت الاحتجاجات الاجتماعية الشبابية، عشية الإثنين، في عدد من المدن المغربية، وقوبلت من طرف السلطات بالتفريق والاعتقالات التي طالت نشطاء مشاركين وبعض الإعلاميين.
التداعيات التي خلّفتها هذه الاحتجاجات لم تقف عند حدود الكرّ والفرّ بين المتظاهرين وقوات الأمن، بل امتد صداها إلى المجتمع المغربي على نطاق واسع، حيث عبّر عدد كبير من الفنانين والمثقفين والسياسيين والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع المطالب الاجتماعية التي رفعها الشباب.
وقالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إنها رصدت التعامل المهين وغير اللائق لبعض أفراد القوات العمومية مع بعض الصحافيات والصحافيين، وذلك من خلال صور وأشرطة فيديو، إضافة لعدد من الشكايات والاتصالات من مجموعة من المصورين الصحافيين.
وعبّرت النقابة، في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة، عن رفضها للحالات التي تم توثيقها، والمتمثلة في محاولة نزع الكاميرات أو الدفع المبالغ فيه، وعرقلة الصحافيين في إكمال أخذ التصريحات.
قمع السلطات الأمنية
وكانت مجموعة تطلق على نفسها في شبكات التواصل الاجتماعي «جيل زيد» دعت إلى التظاهر السلمي احتجاجًا على أوضاع الصحة والتعليم في المغرب، وحددت في البداية يومي 27 و28 أيلول/ سبتمبر للوقفات الاحتجاجية. غير أن التحرك استمر يوماً إضافياً، بسبب ما اعتبره المشاركون «قمعاً» واجهوه من قبل السلطات الأمنية.
وأفاد بيان قضائي أنه جرى توقيف شخص «متورط» في نشر صور وفيديوهات لاحتجاجات شهدتها دول أجنبية ودمجها مع مشاهد من مظاهرات داخل المغرب، وذلك بهدف التحريض على الخروج إلى الشارع، وفق ما كشف عنه وكيل الملك (المدعي العام) لدى المحكمة الابتدائية الزجرية في الدار البيضاء.
نقابة رصدت تعاملًا «مهينًا» لبعض قوات الأمن مع صحافيين ومصورين
وأشار البيان الذي اطلعت عليه «القدس العربي»، إلى أنه خلال «الوقفات الاحتجاجية غير المصرح بها التي عرفتها بعض المدن المغربية، أوقفت عناصر الشرطة القضائية شخصاً تبيّن أنه يتوفر على عدة حسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، وكان يقوم بنشر صور وفيديوهات لاحتجاجات أجنبية تخللتها أحداث عنف، ودمجها مع مشاهد من داخل المغرب، بغرض تحريض الأشخاص على النزول إلى الشارع».
وأضاف البيان أن الأبحاث أظهرت أن المعني بالأمر كان يسعى من وراء ذلك إلى حشد أكبر عدد من المتابعين، حيث تمكن خلال ثلاثة أيام فقط من جمع أربعة آلاف متابع لحسابه، وكان يطمح للوصول إلى عشرين ألفاً، ما يؤهله لإنشاء منصة رقمية وتحقيق أرباح مالية. وأكد البيان أن اهتمامه الأساسي لم يكن الدعوة للاحتجاج، بقدر ما كان منصباً على جني الأرباح عبر رفع نسب المتابعة. وقررت النيابة العامة متابعة الشخص الموقوف في حالة اعتقال «لضرورة البحث» بتهمة التحريض على ارتكاب جنايات وجنح بواسطة الوسائل الإلكترونية، وإحالته على المحكمة في حالة اعتقال.
في هذا السياق، جرى الثلاثاء، عرض مجموعة من الشباب الذين كانوا في السجن الاحتياطي على أنظار النيابة العامة بعدد من المحاكم، ووفق مصادر إعلامية فإن محيط قصر العدالة في الرباط، شهد حضوراً أمنياً مكثفاً.
مؤيدون ومعارضون
بالموازاة مع ذلك، تصاعد الجدل في الواقع والعالم الافتراضي، من المقاهي إلى شبكات التواصل الاجتماعي. فالمؤيدون رأوا في هذه الاحتجاجات وسيلة مشروعة لتحقيق المطالب الاجتماعية، معتبرين أن «المستقبل لا يُبنى بالشعارات، بل بمؤسسات تعترف بأزمات الشعب بدل تجاهلها». بينما رأى معارضون أن «المطالب مشروعة، لكن تحويلها إلى وقود للفوضى أمر مرفوض»، مشددين على أن «التظاهر السلمي حق مكفول، غير أن الإشكال يكمن في استغلال بعض الجهات لمعاناة المواطنين والركوب عليها لخدمة أجندات خاصة».
المد التضامني مع الاحتجاجات الشبابية غلب على الأصوات المعارضة، حيث انخرط فيه فنانون ومثقفون ومؤثرون، من بينهم الفنان محمد خويي الذي كتب تدوينة بالدارجة المغربية، بدأها بنقل حوار لشاب يخاطب شرطياً: «أنا مواطن، لماذا تعتقلني؟ ماذا فعلت؟ هل أبيع المخدرات؟ هل أحمل سكيناً؟ هل الشرطة في خدمة المواطن؟» واعتبر خويي أن هذه «أسئلة معقولة، والمشهد يفجع الخاطر»، مؤكداً أن الشباب لم يطلبوا سوى أن يعيشوا في بلد متقدم يضمن لهم الكرامة، تتوفر فيه مستشفيات تليق بالمواطن، ومدارس وجامعات تكفل لهم التعلم وخدمة وطنهم. وانتقد اعتقال الشباب الذين يريدون الخير لبلدهم، مضيفاً: «كما نهتم بالرياضة، علينا أن نهتم أيضاً بالصحة والتعليم، فلا يعقل أن نُبهر الزوار بملاعب حديثة بينما تثير حالة المستشفيات سخرية واستهجاناً».
الكاتب والشاعر صلاح بوسريف عبّر عن الأسئلة نفسها هو الآخر، لكن بصيغة أخرى حين قال: «من أطلق الوحش من القفص؟» مشدداً على أن «هؤلاء الشباب أبناؤنا، وهم مستقبل البلاد، ويحبونها أكثر ممن استهانوا بحبهم وكبريائهم». أما الفنان نعمان لحلو فطرح فرضية مغايرة: «ماذا لو احتضنا المتظاهرين كما نفعل مع مشجعي الفرق الرياضية في مسيراتهم إلى الملاعب؟ ماذا لو استمعنا إليهم مباشرة؟ ماذا لو تركناهم يعبرون عن مطالبهم بسلمية؟»، مؤكداً أن «الصورة والنتيجة ستكونان أفضل بلا شك».
عيش بكرامة
وأعادت هذه الاحتجاجات إلى الأذهان صور حركة 20 شباط/ فبراير سنة 2011، التي تزامنت مع موجة «الربيع العربي». غير أن ما يميز احتجاجات الشباب الحالية، بحسب الكاتب عبده حقي، هو أنها جاءت من خارج الإطارات التقليدية. وقال: «هؤلاء شباب مجهولون ظهروا في فضاءات التواصل الاجتماعي، وأطلقوا دعوات إلى التظاهر دون قيادة مركزية أو هياكل تنظيمية نقابية أو سياسية أو جمعوية. لم يرفعوا شعارات سياسية كبرى كما فعلت حركة 20 فبراير، ولم يحصروا أنفسهم في مطالب ضيقة كحركات المعطلين، بل ركزوا على قضايا يومية ووجودية: صحة عمومية ذات جودة، تعليم متكافئ، وعيش بكرامة».
من زاوية أخرى، أظهرت هذه الاحتجاجات، في نظر كثيرين، الغياب شبه التام للأحزاب السياسية التي من المفترض أن تؤطر المواطنين وخاصة الشباب. وعن ذلك كتبت المدونة مايسة سلامة الناجي تدوينة على شكل رسالة إلى وزير الداخلية، معتبرة أن خروج شباب «جيل زد» إلى الشارع لإسماع أصواتهم وتعريض أنفسهم للاحتكاك مع قوات الأمن، بدل التعبير داخل المؤسسات والإعلام، يعكس «مشكلاً عميقاً في المشهد السياسي المغربي الذي يضم 36 حزباً، لم يستطع أي منها احتواء هذا الجيل».
وترى أن 11 حزباً فقط من أصل 36 معترفاً بها تنشط فعلياً ولها حضور سياسي، فيما البقية لا يعرف المغاربة أسماءها أو قياداتها ولا توجهاتها، معتبرة أنها مجرد «هياكل فارغة تأسست في ظروف سهلة لا تختلف عن تأسيس جمعيات».
على المستوى الحقوقي، أصدرت عدة منظمات بيانات تضامنية مع شباب «جيل زد». وكان أحدثها بيان «التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات – منطقة شمال إفريقيا»، حيث عبّر عن «قلق بالغ» مما اعتبره «قمعاً واستعمالاً للعنف ضد المحتجين»، مؤكداً أن ما حدث «يتعارض مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي التزم بها المغرب، كما يكرس مقاربة أمنية صرفة لا تحترم الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي وحرية الرأي والتعبير». ودعا التحالف الدولة المغربية إلى «ضرورة احترام الحق في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي، ووضع حد لموجة الاعتقالات التي طالت عدداً من المحتجين، والإفراج الفوري عنهم، مع الامتثال التام لمقتضيات الدستور والقانون والمواثيق الدولية».