غزة – “القدس العربي”:
مع انهيار “مؤسسة غزة الإنسانية” التي أسستها إسرائيل بالشراكة مع الإدارة الأمريكية، كوكيل حصري لتوزيع المساعدات على سكان قطاع غزة، يستذكر سكان غزة الذي ذاقوا الحسرة، فقدان أحباب لهم على أعتاب مراكز التوزيع، ومن أصيب بإعاقات دائمة جراء الاستهداف الممنهج من قبل جنود الاحتلال ووحدات الأمن الخاصة بالمؤسسة.
انتهاء مهمة القتل
وبعد أن أدت مهمتها في إيقاع أكبر قدر ممكن من سكان غزة، ما بين قتيل ومصاب، أعلنت الشركة الأمريكية المسماة “مؤسسة غزة الإنسانية” عن وقف كامل أنشطتها، بعد أكثر من شهر على اتفاق وقف إطلاق النار.
ولم يعد لهذه المؤسسة ولا طواقمها ولا مراكزها أي وجود فعلي في اليوم الأول لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يوم العاشر من أكتوبر الماضي، ففي ذلك اليوم اتجهت أعداد كبيرة من السكان إلى تلك المراكز، لتراها خالية تماما من المساعدات ومن أفراد طاقم الحماية الأمريكي، الذي أثبتت الكثير من اللقطات المصورة مشاركتهم في عمليات القتل الممنهج التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين، بما يثبت أن إقامتها في فترة الحرب التي تلت التهدئة السابقة التي انهارت في مارس الماضي، كان هدفها فقط القتل أولا.
بعد أن أدت مهمتها في إيقاع أكبر قدر ممكن من سكان غزة، ما بين قتيل ومصاب، أعلنت الشركة الأمريكية المسماة “مؤسسة غزة الإنسانية” عن وقف كامل أنشطتها
يقول سكان غزة إن الوجبات التي قدمتها وأجبروا بسببها على المخاطرة بحياتهم، للوصول إليها سالكين طرقا وعرة وشائكة، ومن حولهم جنود القناصة الإسرائيليون، كانت مغمسة بالدم.
شهادات حية
عبد الرحمن الهور، واحد من بين شبان كثر لا زالوا يعانون من ألم أحدثته هذه المؤسسة، ففي لحظة واحدة أصيب عبد الرحمن برصاصة أصابت منطقة البطن وإحدى كليتيه والطحال، وتسببت في تمزيق أحشائه، وجعلته طريح فراش المرض لثلاثة أشهر، قبل أن يتمكن قبل أسابيع قليلة من المشي بصعوبة، ويشعر كما يقول لـ”القدس العربي” بآلام شديدة مع كل حركة.
ويقول “في ذلك اليوم كنت قد وصلت بصعوبة إلى بوابة مركز التوزيع، كان صوت إطلاق النار يسمع في كل مكان، وأحيانا كنا نرى الرصاصات تضرب الأرض التي تجاورنا، وفجأة شعرت بألم شديد يمزق أحشائي، لم احتمل سقطت على الأرض، وبصعوبة بالغة أوصلني من معي إلى عربة إسعاف بعيدة، لتبدأ معها رحلة الألم، تنقلت من مستشفى إلى آخر، وأجريت عمليات جراحية، أبلغت بعد إفاقتي باستئصال الكلية والطحال”، ويشير إلى أن عدم توفر أي مواد غذائية عند أسرته هو ما أجبره على ذلك، رغم علمه بأن فرصة النجاة هناك ستكون ضئيلة، فمن قبله يستذكر صديقة رامي الذي قضى في طريق الحصول على تلك الأطعمة المغمسة بالدماء.
وشابهت قصة هذا الشاب، ما يعيشه الكثير من الجرحى الذين سقطوا على بوابات المؤسسة، ومنهم حسام جمعة، فهذا الرجل في بداية الثلاثينيات، أصيب بطلق ناري هشم عظام يده، وأفقده الحركة فيها تماما، قرب أحد مراكز التوزيع في مدينة رفح جنوبا، ويقول لـ”القدس العربي”، إنه منذ ثلاثة أشهر يعاني وقد أجرى أربع عمليات جراحية، دون أن يشعر بأي تحسن.
ولا زال الألم يعتصر قلب المسن أبو إبراهيم نبهان، الذي فقد نجله الأصغر، على أعتاب تلك المؤسسة، ويقول هذا الرجل السبعيني، إن ضيق الحال وعدم توفر أي مواد غذائية دفع بأبنائه للذهاب إلى تلك المراكز بحثا عما يسكت جوع الأطفال، وإن نجله محمود الذي قضى برصاصة قاتلة، كان من بين عدد كبير من المواطنين بينهم جيران ذهبوا إلى مركز التوزيع شمال مخيم النصيرات، ليعود محمولا على الأكتاف، ويوضح هذا الرجل الذي بكى من حرقة الفراق، أن حجم الجوع الذي شعرت فيه الأسرة كباقي أسر غزة في ذلك الوقت هو ما كان يدفع السكان إلى تلك المراكز.
ملف الملاحقة القانونية
وفي تلك الفترة، التي كانت تتعمد فيها سلطات الاحتلال تقنين المساعدات بشكل كبير، كانت وزارة الصحة تعلن يوميا عن وفاة مواطنين أغلبهم أطفال جراء “سوء التغذية”، ووقتها وصل عدد من قضى جوعا لأكثر من 220 مواطنا.
ويقول جميل سرحان مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، إن هذه المؤسسة عملت بآلية وفقا للمنهج الذي تمارسه قوات الاحتلال، مشيرا في حديثه لـ “القدس العربي”، إلى أنها خالفت خلال عملها كل المعايير الإنسانية الدولية، التي تستند إلى الحياد، وأنها تفتقد إلى المعيار الإنساني، وأن تصل إلى المواطنين بكرامة، وساهمت وشاركت في عملية “الإبادة الجماعية”، مؤكد أن لديهم “بينات قاطعة” أن موظفين في هذه المؤسسة قد أطلقوا النار ما أفضى إلى قتل فلسطينيين.