“اليوم التالي” لخطة ترامب و”نموذج بلير” وأحلام سموتريتش.. وصفة لـ “تكرار كوسوفو”


تسفي برئيل

  سقالة خطة ترامب في الوقت الحالي تشبه اللافتة التي يضعها مقاولون على مدخل موقع للبناء والإعلان للجمهور “هنا يتم بناء اتفاق بين إسرائيل وحماس”. في الصور التي عرض فيها شكل البناء النهائي الفاخر إلى جانب قائمة المشاركين في البناء من مهندسون ومعماريين ومسؤولين عن الصحة والمواصلات والتهوية – تظهر حالة البناء بحروف صغيرة جداً. وكما في مثل هذه اللافتات، خطة ترامب مرفقة بملاحظة تحذير تقول إن الخطة “بانتظار الموافقة”. في هذه الحالة، تنتظر موافقة إسرائيل أيضاً، وموافقة حماس، والدول العربية، والسلطة الفلسطينية، والأمم المتحدة وكل الجهات الأخرى التي يجب عليها تنفيذها.

التفاؤل الذي تعاظم قبيل لقاء ترامب مع نتنياهو يتعلق بالمحور الأمريكي – الإسرائيلي، الذي فيه على الأقل أداة ضغط محتملة مؤكدة، حتى لو كان غير معروف إلى الآن إلى أي درجة سيرغب أو يستطيع ترامب استخدامها. في المقابل، لم ينجح الضغط السياسي الأمريكي وعمليات القصف والتدمير والقتل التي تقوم فيها إسرائيل حتى الآن من الحصول على تنازلات من حماس، التي قد تدفع قدماً بصفقة تبادل أو توفير حل دائم للحرب في غزة.

يفضل أيضاً التذكر أن مفهوم “حماس مضغوطة” يرافق منذ سنتين المفاوضات الطويلة والخطط التي تمت صياغتها، والتي لم يتم حتى الآن على زر التشغيل الذي يمكنه إحداث تغيير في موقف حماس. والآن، حيث تواصل إسرائيل تدمير الأبراج السكنية في غزة، وحيث -حسب رواية الجيش- ينتقل 800 ألف مواطن مرة أخرى من شمال القطاع إلى الجنوب، وبعد تصفية عدد ممن اعتبروا قيادة حماس السياسية، ومحاولة تدمير ما تبقى منها في قطر، فإن مقياس الضغط على حماس لن يشكل مؤشراً على الاتجاه الذي ستتوجه نحوه حماس.

هناك من يعتبر خطة ترامب خطة تعطي إسرائيل “الدفع بالنقد” الذي يعني تحريراً فورياً لجميع المخطوفين دفعة واحدة، مقابل حماس التي ستحصل على مكافأة بـ “الدفع بالاعتماد” الذي سيستغرق بضع سنوات. هذا الوصف لا يساوي الدفع الذي حصلت عليه حماس والذي يتضمن حواراً مباشراً، ليس فقط بواسطة الوسطاء، مع الإدارة الأمريكية. وعزلة إسرائيل السياسية؛ والغطاء العربي الوثيق الذي تجند لتطبيق وقف إطلاق نار ثابت في غزة؛ وإجبار ترامب على التراجع عن خطة الريفييرا التي أساسها طرد سكان غزة إلى خارج القطاع، في النهاية “خطة اليوم التالي”، التي حتى بصياغتها الغامضة لا تتضمن الهدف الأساسي للحرب كما حددته الحكومة، تصفية حماس، وهي حتى تراوح بين المطالبة بأن “تلقي حماس السلاح” والمطالبة بـ “نزع سلاحها” كشرط لتطبيق الخطة.

ربما تكون حماس راضية من إجبارها للطرفين، ترامب ونتنياهو، على مناقشة النتاج السياسي الذي سينتج عن الحرب في غزة. حتى الآن، إذا تبنت إسرائيل الخطة فستصر حماس على الحصول على ضمانات أمريكية وعربية لتطبيقها. هذه الضمانات التي قد تحل محل “ورقة المساومة” التي تحتفظ بها، المخطوفين، ستوفر لها مكانة سياسية تضمن استمرار وجودها كمنظمة.

الأمر غير المعقول هو أن السلطة الفلسطينية – التي وقعت على اتفاق سلام مع إسرائيل – ستصبح حسب الخطة “مشاركة تمثيلية” بدون أي سلطة تنفيذية تقريباً، ولا يتطلب وجودها على الورق إلا إعطاء شرعية للاتفاق بين حماس والولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل.

خطة “اليوم التالي” التي عمل عليها في الفترة الأخيرة مستشارو ترامب، الذين انضم إليهم جاريد كوشنر، والتي صيغت بالتشاور مع زعماء الدول العربية، على رأسهم ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وحاكم قطر الشيخ تميم آل ثاني، ليست نتاجاً يصمد بذاته بدون موافقة حماس على إطلاق سراح المخطوفين. يمكن الافتراض أن هذه خطة إيجابية بالنسبة لحماس؛ لأنها حتى لو أعلن فيها بأن حماس لن تكون شريكة في الإدارة المدنية في غزة ولن تكون شريكة في السيطرة عليها، فإن بنية “كعكة الطبقات” التي تقترحها الخطة تبقي هامش عمل كبيراً بما فيه الكفاية لرجال حماس للمشاركة في عملية إعادة إعمار غزة، وبالتالي، السيطرة فيها حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر.

النموذج الذي استخدمه الذين صاغوا خطة “اليوم التالي”، الذي وضعه طوني بلير، رئيس حكومة بريطانيا السابق الذي يترأس معهداً باسم فاخر، “معهد التغيير العالمي”، يرتكز إلى نموذج الإدارة الدولية التي طبقت في كوسوفو، والتي كان من شأنها أن تنهي الحرب الدموية في الدولة الممزقة. حسب مسودة الخطة التي نشرتها ليزا روزوفسكي في “هآرتس” وجايكوف مغيد في موقع “تايمز أوف إسرائيل” وفي منشورات أخرى في مواقع غربية، فإن الحديث يدور عن ثلاث طبقات للإدارة والإشراف، إحداها خاضعة للأخرى في بنية هرمية.

الطبقة العليا فيها التي سيقف على رأسها بلير نفسه، ستطرح استراتيجية الإدارة، والتنسيق الأمني وإعادة الإعمار، وفي المرحلة الأولى على الأقل ستعمل من خارج القطاع. ستعمل تحتها “سكرتاريا عامة” ستضم مندوبين رفيعي المستوى مسؤولين عن مجالات معينة مثل التشريع، والشؤون الإنسانية، وإعادة الإعمار والتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وستعمل تحتها “السلطة التنفيذية الفلسطينية” التي ستكون مسؤولة عن الإدارة الجارية لكل مجالات الحياة، والتي سيكون أعضاؤها “خبراء”، لا ينتمون إلى فصيل أو حركة معينة. سيتم في هذه البنية إنشاء ثلاثة أجهزة للأمن، من بينها “وحدة حماية الشخصيات الهامة”، التي هدفها حماية وتأمين كل أصحاب المناصب، وشرطة فلسطينية التي يتدرب أعضاها في مصر والأردن، و”قوة استقرار دولية” التي إضافة إلى صلاحياتها في حماية وتأمين المعابر الحدودية وتنسيق الحماية في مناطق التماس التي سيسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ستكون هي الجسم الذي يعمل كـ “جيش” محلي لمكافحة الارهاب والتنظيمات المسلحة المحلية.

في الواقع، تشمل المسودة تفصيلاً للميزانية المعدّة لتمويل نشاطات البنية الإدارية، لكن غير معروف حتى الآن من الذي سيتحمل نفقات التمويل، وبالأساس من أين ستأتي الميزانية الضخمة لتمويل نشاطات إعادة الإعمار الأولية مثل إعادة تشغيل شبكة المياه والكهرباء والصحة، وجمع ملايين أطنان الأنقاض، والبناء المؤقت وشق الشوارع. غير واضح أيضاً أي دولة ستشارك في تشغيل أجهزة الأمن، والحماية والحفاظ على النظام في القطاع، فليس سوى إندونيسيا هي التي أعلنت عن موافقتها إرسال 20 ألف جندي إلى القطاع. وفي حينه، أعلنت الإمارات موافقتها على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات، شريطة استدعائها من قبل السلطة الفلسطينية، وبعد تطبيقها لسلسلة إصلاحات عميقة.

لكن حتى لو تم إيجاد حل لقضية التمويل المعقدة وإنشاء قوة متعددة الجنسيات، فثمة حاجة لتشغيل عشرات آلاف العمال الغزيين، بما في ذلك المعلمون، الموظفون، الأطباء، طواقم طبية، سائقون ومشغلو معدات هندسية، الذين عمل كثير منهم في أجهزة حماس حتى بداية الحرب. إعادة إعمار غزة مثل مشاريع إعادة إعمار كبيرة تمت في العراق وأفغانستان ولبنان والآن في سوريا، تعتبر فرصة لعصابات الجريمة، والعائلات الحاكمة و”وسطاء” على أشكالهم وكل من يحمل بيده سلاح، ومثلهم الكثير في غزة، من بينهم رجال حماس والمليشيات الجديدة التي أنشأتها إسرائيل هناك. عن الصعوبات والإخفاقات الكثيرة التي رافقت تشغيل “الإدارة المؤقتة” في كوسوفو (التي ما زالت تعمل هناك رسمياً)، نقترح قراءة كتاب “السلام بأي ثمن: كيف خذل العالم كوسوفو” للمؤلفين لاين كينغ وويت مايسون، اللذين عملا في إطار القوة الدولية، ويذكران الفساد والفشل الإداري واللامبالاة وإهمال الجوانب القانونية وتجاوز التفويض المعطى للقوة، والخلافات الصعبة بين اصحاب المناصب حول “السياسة” والاستراتيجية التي يجب اتباعها.

هيكلية الأجهزة الدولية والمحلية التي ستسيطر على القطاع مثلما هي معروضة في مسودة الخطة، لا تضمن عدم تكرار إخفاقات كوسوفو في غزة. ميزة الخطة الأساسية هي أن مسؤولية إسرائيل المباشرة على الواقع الذي سيتطور في غزة برعاية نفس المنظمة الدولية، ستكون مقلصة، وهكذا ربما تنجح ليس فقط في وقف الحرب التي تدمر اقتصادها ومواطنيها وجنودها، بل أيضاً إعادة مكانتها الدولية. في المقابل، النقص المزدوج أنه سيتعين على إسرائيل الاعتماد على قوات دولية، من بينها قوات عربية، لمنع نمو حماس العسكري، وتنظيمات مسلحة أخرى. وبالطبع، سيتعين عليها التنازل عن حلم “طفرة العقارات” الذي وعد به الوزير سموتريتش، وعن حي الفيلات لرجال الشرطة الذي تعهد به الوزير بن غفير.

 هآرتس 30/9/2025



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *