باريس- “القدس العربي ”:
تحت عنوان “ما هي حظوظ السلام في الشرق الأوسط؟”، قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، في رأي لرينو جيرار، إن السلام في الشرق الأوسط مغامرة شبه مستحيلة، لكن لم يحدث من قبل أن توافرت له ظروف مؤاتية كهذه.
واعتبر جيرار أن قبول حركة حماس من حيث المبدأ، في 4 أكتوبر الجاري، بجزء كبير من خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يُعدّ خبراً ساراً في منطقة عانت بشدة من غياب الأخبار الطيبة منذ عامين؛ مُشيراً إلى أن هذه الخطة قد حظيت بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي وكذلك قادة الدول العربية والإسلامية الرئيسية الذين اجتمعوا في نيويورك بمناسبة انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد بدأت يوم الاثنين في مصر المفاوضات التقنية لتطبيق هذه الخطة، والتي تتمثل مرحلتها الأولى في تحرير آخر الأسرى الإسرائيليين الذين اختُطفوا في 7 أكتوبر عام 2023 على الأراضي المعترف بها دولياً كإسرائيل، ولا يتحدث الدبلوماسيون الإسرائيليون وقادة حركة حماس مباشرةً، بل من خلال وسطاء قطريين ومصريين. وهذه المحادثات تثير أملاً كبيراً في المنطقة، حيث إن العديد من الإسرائيليين سئموا الحرب. فصراعاتهم مع العرب تتكرر بأشكال مختلفة منذ نحو من قرن.
وتابع جيرار القول إن الإسرائيليين يتوقون إلى فترات طويلة من السلام، كتلك التي عرفها الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية. كما يتمنون أن يُقبلوا أخيراً في العالم العربي الإسلامي المحيط بهم، بعد أن شيّدوا على أرض صغيرة المساحة، كانت شبه صحراوية وموبوءة بالملاريا، مجتمعاً حراً ومنفتحاً، وزراعة نموذجية، وجيشاً قوياً، ودولة ديمقراطية، وصناعة مبتكرة، وفق مزاعم الكاتب.
وبعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020، التي رعاها دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، سافر أكثر من 100 ألف إسرائيلي لقضاء العطلة في الإمارات العربية المتحدة، يُشير الكاتب، موضحاً أن الاسرائيليين يتمنون ألا يشعروا دوماً بأنهم مهددون بقصف الصواريخ أو بالهجمات، بعد أن صُدموا بشدة من هجوم الـ7 أكتوبر 2023، وهي أسوأ مذبحة لليهود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يقول جيرار.
أما العائلات الفلسطينية العربية، فهي بدورها تحلم بأن تعيش بسلام وتربي أبناءها بكرامة. فالعائلات التي تعيش في غزة عانت خلال العامين الماضيين مأساة إنسانية كبرى. والرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس لم يكن دقيقاً أو جراحياً (كما حدث لاحقاً ضد حزب الله في لبنان)، بل تحول إلى عقاب جماعي لأكثر من مليوني شخص. فقد جعل الحصار والتنقل القسري وتدمير البنية التحتية، الحياة جحيماً في قطاع غزة.
وفي الضفة الغربية، أطلقت الدولة الإسرائيلية، التي يُفترض أنها دولة قانون، العنان للمستوطنين الأكثر تطرفاً، الذين يعتدون بجبن على عائلات عربية مستقرة في فلسطين منذ قرون، يقول جيرار.
وتابع الكاتب أنه تأثّر بشدة، خلال زيارة قام بها إلى غزة أثناء حرب صيف عام 2014، بسبب معاناة أختين فلسطينيتين التقاهما صدفة في مقهى على شاطئ غزة. كان منزلهما، القريب من الحدود الإسرائيلية، قد نُسف من قبل الجيش الإسرائيلي. وكانتا قد جاءتا لتدخين النرجيلة على البحر، كفسحة قصيرة من المعاناة، حين جاء مسلحو حماس ليمنعوهما من التدخين باعتباره محرّماً في الإسلام. وكانت حياتهما سحقاً بين القنابل الإسرائيلية والدكتاتورية الدينية والسياسية التي يفرضها مسلحو حماس، على حد قول الكاتب.
لقد تأثر دونالد ترامب بالصور التلفزيونية لمعاناة الشرق الأوسط، يواصل الكاتب، فأدرك أنه يجب وضع حد نهائي لدائرة العنف اللامتناهية هذه، التي تغذيها الأحقاد والثأر المتبادل. فأعدّ خطة سلام واقعية ومطابقة للقانون الدولي، الذي يحظر التهجير القسري للسكان وضم الأراضي دون موافقة سكانها.
لكن هناك خطران كبيران يهددان هذه الخطة، أحدهما من الجانب الإسرائيلي والآخر من الجانب الفلسطيني، وفق رينو جيرار. فعلى الجانب الإسرائيلي، يجب على بنيامين نتنياهو ألا يخضع لضغوط الوزيرين اليمينيين المتطرفين في حكومته اللذين يحلمان بتهجير الفلسطينيين من غزة نحو مصر وبضم الضفة الغربية.
ومنطق خطة ترامب يقوم على الوصول، بعد عملية طويلة مليئة بالعقبات، إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وهو أمر لم يقبله نتنياهو إلا مرة واحدة، وبتحفظ شديد، في عهد إدارة كلينتون.
ولإدخال الدولة العبرية في دينامية السلام هذه، اعتبر رينو جيرار أنه سيتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي أن يحذو حذو سلفه الشهير من حزب الليكود، مناحيم بيغن، وأن يتخلى نهائياً عن مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي ورثه عن فلاديمير جابوتنسكي.
فنتنياهو قادر تماماً على أن يفهم أن الأمن الحقيقي لإسرائيل لا يتحقق إلا بالسلام مع جيرانها.
أما على الجانب الفلسطيني، فعلى حماس أن تتخلى عن السلطة المطلقة التي تمارسها على غزة منذ عام 2007. فبدلاً من تحويل القطاع إلى “سنغافورة” مزدهرة بفضل أموال دول الخليج، اختارت الحركة طريق الحرب المدمرة.
واليوم، عليها أن تستخلص الدروس من فشلها الاستراتيجي وأن تغادر القطاع، مستفيدةً من العفو العام الذي تنص عليه “خطة ترامب”. فهل سيكون قادة حماس قادرين على تغليب سعادة شعبهم على مصالحهم السياسية الضيقة؟ يتساءل رينو جيرار، معتبراً أنه على أن يَقين خالد مشعل، الذي أجرى معه مقابلة عام 2008، لصالح صحيفة لوفيغارو، قادر على تقديم مثل هذا التنازل من أجل شعبه. أما بالنسبة لبقية القادة، فيقول جيرار إنه ليس متأكداً.
والخبر الجيد أن قطر وتركيا تمارسان ضغوطاً إيجابية في هذا الاتجاه، وتنسقان مع الأمريكيين. فالسلام في الشرق الأوسط مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكن لم يحدث قط أن توافرت له ظروف مؤاتية كما هي الآن.