استقالة مثيرة في البرلمان وأنباء عن ميلاد حركة “زد” داخل حزب معارض- (تدوينات)


الرباط – “القدس العربي”:

تعيش الساحة السياسية المغربية حالة ارتباك وتململ داخل الأحزاب الكبرى، بعد أن ألقت احتجاجات “جيل زد” بظلالها على موازينها الداخلية وعلى صورة العمل الحزبي عمومًا. فقد دفعت هذه الاحتجاجات إلى تحركات غير مسبوقة داخل صفوف بعض التنظيمات السياسية، تمثلت في استقالة برلماني من حزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الحكومة، قبل أن يتراجع عنها لاحقًا، وتحرك شباب ينتمون إلى أحد أقدم وأكبر الأحزاب المغربية، ويتعلق الأمر بـ “الاتحاد الاشتراكي”، حيث أصدروا بيانًا باسم “حركة شباب Z الاتحادي”، أعلنوا فيه أن الحزب صاحب شعار “الوردة” يعيش “أسوأ مراحله”.

ويأتي هذا التفاعل الحزبي في وقت يرى فيه مراقبون أن خروج شباب لا علاقة لهم بالهيئات السياسية إلى الشارع، مؤشر على عجز الأحزاب عن تأطير جيل بأكمله أو أداء وظيفتها في المجتمع، ما يجعلها الطرف الأكثر تضررًا من احتجاجات “جيل زد”.

وبخلاف الاتهامات الموجهة إلى الأحزاب السياسية، والأحكام “الجاهزة” التي يطلقها بعض المحللين، يرى المدافعون عنها من أعضائها أنها تعرضت لتقزيم دورها والتدخل في أدائها ووظائفها. وفي المقابل، يؤكد المنتقدون أن سيطرة وجوه “مستهلكة” واعتماد ممارسات مشبوهة تضع الولاء فوق الكفاءة أدت إلى إدخال الشباب في حالة فراغ سياسي حقيقية.

استقالة مع وقف التنفيذ

بعد تداول خبر استقالة البرلماني محمد التويمي بنجلون، المنتمي إلى حزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الحكومة، ونشر تفاصيل رسالته وأسباب قراره، عادت مصادر إعلامية بعد ساعات لتؤكد أن النائب تراجع عن استقالته وسحبها من مكتب مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي).

أسباب الاستقالة كانت أكثر إثارة من أسباب التراجع عنها، إذ خلقت معًا جدلًا واسعًا في المشهد السياسي والرأي العام، خاصة أن البرلماني قال إنه “لم يجد جوابًا ملائمًا على مطالب الشباب المحتجين”، فاختار أن يقدم استقالته.

وتحدث البرلماني في رسالته عن مسألة الانضباط لقواعد الأغلبية البرلمانية في إطار المشاركة ضمن الائتلاف الحكومي، الذي حوّل – وفق تعبيره – “المسار التشريعي لبعض القوانين إلى آلية تصويت ميكانيكية، بعيدة عن نبض المجتمع وعن ملاحظات ممثلي الأمة، إلى درجة أن ممارسة الاختصاص النيابي في إبداء الرأي وتقديم الملاحظات أصبحت تُفهم كإخلال بميثاق الأغلبية”.

التفسيرات لم تتأخر أمام توضيحات البرلماني لأسباب استقالته، وكانت حاضرة أيضا لتأويل قراره بالتراجع عنها، حين أكد استمراره في مهامه التمثيلية بعد ضمانات حكومية بالاستجابة لمطالب الشباب، وفق ما أورد موقع “أنفاس بريس”، بينما أشارت مواقع أخرى إلى أن انتقادات حادة وجهت إليه من قيادة الحزب، وأن بإمكانه التراجع عنها بما أنها لم تأخذ مسارها القانوني بعد.

وتداولت منصات اجتماعية تصريحات لمصدر من حزب “الأصالة والمعاصرة” نفى فيها “بشكل قاطع الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص استقالة النائب البرلماني عن دائرة الفداء مرس السلطان، محمد التويمي بنجلون”، مؤكدة أن هذه المعطيات “لا أساس لها من الصحة”.

وذكرت أن الحزب نفسه استغرب ترويج ما وصفه بـ “الأخبار الزائفة”، متهمًا مروّجيها بالسعي إلى “خلق البلبلة وتشويه صورة المنتخبين”، داعيًا إلى “تحري الدقة والمصداقية قبل نشر أي معلومة، خاصة حين تتعلق بمسؤولين يمثلون إرادة الناخبين”.

وشدد مقربون من البرلماني بنجلون على أنه “ملتزم بمسؤولياته السياسية والبرلمانية، وسيظل وفيّا لثقة ساكنة الفداء مرس السلطان” (إحدى الدوائر الانتخابية في الدار البيضاء).

حركة شباب زد الاتحادي

عبر بيان جرى تداوله على نطاق محدود، اتهمت حركة تُدعى “شباب Z الاتحادي” الكاتب الأول (الأمين العام) لـ “الاتحاد الاشتراكي” بـ “اختطاف الحزب لسنوات طويلة”، وبأنه حوّله “من مدرسة نضالية عريقة إلى مكتب انتخابي فارغ، ومن منبر للدفاع عن الكرامة إلى أداة لتوزيع الامتيازات والصفقات”، وفق تعبير البيان.

وفي رأي الحركة المذكورة، فإن “ما يجري اليوم في المغرب من احتجاجات لجيل زد هو دليل قاطع على إفلاس الأحزاب التي خانت أدوارها”، واضعة حزبها (الاتحاد الاشتراكي) في مقدمتها، ومؤكدة أنه “حان الوقت لإعلان موقف واضح: لا مستقبل لحزب يدار بالتحكم والهيمنة الفردية”.

ووجّهت الحركة مطالبها إلى زعيم الحزب، رافضة عقد المؤتمر الوطني في ظل قيادته، وطالبت برحيله “لأنه المسؤول عن انهيار الحزب وتفكك تنظيماته وضياع مصداقيته في الشارع”. واعتبرت أن لشكر “لم يعد يمثل الاتحاد الاشتراكي ولا الاتحاديات والاتحاديين، بل يمثل نفسه وشبكة مصالحه الضيقة”، داعية “كل المناضلات والمناضلين الأحرار إلى الاصطفاف في معركة الإنقاذ ضد من اختطف الحزب وقطع صلته بجماهيره”، مؤكدة أن الحزب “سيعود لأبنائه الحقيقيين، للشباب والنساء والطبقات الشعبية، ولن يبقى رهينة رجلٍ واحد فقد شرعيته السياسية والأخلاقية”، حسب تعبيرها.

في سياق آخر مرتبط باحتجاجات “جيل زد”، دعا “المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال” إلى فتح نقاش عمومي حول احتجاج الشباب في وسائل الإعلام، مؤكدًا في بيان تلقّت “القدس العربي” نسخة منه، أنه توقف “عند مدى التعاطي المهني لوسائل الإعلام من خلال ترجمة الأدوار المطلوب أن تضطلع بها، خاصة على مستوى المساهمة في فتح نقاش عمومي متعدد الأبعاد، يكون فضاءً لمختلف آراء الفاعلين من مواقع وحساسيات وحقول معرفية متعددة”.

وشدد المركز الذي يرأسه الإعلامي المغربي جمال المحافظ على ضرورة أن يتناول الإعلام هذه الاحتجاجات “وفق مقاربات متنوعة ومن زوايا متقاطعة، وأن يتحول في تعاطيه مع هذه الأحداث وتداعياتها إلى وسيلة تمكن الرأي العام الوطني والدولي من تكوين صورة حقيقية وواضحة عنها وعن انعكاساتها على راهن ومستقبل البلاد في العديد من الميادين الحيوية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم والتشغيل ومحاربة الفساد، وهي القضايا التي شكلت أبرز المطالب التي حركت الشباب للخروج إلى الشارع”.

وبعد تأكيده أن مطالب الشباب المحتجين “مشروعة”، خلص البيان إلى أن هذه الوقائع “أظهرت مرة أخرى الوهن والعجز المزمن الذي يعاني منه الإعلام الوطني، الذي لم يستفد بما فيه الكفاية من الإيجابيات التي توفرها الثورة الرقمية التي أرخت بظلالها على كافة المجتمعات، وحول بعضها التطور التكنولوجي إلى فرص جديدة في التعاطي مع المتغيرات التي نعيشها”.

وأعلن المركز، الذي سبق أن نظم ندوة حول “الحركات الاحتجاجية في المنطقة المغاربية”، أنه يقوم حاليا، بتعاون مع شركائه، بالتحضير لندوة علمية حول الإعلام والحركات الاحتجاجية الشبابية، يشارك فيها إعلاميون وخبراء وهيئات مدنية وصحفية وحقوقية.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *