بغداد/المدى
المدى/متابعة
أكد عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ثائر الجبوري، الثلاثاء، أن قلة الإطلاقات المائية الواردة إلى العراق من قبل الجانب التركي لها تأثير واضح على حياة الإنسان والزراعة وكذلك الكهرباء.
وقال الجبوري في تصريح تابعته (المدى) إن “وزارة الموارد المائية أعلنت بشكل واضح أن هناك أزمة مياه وصل خطرها إلى مياه الشرب وبالتالي فإن الزراعة أصبحت خارج الخدمة بسبب الجفاف”.
وأضاف أن “نقص المياه لم يؤثر على حياة الإنسان فقط، بل أصبح عاملاً مهدداً للزراعة، وكذلك لمحطات الكهرباء التي تعتمد على مياه الأنهار في تبريد توربيناتها، مما ينذر بكارثة إنسانية جراء استمرار تناقص المياه”.
وبيّن الجبوري أن “الكثير من محطات المياه خرجت عن الخدمة بسبب النقص الحاصل في الحصص المائية الواردة من تركيا، حيث إن أنقرة لا تطلق الكميات التي يحتاجها العراق، والتي لا تمثل سوى 7% من إجمالي ما تمتلكه من مخزونات مائية”.
وأشار إلى أن هذا الواقع الخطير يضع العراق أمام تحديات متفاقمة تتطلب تحركاً دبلوماسياً عاجلاً، فضلاً عن اعتماد سياسات وطنية جديدة لإدارة الموارد المائية.
يعاني العراق منذ سنوات من أزمة مائية متصاعدة، إذ يعتمد بشكل كبير على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من الأراضي التركية، ويمثلان أكثر من 90% من موارده المائية السطحية. ومع توسع مشاريع السدود الضخمة في تركيا ضمن مشروع “غاب” العملاق (جنوب شرق الأناضول)، تقلصت كميات المياه المتدفقة نحو الأراضي العراقية بشكل كبير، الأمر الذي انعكس على مستويات المياه في الأنهار والسدود والخزانات.
وزارة الموارد المائية العراقية أكدت في أكثر من مناسبة أن تدفقات المياه من تركيا انخفضت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث لم تعد تتجاوز ثلث ما كان يصل في العقود السابقة. وفي ظل هذه الأوضاع، أصبح العراق من بين أكثر الدول عرضة لتداعيات التغير المناخي في المنطقة، إذ تتكرر موجات الجفاف القاسية، ويتراجع مستوى الأمطار بشكل ملحوظ، مما يزيد الضغط على الزراعة ويهدد الأمن الغذائي.
ويأتي هذا التراجع في وقت يواجه فيه العراق تحديات داخلية كبيرة في إدارة موارده المائية، منها قدم شبكات الري، والهدر الكبير في استخدام المياه لأغراض الزراعة التقليدية التي تستهلك نسباً عالية مقارنة بالإنتاج. كما أن التلوث المتزايد في الأنهار والمسطحات المائية يفاقم الأزمة ويؤثر على صلاحية المياه للشرب والاستخدام البشري.
يشكل نقص المياه خطراً مباشراً على ملايين السكان، خاصة في المناطق الزراعية التي تعتمد على الري من دجلة والفرات. إذ أدى الجفاف في السنوات الأخيرة إلى هجرة آلاف العائلات من الريف نحو المدن بحثاً عن مصادر رزق بديلة، الأمر الذي زاد من الضغط على البنى التحتية والخدمات الأساسية.
كما أن توقف العديد من محطات الكهرباء عن العمل أو انخفاض قدرتها الإنتاجية بسبب قلة المياه المستخدمة في التبريد، انعكس على ساعات تجهيز الطاقة للمواطنين، في وقت يشهد فيه العراق صيفاً شديد الحرارة تتجاوز فيه درجات الحرارة 50 درجة مئوية في بعض المحافظات.
وتحذر منظمات محلية ودولية من أن استمرار الوضع الحالي قد يقود إلى “كارثة إنسانية”، إذ يتهدد الأمن الغذائي والمائي معاً، ما يفتح الباب أمام أزمات اجتماعية واقتصادية وأمنية.
يرى خبراء أن معالجة الأزمة تتطلب تحركاً جدياً على أكثر من مسار. فعلى الصعيد الخارجي، يحتاج العراق إلى تعزيز مفاوضاته مع تركيا وسوريا للوصول إلى اتفاقات ملزمة حول تقاسم الحصص المائية، وفق القانون الدولي. أما داخلياً، فإن إصلاح قطاع المياه من خلال تحديث أنظمة الري، وتقليل الهدر، وتحلية المياه في بعض المناطق، وإعادة تدويرها، يمثل خطوات ضرورية للتخفيف من حدة الأزمة.
ومع استمرار انخفاض الإطلاقات المائية وتراجع الأمطار، يقف العراق أمام اختبار مصيري يتعلق بمستقبله المائي والغذائي والاقتصادي، حيث لم يعد الحديث عن أزمة مياه مجرد تحذيرات نظرية، بل حقيقة يومية يعيشها المواطن في تفاصيل حياته الأساسية.