لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا قالت فيه إن اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية كشف عن خطوط الصدع داخل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحرب في الشرق الأوسط.
وأضافت الصحيفة أن فرنسا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، اعترفت بفلسطين يوم الاثنين، مما عزز الحركة المتنامية للضغط على إسرائيل للدخول في محادثات سلام، وألقى الضوء على الانقسامات العميقة داخل أوروبا حول هذه القضية.
وبات عدد الدول التي تعترف بفلسطين، حوالي 150 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة. والدول المتبقية الرافضة للاعتراف غالبيتها غربية وبخاصة في أوروبا.
فقد دفعت حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، العديد من العواصم الأوروبية إلى إعادة النظر في موقفها كأداة دبلوماسية للدفع نحو السلام، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن هذه الخطوة في فعالية خاصة أقيمت قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقال: “هناك حل واحد لكسر دائرة الحرب والدمار: الاعتراف المتبادل. يجب أن ندرك أن الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون في عزلة مزدوجة”.
وتتوقف خطوة فرنسا على وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الأسرى الذين احتجزتهم حماس خلال هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على إسرائيل، والذي أدى للحرب المستمرة. كما اعترفت مالطة ولوكسمبرغ والبرتغال أيضا بالدولة الفلسطينية، فيما ربطت بلجيكا الاعتراف بالإفراج عن الأسرى وخروج حماس. وقال أنطونيو كوستا، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي: “اليوم، اعترفت غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين”.
وقد سلط تغيير موقف العديد من دول الاتحاد الأوروبي، والذي أعقب نفس التغيير الذي اتخذته المملكة المتحدة وأستراليا وكندا يوم الأحد، الضوء على الرفض القاطع لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا والمجر والنمسا وجمهورية التشيك، حتى للسماح لبروكسل بفرض عقوبات على إسرائيل، التي خلصت الأمم المتحدة إلى أنها ترتكب إبادة جماعية في غزة. ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا لتحقيق حل الدولتين للصراع، وهو ما يتطلب الاعتراف بفلسطين.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال فعالية نيويورك التي استضافتها فرنسا بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية: “في الوقت الذي نتحدث فيه، فإن حل الدولتين يتعرض للتقويض. ويجب ألا يحدث هذا، لأن خطة السلام الواقعية الوحيدة تقوم على حل الدولتين”. وأضافت فون دير لاين أن السلام يجب أن يشمل “إسرائيل آمنة ودولة فلسطينية قابلة للحياة والقضاء على آفة حماس”، مضيفة أن الاتحاد الأوروبي سينشئ مجموعة من المانحين لضمان أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية “قابلة للحياة أيضا من الناحية الاقتصادية”.
من جهة أخرى، رأت “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية متأخر، ولن يوقف دوامة العنف، إلا حل يقوم على دولتين متجاورتين.
ومع ذلك، اعتبرت الصحيفة أن اعتراف أقرب حلفاء إسرائيل وأقدمهم بالدولة الفلسطينية، لحظة فارقة. وهو يبرز مدى الغضب واليأس العالميين إزاء حرب إسرائيل المستمرة منذ قرابة عامين في غزة، وضمها التدريجي للضفة الغربية المحتلة. وأشارت للخطوة التاريخية التي اتخذتها بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال إلى جانب فرنسا، مشيرة إلى أن ثلاث دول أعضاء في مجموعة السبع تنضم إلى أكثر من 140 دولة أخرى في الاعتراف رسميا بدولة فلسطينية، في حين تصر حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة على تدمير أي تطلعات باقية لحل الدولتين لإنهاء الصراع المستعصي.
ورأت الصحيفة أن الاعتراف في مجمله رمزي ولن يغير من الواقع الحالي في الضفة الغربية ولن ينهي الحرب في غزة. والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة، القوة الوحيدة التي تملك نفوذا على إسرائيل، تعارض هذه الخطوات.
وعلقت الصحيفة أن الجنوب العالمي عندما يعتقد أن الغرب المنافق يغض الطرف عن المعاناة المروعة في القطاع المحاصر، وإجراءات إسرائيل في الضفة الغربية، فإن ذلك يعزز الدعم الدولي لحق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولة. كما يعزز فكرة أن الحل المستدام الوحيد للأزمة يكمن في توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تسوية تعالج المخاوف المشروعة للطرفين، وتتيح لهما التعايش جنبا إلى جنب بسلام.
وحذرت الصحيفة من أن الاعتراف قد يستفز نتنياهو الذي قضى سنوات، على حد تعبيره، يعمل ضد قيام دولة فلسطينية. ويرى هذه الخطوة بأنها مكافأة لحماس على هجومها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتعلق الصحيفة أن نظرة نتنياهو ضيقة الأفق وقصيرة النظر: فالاعتراف بدولة فلسطينية هو دعم لبديل قابل للتطبيق من شأنه أن يضعف التشدد الذي يتغذى عليه المتطرفون، ويقدم أملا بإنهاء دورات العنف التي لا تحصى.
وذكرت الصحيفة في هذا السياق أن أصدقاء إسرائيل الذين يعترفون بالدولة الفلسطينية، كانوا واضحين جدا في إدانتهم لحماس ومعاملتها للأسرى الإسرائيليين، وفي مطالبهم بالإفراج عنهم. لكن رفض نتنياهو إنهاء الهجوم الإسرائيلي، أو الانخراط في خطة ما بعد الحرب أو كبح جماح المستوطنين الغاضبين في الضفة الغربية، لم يترك لحلفائه أي خيار.
ومنذ هجوم حماس، حولت القنابل والجرافات الإسرائيلية غزة إلى منطقة غير صالحة للسكن مدمرة بذلك النسيج الاجتماعي في القطاع. كما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير، والذي كان يهدف إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين وإنهاء الصراع. ومنذ ذلك الحين، خلص عدد متزايد من الخبراء إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، بينما تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 65,000 شخص، وفقا لمسؤولي الصحة في غزة.
وبالتزامن مع حربها ضد غزة، زادت إسرائيل من جهود ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع إن لم تعلنه رسميا، معلنة عن بناء عشرات المستوطنات الجديدة التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، في حين تقوض ما تبقى من سلطة فلسطينية محدودة. ولا يخفي حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف نواياهم في تدمير مفهوم الوطن الفلسطيني.
وقد يمضي رئيس الوزراء الإسرائيلي قدما الآن في الضم الرسمي لأجزاء من الضفة الغربية. وإذا فعل ذلك، فعلى الدول الغربية أن تكون مستعدة للرد بإجراءات عقابية صارمة ضد إسرائيل، وفق الصحيفة.
وتعترف الصحيفة أن حل الدولتين لم يكن بعيدا كما هو الآن، فبعيدا عن إسرائيل، لم يخدم القادة الفلسطينيون قضيتهم، فالسلطة الوطنية الفلسطينية المدعومة من الغرب ضعيفة وتفتقد المصداقية. إلا أن التخلي عن حل الدولتين كجزء من حل عادل وقابل للتطبيق، والسماح بعقود من الصراع، يعني الرضوخ للمتطرفين من جميع الأطراف، وهذا ليس وقت التخلي عن السلام.