لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده مراسلها في نيويورك، أندرو روث، قال فيه إن اعتراف عدد من الدول الغربية بدولة فلسطين سيزيد من التصدع الدولي. وقال فيه إن اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطينية سيقود إلى صراع دبلوماسي عالمي، حيث تدرس إسرائيل ضم أراض في الضفة الغربية ردا على ذلك، وهي خطوة من شأنها تعميق مواجهتها مع أوروبا وتوسيع هوة خلافها مع الدول العربية، وزيادة ابتعاد الولايات المتحدة عن حلفائها حول العالم، في ظل استمرار إدارة ترامب في دعمها لنتنياهو وإسرائيل في حربها على غزة.
وكانت واشنطن قد حذرت حلفاءها قبل إعلان يوم الأحد من أن إسرائيل سترد “رمزيا”، وأن كبار المسؤولين على دراية بأن ردها قد يعرض للخطر مبادرات إدارة ترامب الأساسية، بما في ذلك اتفاقيات إبراهيم، لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، لكنها تبدو معرضة لخطر الانهيار.
وسيؤدي اعتراف الدول الأخرى في تحالف “العيون الخمس”، وهي من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في مجال الاستخبارات، بفلسطين إلى زيادة التوترات في وقت يشهد فيه الشركاء بالفعل خلافات بشأن المساعدات لأوكرانيا، بالإضافة إلى قضايا ثنائية مثل التعرفات الجمركية.
حذر كبار المشرعين الجمهوريين رئيس الوزراء البريطاني، ورئيس الوزراء الكندي، ورئيس الوزراء الأسترالي، يوم الأحد من أن “المضي قدما بالاعتراف سيضع بلادكم في خلاف مع السياسة والمصالح الأمريكية الراسخة، وقد يستدعي إجراءات عقابية ردا على ذلك”
وفي رسالة مفتوحة، حذر كبار المشرعين الجمهوريين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، ورئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، يوم الأحد من أن “المضي قدما بالاعتراف سيضع بلادكم في خلاف مع السياسة والمصالح الأمريكية الراسخة، وقد يستدعي إجراءات عقابية ردا على ذلك”. وما زال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستؤيد رد إسرائيل بفاعلية، بما في ذلك الاستيلاء المحتمل على أجزاء من الضفة الغربية، أم أن إدارة ترامب وافقت فقط على عدم الوقوف في طريق نتنياهو، حيث يبدو أن إسرائيل تمسك بزمام المبادرة في علاقتها مع الولايات المتحدة وبشكل متزايد.
وطرح أعضاء حكومة نتنياهو اليمينية بالفعل خطة متطرفة لضم 82% من أراضي الضفة الغربية ردا على ذلك، مما يؤدي إلى عزل الأراضي الفلسطينية المتبقية عن بعضها البعض. وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، يوم الأحد بأن هذه الخطوة “تتطلب إجراءات مضادة فورية”، وإنه سيقدم مقترحا لـ”السيادة على يهودا والسامرة”، أي الضفة الغربية.
ولكن حتى لو لم تعتمد الخطة المتطرفة التي أقرها وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، فقد يعلن نتنياهو ضما رمزيا على الأقل لأراض معترف بها دوليا كأراض فلسطينية، ربما خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع. وستثير هذه الخطوة غضب الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث وصف مسؤولوها ضم الضفة الغربية بأنه “خط أحمر”، وقد تؤدي إلى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بعد خمس سنوات فقط من اعترافها رسميا بإسرائيل إلى جانب البحرين، مما يجعلها أول دولة عربية تفعل ذلك منذ الأردن عام 1994.
وكما ستزيد من الدعم للعقوبات والتعريفات الجمركية الجديدة في الاتحاد الأوروبي، مما يزيد التوترات بين إسرائيل وبروكسل في الوقت الذي أفادت فيه التقارير أن الولايات المتحدة تخطط لبيع أسلحة لإسرائيل بقيمة تقارب 6 مليارات دولار (4.5 مليار جنيه إسترليني)، بما في ذلك 3.8 مليار دولار (2.8 مليار جنيه إسترليني) مقابل 30 طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي إي أتش- 64 و1.9 مليار دولار (1.4 مليار جنيه إسترليني) مقابل 3,200 مركبة هجومية للمشاة. وفي يوم الأحد، قال نتنياهو إن إسرائيل سترد على إعلان يوم الأحد بعد زيارته للأمم المتحدة.
وقال: “لقد ضاعفنا الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة، وسنواصل هذا المسار” و”سيأتي الرد على أحدث محاولة لفرض دولة إرهابية علينا في قلب أرضنا بعد عودتي من الولايات المتحدة. انتظروا”.
وفي إعلانه يوم الأحد، قال ستارمر إن الهدف هو “إحياء أمل السلام وحل الدولتين”، ومع ذلك، أوضحت إسرائيل أنها تعتبر حل الدولتين منقرضا بالفعل، حيث قال نتنياهو بصراحة: “لن تكون هناك دولة فلسطينية”. وجاءت هذه التصريحات في حفل بمناسبة توسيع مشروع إي1 بين القدس ومعاليه أدوميم، والذي من شأنه أن يقطع فعليا القطاعات التي يسيطر عليها الفلسطينيون في الضفة الغربية إلى قسمين. وقال سموتريتش الشهر الماضي بأنه يعتقد أن هذه الخطط “ستدفن” فكرة الدولة الفلسطينية.
وتناولت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها موضوع الاعتراف الفلسطيني قائلة إنه يجب أن يكون دعوة للعمل وليس محاولة لتطهير الضمير. وأشارت إلى أن الموت ينهمر على مدينة غزة والجوع يلاحق شمال غزة، حيث قتلت إسرائيل حتى الآن أكثر من 65,000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين.
مسؤوليات بريطانيا التاريخية تجعل الاعتراف ضروريا بشكل خاص. لكنه يبقى غير كاف على الإطلاق
وتبدو احتمالات وقف إطلاق النار ضئيلة، ناهيك عن تسوية طويلة الأمد. وتقول الصحيفة إن “مسؤوليات بريطانيا التاريخية تجعل الاعتراف ضروريا بشكل خاص. لكنه يبقى غير كاف على الإطلاق. فلم تجر بريطانيا إلى هذه النقطة فحسب؛ بل على عكس غيرها، جعلت إعلانها مشروطا، حيث قال رئيس الوزراء بأن ذلك سيحدث ما لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار وشروط أخرى، وهو ما لن تلتزم به حكومة بنيامين نتنياهو أبدا. وبذلك، صور نتنياهو، على نحو خاطئ، مسألة إقامة الدولة كورقة مساومة، بدلا من إعلان حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في تقرير المصير بوضوح”.
وتعلق الصحيفة أن هذا التحول الدبلوماسي الشامل رمزي، إذ ستواصل الولايات المتحدة عرقلة العضوية الكاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة. وفي أحسن الأحوال، يعد هذا جزءا من جهد متضافر لإنهاء الحرب، ومنح آفاق إقامة الدولة على المدى الطويل فرصة ومنع التطهير العرقي.
وتعتقد الصحيفة أن الحكومات تحاول تخفيف غضب سكانها بسبب تواطؤها في الحرب، متجنبة اتخاذ خطوات أكثر جوهرية. وتبدو إسرائيل أكثر عزلة يوما بعد يوم. وبينما تبدو إدارة ترامب ثابتة في موقفها، فإن الدعم الشعبي في الولايات المتحدة أيضا آخذ في التراجع.
وتقول إن حل الدولتين ظل على قيد الحياة لسنوات، ولكنه يتلاشى يوميا على يد المستوطنين الإسرائيليين وبتشجيع رسمي. ويبدو أن الهجوم على غزة وشعبها مصمم لدفنه. وتقول الصحيفة إن “الترويج لسراب دولة فلسطينية دون اتخاذ إجراءات جادة لوقف الإبادة سيكون قاسيا وجبانا وأنانيا، ولكن بينما يجب أن يكون إنهاء القتل هو الأولوية، لا يمكن أن يكون الهدف مجرد وقف موت الفلسطينيين، بل ويجب أن يكون الهدف تهيئة فرص الحياة والوطن التي كان ينبغي ضمانها منذ زمن طويل”.
ورأت صحيفة “التايمز” أن اعتراف ستارمر بالدولة الفلسطينية هو مجرد “عرض سياسي” ولن يؤدي لسلام دائم أو يخفف من معاناة المدنيين في غزة.
وقالت الصحيفة إن ستارمر ونظيريه رئيسي الوزراء الكندي والأسترالي اللذين اعترفا بفلسطين يمكن منحهم بعض النقاط. فقد قال ستارمر في رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي بأن حل صراعٍ تاريخي يتطلب “إسرائيل آمنة تعيش بسلام إلى جانب دولة فلسطينيّة قابلة للحياة”. كما طالب بالإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس. ولكن حجته بأن “حل الدولتين الحقيقي هو العكس تماما من رؤية حماس الكراهية”، على الرغم من صحتها حرفيا، إلا أنها أكثر إشكالية، على حد قول الصحيفة.
ورأت أن تدمير حماس هو الشرط الضروري للسلام، فلا يعني اعتراف الحكومات الغربية بدولة فلسطين تعزيز حل الدولتين أو تقليص نفوذ حماس. وقالت إنه وبصرف النظر حول من سيحكم الفلسطينيين، فهناك اعتراضات براغماتية أخرى على اعتراف بريطانيا بفلسطين. فحدود الدولة الجديدة ودستورها، بل وعاصمتها، لم تحل بعد. ولن تشكل هذه العوائق، في حد ذاتها، عقبة أمام الاعتراف بدولة فلسطينية إذا ما قدم الدعم الدولي الاستقرار لنظام سياسي جديد.
ويحدث هذا أحيانا في النظام الدولي، كما حدث مع إعلان كوسوفو استقلالها الأحادي الجانب عن صربيا عام 2008. لكن من المستبعد جدا أن يكون هذا ما يحدث الآن في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتقول إنه مهما كانت علاقات الدول الغربية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية هشة، ومهما كانت الضغوط السياسية الداخلية، فهذه رسالة يجب أن تتحد حولها. لا يمكن تحقيق السلام بالتهدئة.