الجزائر- “القدس العربي”:
خرجت أحزاب سياسية في الجزائر، عن تحفظاتها إزاء قضية سجن عميد الصحافيين الجزائريين سعد بوعقبة، على خلفية تصريحاته التي أدلى بها لقناة إلكترونية واعتبرت مسيئة لبعض رموز الثورة التحريرية، في وقت ردّت وكالة الأنباء الجزائرية برفض هذه المواقف التي اعتبرتها تدخلا في عمل القضاء.
وفي بيان لها، أكدت حركة مجتمع السلم، اهتمامها البالغ بقضية سعد بوعقبة، مشيرة إلى احترامها الكامل لرموز الدولة وقادة الثورة، وللمسار الجهادي التاريخي لهم.
وأكدت الحركة على ضرورة احترام استقلالية القضاء ورفض أي تدخل في إجراءاته وأحكامه، لكنها في الوقت نفسه شددت على أن معالجة القضايا المرتبطة بالممارسة الإعلامية وحرية الصحافة يجب أن تستند إلى حماية دستورية واضحة، مستندة إلى المادة 54 من دستور 2020 التي تمنع العقوبات السالبة للحرية في حق الصحافيين.
وطالبت الحركة التي تمثل أكبر صوت معارض في البرلمان، بمقاربة دستورية لمعالجة القضايا الحساسة، بما يحفظ حقوق جميع الأطراف ويجنّب البلاد الاحتقان والتجاذبات السياسية، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة وصيانة الحريات وكرامة الرموز التاريخية. وذكرت الحركة بتاريخها في الدفاع عن حرية التعبير والذاكرة الوطنية، مؤكدة على الالتزام بالدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
في نفس السياق، عبّر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، عن قلقه العميق من وضعية الصحافي بوعقبة، ووصف الحبس المؤقت بأنه إجراء غير مقبول في مواجهة الرأي مهما كان مثيرًا للجدل أو قابلًا للنقاش.
ورأى البيان الصادر عن الحزب أن الحق في الرد وفتح نقاش عام كان كافيًا لمعالجة الأمر، وأن العقوبة السالبة للحرية تشكل إخلالًا بالمبادئ الديمقراطية، مضيفًا أن غلق مكتب قناة رؤية جاء بلا شفافية ويهدف إلى تكميم الأفواه وتقليص حرية الإعلام المستقل.
وحذّر الحزب من أن هذه الإجراءات تنذر بالعودة إلى مناخات التوتر والفصل بين السلطة والرأي العام، داعيًا إلى الإفراج الفوري عن بوعقبة ورفع القيود عن وسائل الإعلام المستقلة، كشرط أساسي لضمان حق المواطنين في المعرفة وتمكينهم من التمييز بين المعلومة الصحيحة والخاطئة.
ورغم انتمائها للموالاة، عبّرت حركة البناء الوطني عن موقفها المؤيد لصالح الإفراج عن بوعقبة، معتبرة أن قضية الصحافي يجب أن تُعالج ضمن إطار احترام القانون وأخلاقيات المهنة، وبما يتيح للصحافيين أداء مهامهم دون مضايقة أو تهديد.
ورأى رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة أن حرية التعبير والرأي الحر هي صمام أمان للديمقراطية، وأن معالجة الملفات الحساسة يجب أن تتجاوز الإجراءات الشكلية لتجسيد روح القانون. وأشار البيان إلى أن تصريح بوعقبة كان تحليليًا للأحداث وليس اتهامًا شخصيًا، وأن الاعتذار الذي قدمه يكفي لتصحيح الموقف مع الحفاظ على كرامة عائلة الرئيس الراحل أحمد بن بلة.
كما دعا البيان إلى تأسيس آليات دستورية أخرى تضمن حماية الحريات الفكرية والأعراض الشخصية على حد سواء، وتؤكد على ضرورة حوار وطني يضمن عدم إقحام القضاء في التعامل مع الأفكار والمواقف الفكرية.
وبدا أن هذه البيانات لم ترق لوكالة الأنباء الجزائرية التي تعبر عادة عن الموقف الرسمي، حيث ردّت ببرقية اتهمت فيها بعض الأحزاب السياسية بمحاولة استغلال القضية سياسياً، وإدخال الديماغوجية كأداة لتعويض عجزها عن تقديم برامج سياسية واضحة للشعب.
وأكدت الوكالة أن أحد الأحزاب قام بمزايدة على مواقف الجزائر الدولية، بما يشكل انتهاكًا للدستور الذي يمنح الرئيس صلاحية السياسة الخارجية، بينما اتخذ حزب آخر من الديماغوجية فرصة للاستعداد للانتخابات المحلية والوطنية المقبلة عبر التشكيك في أحكام القضاء المتعلقة بمكافحة خطاب الكراهية، رغم أن هذه الأحزاب كانت قد صوتت لصالح القانون ذاته داخل البرلمان.
ورأت الوكالة أن هذه المواقف تعكس نية بعض الأحزاب في التحايل على العدالة وقوانين الجمهورية والعودة إلى ممارسات سياسية قديمة قائمة على الزبائنية والجهوية، التي انتهت فعليًا منذ ديسمبر 2019.
ولاقى مقال وكالة الأنباء ردود فعل، عبّرت فيها بعض الشخصيات عن عدم رضاها لتدخل مؤسسة إعلامية عمومية في مواقف الأحزاب السياسية.
وفي هذا السياق، أبدى النائب عبد السلام باشاغا امتعاضه مما وصفه بتصرفات غير مسؤولة في وسائل الإعلام الرسمية، مشيراً إلى أن بعض الكتاب في وكالة الأنباء العمومية، المموَّلة من أموال الشعب، يتصرفون وكأنهم الدولة، من خلال تصنيف الناس وتحكيم الهيئات وتشهير المؤسسات ومحاسبة الأحزاب على مواقفها السياسية، دون أن يُعرف عنهم اسم أو توقيع، داعياً إلى مزيد من الشفافية والمسؤولية في التعامل مع الرأي العام.
وبخصوص قضية بوعقبة، ينتظر أن تُعقد محاكمة الصحافي يوم 4 ديسمبر المقبل، بتهم “إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز ثورة التحرير الوطني”، و”نشر وترويج عمدًا بأي وسيلة كانت لأخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة بين الجمهور”، وفقًا للمواد 148 مكرر 1 و333 مكرر 6 و196 مكرر من قانون العقوبات.
كما سيتم متابعة حراوي عبد الرحيم، مسيّر قناة رؤية، بجنحة “إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز ثورة التحرير الوطني”، استنادًا إلى المادتين 42 و148 مكرر 1 من قانون العقوبات، بصفته مشاركًا في بث المحتوى محل المتابعة.
وأوضحت النيابة أن متابعة بوعقبة جاءت بناءً على شكوى تقدمت بها مهدية بن بلة، ابنة الرئيس الراحل أحمد بن بلة، اتهمت فيها الصحافي بالمساس بوالدها، باعتباره رمزًا من الرموز التاريخية للدولة الجزائرية، وذلك إثر تصريحاته في لقاء صحافي بثّته قناة “رؤية” على يوتيوب.
وذكرت النيابة أن اللقاء تضمن، وفق الشكوى، “معلومات كاذبة وخاطئة ومشينة تمس رموز الدولة ورموز ثورة التحرير الوطني”، حيث قال بوعقبة إن قادة من الثورة “تقاسموا أموال جبهة التحرير الوطني بطريقة غير شرعية وأودعوها في حساباتهم الشخصية”.
ويعد بوعقبة أشهر كتاب العمود في الصحافة الجزائرية، وهو يزاول المهنة منذ 50 سنة، ويمتاز بقلمه اللاذع في انتقاد السياسيين، واشتهر بالخصوص بعموده نقطة نظام على جريدة الخبر التي توقف عن الكتابة فيها منذ سنوات.