الطرق التي سلكتها أمريكا وإسرائيل وحماس أطالت أمد الحرب في غزة.. فماذا عن تلك التي لم تسلك؟


لندن – “القدس العربي”:

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أثار فيه عدة تساؤلات عن القرارات التي اتخذت مبكرا ومهدت الطريق إلى حرب مدمرة. وقال: “لو تخيلنا للحظة موقفا تاريخيا مضادا لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023: فماذا لو ردت إسرائيل بحرب شرسة لكن محدودة على غزة، وأعطت الأولوية لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وواصلت السعي للتوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية كان مطروحا قبل هجوم حماس بوقت طويل؟ كيف كانت إسرائيل ستتصرف، وكم من أرواح فلسطينية كانت ستنقذ؟ كيف كانت المنطقة ستبدو اليوم؟”.

ويجيب كوك قائلا إن إسرائيل اتخذت بدلا من ذلك سلسلة من القرارات السريعة التي حددت مسارها، كما فعلت جهات فاعلة أخرى في المنطقة، وكذلك الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن. وهذا ما يطلق عليه علماء الاجتماع “تبعيات المسار”، أي العملية التي تشكل بها القرارات المسارات اللاحقة. وفي الشعر، بالطبع، يبدو هذا أكثر أناقة، حيث كتب الشاعر روبرت فروست في قصيدته الكلاسيكية “الطريق الذي لم يسلك”: “ومع ذلك، ولأني أعرف كيف يقود الطريق إلى طريق، فقد شككت بأنني سأعود يوما ما”.

وبينما تكتسب خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، المكونة من عشرين نقطة، زخما على ما يبدو، فإن الوقت قد حان للنظر إلى الوراء والتساؤل: هل كانت هناك طرق سلكت وأخرى لم تسلك، مما أطال أمد الحرب في غزة؟

الإجابة هي نعم، بالطبع، فالكارثة التي حلت بغزة لم تكن حتمية. لكن الإجابة هي لا أيضا، لأن بعض تلك الطرق لم تكن متاحة بالضرورة لقادة الولايات المتحدة والشرق الأوسط آنذاك، نظرا لضخامة هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد وضعت التداعيات السياسية الناجمة عن ذلك، وخاصة في إسرائيل، الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين وغيرهم على المسار المأساوي الذي يجدون أنفسهم فيه الآن.

ويقول كوك إن تراكم الأحداث المروعة التي وقعت في غزة وللفلسطينيين خلال العامين الماضيين حدثت بسب غزو حماس إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وربما أعاد هذا الهجوم تسليط الضوء على القضية الفلسطينية عالميا وقوض التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وعزز مكانة حماس مقارنة مع وضع السلطة الفلسطينية، لكن على حساب آلاف وآلاف من أرواح الفلسطينيين، وأعداد لا تحصى من المشوهين ودمار مادي هائل ونكسة تاريخية، ربما دائمة، للقضية الفلسطينية.

وفي السياق الأوسع للقضية الفلسطينية، لا يهم ما يحدث داخل رئاسة الوزراء الإسبانية، أو وزارة الخارجية البريطانية أو حتى غرفة معيشة الممثل مارك روفالو. الأهم من ذلك هي التطورات في مدينة غزة، حيث ينشط الجيش الإسرائيلي الآن، و3,400 وحدة سكنية جديدة من المقرر بناؤها للمستوطنين اليهود في الكتلة إي1 بالضفة الغربية وحقيقة أن عددا أقل فأقل من الإسرائيليين يؤيدون الآن فكرة حل الدولتين.

وبمجرد أن شنت حماس عملية طوفان الأقصى، بدأت السياسة على الفور في تشكيل ساحة المعركة اللاحقة. من الواضح أن بايدن، وهو ديمقراطي وسطي مخضرم لم يتردد قط في إعلان دعمه للصهيونية، كان يعتقد أن الأخلاق وإرثه كرجل دولة وسياساته ستكون أفضل إذا زار إسرائيل بعد الهجوم بوقت قصير. وتأثر الإسرائيليون ومؤيدوهم حول العالم بشدة. وبينما أعرب الأمريكيون عن تضامنهم مع إسرائيل إلى جانب العديد من الآخرين حول العالم بدت زيارة بايدن في 18 تشرين الأول/أكتوبر وكأنها انتصار سياسي وفرصة له لدعم القيادة المترنحة في إسرائيل والجالية اليهودية المضطربة.

كانت زيارة بايدن بعد أحداث 7 أكتوبر بذرة سوء التفاهم والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تلت ذلك

ومع ذلك، كانت تلك الزيارة، أيضا بذرة سوء التفاهم والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تلت ذلك. من الواضح أن بايدن اعتقد أن “عناق الدب” سيكسبه نفوذا بالطريقة التي طاردت بها القوات الإسرائيلية حماس. بدلا من ذلك، اعتبر القادة الإسرائيليون الزيارة إشارة إلى أن لديهم يدا حرة في غزة. وعندما اتضح أن بايدن أساء فهم إسرائيل، والعكس صحيح، كانت الحرب قد دخلت شهرها الرابع.

وتجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشاروه الولايات المتحدة تقريبا طوال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس. وبدلا من أن تحقق الزيارة مكاسب سياسية لبايدن وإدارته، أثارت الخلاف بين الديمقراطيين، وأثارت حفيظة العديد من مؤيدي إسرائيل تجاه الحزب الديمقراطي وحملة لوائه وشوهت إرث الرئيس، الذي سيتهم إلى الأبد بتمكين الإبادة الجماعية.

كان هذا إذن مسار بايدن المعتمد على القرار، قراره المبكر الذي شكل القرارات اللاحقة.

أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت خطة الحرب هي السبب. وفي الأشهر الأخيرة، رد مؤيدو إسرائيل على انتقادات حملة الجيش الإسرائيلي في غزة بسؤال: “ماذا كان ينبغي لإسرائيل أن تفعل؟”.

والمعنى الضمني هو أنه لم يكن هناك بديل عن عمليات إسرائيل، وبالتالي فإن هذا النقد غير مشروع. وبعد حوالي عام من بدء الحرب، نقل الكاتب عن مسؤولين إسرائيليين سابقين في محادثة خاصة أن إسرائيل قد فكرت بالفعل في عملية مدمرة لمدة ثلاثة أشهر تستهدف حماس، وهو ما كان سيتوافق مع 1) العقيدة العسكرية الإسرائيلية، 2) ما يمكن أن يدعمه شركاء إسرائيل العرب، و3) ضمان أقصى قدر من الدعم الأمريكي داخل الكونغرس وبين الشعب الأمريكي.

سياسات اللحظة، التي اتسمت بالغضب والانتقام، والأهم من ذلك، الاستراتيجية السياسية طويلة المدى لشركاء نتنياهو في الائتلاف، الذين يمثلون أقصى اليمين الإسرائيلي، اجتمعت معا لدفع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في غزة

إلا أن سياسات اللحظة، التي اتسمت بالغضب والانتقام، والأهم من ذلك، الاستراتيجية السياسية طويلة المدى لشركاء نتنياهو في الائتلاف، الذين يمثلون أقصى اليمين الإسرائيلي، اجتمعت معا لدفع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. وقد تقاطع هدف تدمير حماس مع رغبة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ومسؤولين حكوميين آخرين في إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه. ولا يهم ما إذا كان نتنياهو يتفق مع آراء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، لأن ديمومة حكومته تعتمد عليهم.

 وكانت نتيجة كل هذه القرارات، حرب طويلة ومؤلمة أسفرت عن مقتل أكثر من 66,000 فلسطيني واستنزاف الجيش الإسرائيلي إلى أقصى حدوده، ومزقت المجتمع الإسرائيلي وقوضت مكانة إسرائيل العالمية. والآن، بعد أن أصبح محاصرا بالحملة العسكرية التي يشنها، يهاجم الجيش الإسرائيلي مدينة غزة مرة أخرى ويخاطر بحياة المدنيين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين من أجل فوائد استراتيجية غير مؤكدة، ومع ذلك، لم ينهار التحالف الحكومي المتطرف.

 ويرى كوك أن قائمة أطول من السياسيين، سواء كانوا مقيدين أو مدفوعين بسياساتهم، تبنت خيارات أطالت أمد الحرب.

ومع ذلك، تبرز القرارات التي اتخذتها حماس والولايات المتحدة وإسرائيل كتمثيل نموذجي عن الطريقة التي يمكن فيها أن تؤدي المصالح الضيقة للقادة إلى نتائج دون المستوى الأمثل للجميع.

وفي هذه اللحظة المقلقة، قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في غزة. إنه يتمتع بمكانة مرموقة في الشرق الأوسط على عكس أي من أسلافه في الذاكرة الحديثة. ومع ذلك، يواجه ترامب نفس المشكلة التي واجهها رؤساء أمريكيون سابقون: كيفية تغيير الحوافز والقيود السياسية المفروضة على الإسرائيليين والفلسطينيين حتى يتمكنوا من إنهاء الصراع الحالي والعيش بسلام في نهاية المطاف.

وقد ساد تفاؤل كبير بعد لقاء ترامب بنتنياهو في 29 أيلول/سبتمبر. لا يزال نتنياهو بحاجة إلى التغلب على معارضة نفس الأشخاص الذين تعتمد عليهم فترة حكمه. لهذا السبب، عندما ظهر أمام الصحافة مع ترامب الأسبوع الماضي، أكد أن الخطة الأمريكية ستحقق جميع الأهداف العسكرية والسياسية لإسرائيل. هذا صحيح فقط إذا أطلقت حماس سراح الرهائن الأسرى – وهو النفوذ الوحيد الذي تملكه الحركة- ونزعت سلاحها، وتخلت عن ادعائها بأنها نموذج للمقاومة، بمعنى آخر، قبلت بالهزيمة.

لن يعرف أحد أبدا إلى أين كانت ستقود الطرق الأخرى المحتملة الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين. ربما وضع ترامب المنطقة على مسار جديد، ولكن حتى لو فعل، فإن خطته لا تتحدث كثيرا عن تطلعات الفلسطينيين إلى تقرير المصير والعدالة، مما يضمن عمليا طريقا آخر طويلا وغير مؤكد.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *